سياسة

أن تتحدث العربية في إسرائيل

 972

 

 

الصحافية الأميركية الإسرائيلية ميا جوارنياري، دخلت مركزا تجاريا في القدس، فوجدت موظفا أثيوبيا يمنع موظفا فلسطينيا من الحديث باللغة العربية.

عن مجلة 972 – ميا جوارنياري – ترجمة منة حسام الدين

 

أن أعيش في بيت لحم، أن أعمل في جامعة فلسطينية، أن أتعلّم العربية وأكتب عن الاحتلال ومعاملة إسرائيل للمهاجرين، أن أساند رفيقي الذي  يتعرض لضغوط شديدة من أسرته كي يتركني لأنني يهودية، كل هذا يمكن أن يتم اعتباره “عملا سياسيا”. لكن ربما ليس هذا هو نوع العمل الذي يمكن أن  يؤثر في ” التغيير” ، ربما يحدث  التغيير في نطاق أصغر؟ بإمكانات أصغر؟

كنت في حي “تالبيوت” في القدس لأداء بعض المهمات، عندما دخلت إلى أحد المراكز التجارية، ووجدت حارس أمن اثيوبي يتجادل مع موظف فلسطيني : “هنا، لا ينبغي أن تتحدث العربية”، ويصيح:” هذه هي الدولة اليهودية، نحن هنا نتحدث العبرية، إذا أردت ان تتحدث العربية، اذهب إلى رام الله”.

قبل عام، كنت لصرخت فيه “هذه فلسطين، والعبرية هي لغة المحتل”، لكني تعلمت أن الرد بعنف لن يؤدي إلى تغيير آراء أي شخص.

“انتظر لحظة، انتظر لحظة” ، قلت وأنا أبتسم: “علينا جميعاً التحدث بالعربية، علينا جميعاً التحدث بلغات بعضنا البعض، كلنا معاً هنا، ولا يوجد أي طريقة أخرى أمامنا”.

” أتتحدثين العربية؟” ، يسألني الفلسطيني، فأجيبه :” لازلت أتعلم”.

“انظر”، يقول الفلسطيني للحارس الأثيوبي: “ها هي تتحدث العربية والعبرية. يمكننا استخدام اللغتين هنا”.

قد يبدو الأمر بسيطاً ويثير السخرية، لكنه يُذكِر بأن الصراع ليس فقط حول على الأرض والحدود، بل أيضاً حول الأماكن العامة وأي لغة نسمعها ونستخدمها في تلك الأماكن.

التحدث بالعربية في الأماكن العامة يمكن أن يكون أحد سبل المقاومة، أتذكر الفتية الفلسطينيين من يافا وهم يعبرون  الشارع القديم بوسط تل أبيب، ويلعبون الموسيقى العربية بأعلى صوت: إنه احتجاج متنقل معناه “نحن هنا ونحن نرفض أن نتلاشى، نحن نرفض ان نجلس صامتين في المكان الذي تختاروه لنا”.

استخدام لغة  في العلن لا يعني أنه ليس هناك مجال للغة أخرى،  التحدث بلغة ثانية أو ثالثة ـ بما في ذلك اللغة التي يتم استخدامها في الأماكن العامة ـ لا يعني أن تتخلى عن لغتك الأم.

اللغة يمكن أن تكون أكثر من مجرد احتجاج، وربما، يمكن، للطريقة التي نستخدمها بها أن نخلق فضاءات جديدة.

 ربما، هذا ما كنت أحاول أن أفسره للحارس الأثيوبي، أتسائل إن كنت قد جعلته يفكر، بقولي له، باللغة العبرية: إن على متحدثي العبرية واجب تعلم العربية، هل يجعله هذا يدرك أنه ليس الجميع في الدولة العبرية يتفق معه؟  يفهم أن المعادلة ليس شرطا أن تكون صفرية؟

هل يدرك أننا  نعيش  بالفعل في دولة واحدة، وأنها مجرد مسالة وقت قبل أن يتقبل النظام السياسي ذلك؟

هل جعلت الرجل الفلسطيني يشعر، ولو للحظة، بأن له حلفاء هنا؟ في دولة ربما يشعر فيها بأنها تضيق عليه الخناق في كل وقت، هل ساهمت في توسيع مساحته قليلاً في تلك اللحظة، عندما تحدثت معه بلغتي العربية الركيكة؟

هل تحدث تلك التفاعلات أثراً؟ هل تضيف هذه اللحظات الصغيرة أكثر من الأعمال الكبيرة التي في كثير من الأحيان تأخذنا جميعاً إلى أماكن مجهولة؟

.

 “ ميا جوارنياري صحافية يهودية نشأت في الولايات المتحدة الأميركية ثم انتقلت للعيش في تل أبيب حيث حصلت على الجنسية الإسرائيلية وتعمل كمراسلة للعديد من الصحف العالمية والمواقع الإلكترونية.

ميا منشغلة بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وتم تصنيفها من قبل اليمينيين على أنها “معادية للسامية”.

* 972 Magazine : مجلة إلكترونية نشأت كمدونة مستقلة في أغسطس عام 2010، يشارك في تحريرها صحافيين من الأراضي الفلسطينية وإسرائيل ، ومستمد اسمها من كود الهاتف الدولي لفلسطين وإسرائيل.

اليمينيون في إسرائيل يتهمون مجلة “972” بأنها معادية للسامية بحجة أن المجلة “تريد تجريد الدولة العبرية من شرعيتها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى