سياسة

“واشنطن بوست”: البرلمان المصري سيولد معطلا

واشنطن بوست: الانتخابات صممت لتهميش الإسلاميين وإبقاء البرلمان بعيدا عن ميزانية الجيش والشرطة

واشنطن بوست – ناثان جي براون – ترجمة: محمد الصباغ

خلال الأسابيع القادمة، ستصوت مصر في الانتخابات البرلمانية التي لا يعلم فيها أحد من الفائز لكن الجميع يعرفون النتيجة. سوف يزعم النظام حينها (على نحو غير دقيق) أنه قد  تم الانتهاء من ”خارطة الطريق“، التي أعلنت عندما تم الاطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي عام 2013.  يمتلك القليل من الملاحظين آمالاً كبيرة بشأن البرلمان المقبل، لكن المستقبل الباهت تعود جذوره إلى ماضي الدولة المعقد.

بغض النظر عن نتائج السباق الفردي، فسوف يلعب البرلمان نفس الدور: الهيكل سيكون ضعيفاً لكن ليس لدرجة ألا يكون له أنياب، سيكون ختم مطاطي أكثر منه عثرة سريعة مزعجة لحكام مصر. واقعياً، من المحتمل أن يخرج الجميع بخيبة أمل: فقادة مصر الذين لا يبدون اهتماماً بالسياسة سيجدون برلماناً يجب الضغط عليه، والمعارضة ستجد القليل من المنافذ، والنواب سيتمتعون بالقليل من السلطة، أما الناخبون فسيجدون خيارات قليلة. يبدو أن البرلمان المصري لن يخدم أي غرض، لكنه سيتواجد من أجل غرض ما. ما السر وراء برلمان على ما يبدو صنع بطريقة (التقادم المخطط) –أي أن يصنع مع معرفة تامة بأنه سرعان ما سيكون بالياً وبحاجة إلى الاستبدال.

هذه ليست انتخابات ستالينية. يتنافس العديد من المرشحين والقوائم الحزبية. ومع مجموعة من القوانين الجديدة، وإعادة رسم لحدود الدوائر، وعوامل انتخابية لم تختبر وتحايل كبار الشخصيات المحلية من خلال نفوذها بتحالفات جديدة، من الصعب التنبؤ بالسباقات الفردية. لكن النتيجة المتوقعة ستبقى كما هي مجرد مجموعة من السياسيين من أطياف مختلفة، مثقفون وشخصيات عامة (لكن ليسوا من أحزاب قوية) يأملون في الوصول إلى الموارد، ومنصات الظهور والوجاهة الاجتماعية.

لا تستطيع المعارضة أن تفوز، حيث لا توجد أي معارضة حقيقية مرشحة. تم تصميم الانتخابات بعناية حتى يتم تهميش أكثر الإسلاميين نفوذاً وتعزيز فرص الأفراد البارزين محلياً الذين يفتقدون إلى الأيدلولوجية الواضحة أو الانتماء. وتم قمع الحزب الأكبر في مصر خلال الانتخابات الماضية، الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين، ويتحدث أعضاؤه الذين مازالوا غير معتقلين عن الثورة أكثر من حديثهم عن الانتخابات. أما الحزب الثاني الأكبر، النور السلفي، فيتشبث بوجوده القانوني، لكن مصداقيته بين مؤيديه السابقين لم يتم اختبارها.

وللتأكيد، فالعديد من الشخصيات المستقلة تتنافس أيضاً من أجل المقاعد. لكن في البيئة السياسية الضيقة في مصر، مع تخويف أو احتواء المجتمع المدني، وحيث المظاهرات تقمع بقسوة ويتم مراقبة معظم المنظمات، فهذه الأحزاب المتواجدة تشتكي بالفعل من أنها لا تستطيع حشد أتباعها المحتملين من أجل المنافسة الانتخابية. وحتى لو تم إزالة تلك التضيقات بشكل مفاجىء، تبدي القليل فقط من المنظمات الحالية مهارة في حشد المصوتين. فيما دارت معركة علنية بين اللجنة العليا للانتخابات وبين المحاكم حول من يستطيع الترشح. بشكل أكثر هدوءاً، بعض الشخصيات السياسية اشتكت من أن الأجهزة الأمنية تميل لصالح مرشحين بعينهم. فيما يتم استبعاد آخرين من المنافسة.

مع الأحزاب الضعيفة، سيكون المجلس الذي ازداد عدد أعضائه بمعدل الخمس عن سابقه (الذي تم حلّه عام 2012)، ومعظم الحملات تعتمد على دوائر محلية والسمعة، سيمتلئ البرلمان الجديد بنواب يفتقدون إلى الخبرة السابقة أو الأيدلولوجيات القوية، وسيقوده بدلاً من ذلك البرامج التافهة والوعود المقيتة. فيما قد ينتزع المرشحون الفرديون ثمناً للولاء: سوف يحتاج من يتبعون الدوائر المحلية أن يظهروا قدرتهم على إيصال السلع، ومن لهم اهتمامات تجارية قد يثمنون العلاقات التي سوف يصلون إليها، في حين أن المثقفين والمستقلين قد يتوقعون أن يتم التعامل مع أفكارهم بجدية قبل أن يلتحقوا بالصف. ويمكن تشبيه انتخابات 2015 بأنها كالتعبيرات والأصوات التى يستخدمها المصريون في لهجتهم لتجميع قطيع من القطط.

هل يهم ذلك؟ نعم، لأن هناك إجراءات قد يقوم بها البرلمان وستؤثر على طريقة حكم مصر. وكما هو ملحوظ، هناك تحركات من المفترض أن تتخذ سيكون هناك صعوبة في القيام بها.

خلال الأربعة أعوام ونصف الماضية، استغل حكام مصر الفراغ البرلماني من أجل إصدار المئات من التعديلات القانونية بموجب مراسيم. وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه أكثر من 200 مرسوم بقانون، وبعضها يتعلق بمسائل حساسة.

تتطلب المادة رقم 156 في الدستور الجديد لعام 2014 أن يتم عرض تلك المراسيم فوراً على البرلمان، وإذا فشل البرلمان في التصديق، يتم إلغاء تلك القوانين بأثر رجعي. لغة الدستور إلى حد ما صارمة، إلا إذا وجدوا ثغرة ما –وقد يجدوا- وحينها من الصعب تخيل أن النواب سيتبعون أي مسار إلا التسليم المخزي للحقائق السياسية والتصديق عليها جميعاً. لكنها ستكون عملية قميئة.

من المحتمل أن يحتاج البرلمان الجديد عدة أسابيع كي يرتب شؤونه الأساسية مثل اعتماد اللوائح، وانتخاب رئيس، وتشكيل اللجان- فيبدو أنه من المحتمل أن النواب سيكونون قادرين على قراءة الكثير من القوانين التي سيضغط عليهم للتصديق عليها.

في الغالب سيظهر البرلمان عجزه عن ممارسة صلاحيته التي منحت له اسماً. وسيواجه من يفترض أنهم المشرعون في مصر مشكلة في التشريع. في الماضي، كانت التشريعات تصاغ بواسطة وكلاء السلطة التنفيذية ثم يتم عرضها على مستشارين قضائيين قبل أن تعرض على البرلمان. ومن غير المحتمل أن يتغير هذا المسار مع البرلمان القادم، بالرغم من أن النواب الذين قد يقدمون مشاريع قوانين تثير الصخب يعرفون أنهم سيفشلون او سيستخدمون المناقشات التشريعية لجذب الانتباه. من المحتمل أن يحصل النظام على أي قانون يريده لو عمل بجدية كافية، لكنه قد يجد نفسه مجبراً على العمل من أجل حشد الأغلبية حول بعض القضايا.

بعض القوانين سيكون من الصعب تغييرها –ربما لأسباب جيدة- وسوف يسعد ذلك البعض. ويقر القانون المصري نوع خاص من التشريعات التي تقع بين القانون العادي والنص الدستوري: ”قانون مكمل للدستور“ وهو موجود لتعريف حق محدد أو إجراء. وفقاً للمادة 121 من دستور 2014 تتطلب تلك القوانين موافقة أغلبية بنسبة الثلثين من الأعضاء. ويبدو أن الغرض من البند هو ضمان أن مثل هذه الأجزاء الجوهرية في الغطار القانوني المصري هي نتاج لمداولات وتوافق، وهو سلوك منطقي. بينما في هذا السياق، تعني هذه المادة أن أي قانون من هذا القبيل سوف يحتاج إلى أن يمر بعائق كبير –وحتى يحدث ذلك، سيستمر الانتقاد للتشريعات الاستبدادية ومصر المتداعية.

لتوضيح الأمور أكثر، سيعمل البرلمان القادم بسيف قانوني فوق رقبته. قد تقوم المحكمة الدستورية العليا بإلغاء القانون الذي انتخب بناء عليه البرلمان. ومثل هذا الحكم قد يتطلب حلّ المجلس فوراً. منذ عام 2011، حاولوا العديد من خبراء صياغة القوانين إيجاد طريقة من أجل تجنب الحلّ، لكن لم تنجح أي من تلك المحاولات.

من غير المفاجىء أن يتصرف النواب المنتخبون بالنظام الفردي، والذين منحوا مسؤوليات قليلة بطريقة فردية غير مسؤولة. وسيكون من السهل تصويرهم كأنهم مجموعة من المتفاخرين أو الساسة المرتشين.

لكن سيكون على الرئيس أن يتعامل معهم، أو في الواقع يبدي مؤشرات بإدراك ذلك، ويستخدم أدواته من أجل استمالتهم لإرادته. في العام الماضي، هبط أحد الجنرالات وأصبح الأمين العام للبرلمان، في سابقة غير معهودة وسيستغرق وقتاً طويلاً حتى يحصل أي نائب على هذا المنصب.  والأقرب من ذلك، عندما أمر الرئيس عبدالفتاح السيسي بتشكيل مجلس وزراء جديد وأعلن صراحة أنه يأمل في أن يصدق عليه البرلمان الجديد.

وأشار علماء السياسة المتخصصون في دراسة الأنظمة الاستبدادية إلى أن البعض يقوم بدمج عناصر الاجراءات الديمقراطية. وهذه الأنظمة التي تقوم ببعض الانتخابات وتحد من التعددية في الحياة السياسية يبدو أنها تبقى فترة أطول من الأنظمة التي لا تفعل ذلك. هناك الكثير من الأسباب لأن تكون تلك هي القضية: يسمحون ببعض الجمع للمعلومات، وبعض التوجيه للمعارضة إلى قنوات قانونية، وبعض الفرص للنقد المتفق عليه، وربما بعض الاحتمالات للتطور بدلاً من حالة الجمود. وتقدم البرلمانات المعبأة والمطوعّة هذه الوظيفة لكن لا يفعل ذلك البرلمان الخاضع.

يخطئ بعض المحاضرين عندما يعتقدون أن الوظيفة الظاهرية لهذه المؤسسة (البرلمان) قد وضعت عمدا لهذا الغرض. ويظهر النظام البرلماني المصري وجها آخر للاستبداد: فهو لا يعمل وفقاً لأسس تم صياغتها بعناية لتوفير خدماتها على المدى الطويل وباستمرار لكن بدلاً من ذلك، يتم اتخاذ قرارات لغرض محدد مبنية على احتياجات على المدى القصير. ويظهر التخطيط الدستوري أسلوباً تكتيكيا (قصير المدى) في تلك القضايا، بالكاد يمكن اعتباره استراتيجيا.

في عام 2013، وجد قادة النظام الذي أعاد تشكيل نفسه سريعاً أن البرلمان كان جزءا من النظام السياسي المصري تأسس منذ فترة طويلة، ولذا ضمنوا أنه سيظل موجودا وقائما دائماً. عرف مهندسو الدستور جيدا ما يريدون فعله، وليس ما يريد أن يفعله البرلمان، مثل العبث في ميزانية الجيش أو شؤون الشرطة دون رقابة، لكنهم أبقوا أعينهم على قواعد الانتخابات لمنع وجود كتلة أيدلولوجية، وخاصة التى قد يهيمن عليها إسلاميون. حارب مهندسو الدستور بنجاح في هذا المرة، لكنهم تركوا نصوصا برلمانية غير ملموسة أو غير مختبرة.

قد يولد البرلمان المصري معطلاً. وقد بني بهذه الصورة ليس لأنه صمم بشكل ذكي بل بسبب تركيبة  القرارات قصيرة المدى التى تصدر لغرض معين، وعدم الوعي والجمود التاريخي.

ناثان جي براون: مدرس العلوم السياسية والعلاقات الخارجية بجامعة جورج واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى