ترجمات

صحف عالمية: رحلة جمال خاشقجي من أفغانستان إلى “الإعدام في السفارة”

جمال حاول تأمين نفسه.. والحديث يدور عن وفد وصل خصيصًا لتنفيذ اغتياله

المصدر: theguardianwashingtonpost – رويترز

ترجمة: إسراء رمضان – رنا ياسر 

ربما لم يحدث في أي مكان في العالم احتفاء بانتخاب الرئيس الأمريكي كما جرى في المملكة العربية السعودية، التي استقبلته بحفاوة انقلبت إلى توتر من سياسات ترامب المفاجئة.

البداية..

وفي ذلك الوقت، كان هناك أحد السعوديين المعارضين، يُدعى جمال خاشقجي الذي يبلغ من العُمر 59 عامًا، صحفي مُخضرم، وصانع رأي، أعرب عن شكوكه بشأن الآثار المترتبة على رئاسة ترامب للشرق الأوسط، وحذّر في الوقت ذاته من مشاعر ترامب المناهضة للمسلمين، وحذر من اقترابه من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين هذا الرئيس الذي من شأنه أن يُعرض المصالح السعودية للخطر، فضلا عن اعتقاد جاشقجي أن ثقة العائلة المالكة به في غير محلها، حسب ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

وبالنسبة إلى تلك الآراء التي أوردتها الصحيفة الأمريكية واستنتجتها من خلال تغريدات عبر موقع “تويتر”، ومركز أبحاث أمريكي في واشنطن، فقد أمرته السلطات السعودية بالتوقف عن الكتابة والتحدث علانية، مما ظهرت سلسلة من الأحداث التي ربما بلغت ذروتها بإعلان اختفائه ثم موته داخل السفارة السعودية في إسطنبول خلال الأسبوع الماضي.

والجدير بالذكر أنه بحلول صيف عام 2017، استنتج خاشقجي أنه إذا استمر في متابعة عمله طوال حياته كصحفي، لن يكون لديه خيار سوى مغادرة السعودية، ومن ثم قرر الانتقال إلى واشنطن، وأصبح ناقدًا صريحًا لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إذ اكتسب حينها أهمية كبيرة لوجهات نظره من خلال كتابته عمود منتظم في صحيفة “واشنطن بوست”.

تقول الصحيفة الأمريكية إنه لا يمكن اعتبار خاشقجي، ابن عم تاجر السلاح الملياردير عدنان خاشقجي، معارضًا حقيقيًا، وحسب إشارة أصدقائه وزملائه، فهو لم يعارض النظام الملكي أو حتى حث على استبدال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في الوقت الذي كان هناك قيد حقيقي على الحريات السياسية.

خاشقجي وسفرياته مع بن لادن

وحتى مع إنكار تورط السعودية في اختفائه، سعى مؤيدو الحكومة السعوية عبر “تويتر” إلى تشويه سمعة خاشقجي، ليس بصفته ناقدًا للحكومة ولكن مؤيدًا لجماعة الإخوان المسلمين التي تم حظرها كمنظمة إرهابية.

تلك الفترة التي كان يؤيد فيها هذه الجماعة المحظورة، كان مراسلاً يُغطي الحرب في أفغانستان في الثمانينيات والتسعينيات، وشمل عمله تغطية صعود أسامة بن لادن آنذاك.

فقد كان خاشقجي موجودا مع المتعاونين مع بن لادن، فقد سافر على نطاق واسع مع زعيم القاعدة في أفغانستان، وكتب الملامح الأولى له لمجلة سعودية عام 1988، بعد أن دعاه بن لادن شخصيًا لمرافقته، وفقًا إلى بيتر بيرجن، مؤلف كتاب “أسامة بن لادن الذي أعرفه”.

أما سلامة نعمت، الصحفي الأردني المُقيم في الولايات المتحدة والذي كان زميل خاشقجي، ومحررا في جريدة “الحياة” في ذلك الوقت، ظل صديقًا له مدى الحياة، فقد تم استدعاؤه مرارًا وتكرارًا لإنقاذ خاشقجي من الخلافات مع السلطات السعودية بسبب الشكوك المُثارة حوله وبسبب علاقاته مع المتطرفين، حتى إنه في إحدى المرات في عام 2000، اضطر نعمت إلى إقناع سلطات المطارات الأردنية بعدم ترحيل خاشقجي بعد الاشتباه في أنه على صلة بتنظيم القاعدة.

موضحًا الصحفي الأردني أن خاشقجي كان يواجه المتاعب طوال الوقت بسبب صلته بتنظيم القاعدة لكنه كان يفعل ذلك كونه صحفيًا، فقد تم الاشتباه فيه بتمويل جماعات متطرفة.

وأجرى بيرجن، وهو الآن خبير في شؤون تنظيم القاعدة في مركز أبحاث أمريكي، مقابلة مع خاشقجي بشكل مكثف حول تجاربه مع بن لادن، وخلص إلى أن خاشقجي كان على الأقل متعاطفًا مع الحركات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين، لكن بيرجن قال إنه في وقت لاحق من حياته تحرك نحو وجهة نظر أكثر ليبرالية وعلمانية.

“فقد جاءت انتقاداته للنظام السعودي من منظور أكثر ليبرالية حيث تحول من كونه شخصًا -من خلال روايته الخاصة- متدينًا إلى ناقد ليبرالي”.

خاشقجي مستشار تركي

والجدير بالذكر أنه خلال فترة 2000 كان على مقربة من الأمير تركي بن ​​فيصل، رئيس سابق للاستخبارات السعودية، خلال فترة توليه منصب السفير في لندن ثم واشنطن، بين عامي 2003 و2006، وعمل حينها خاشقجي كمستشار تركي وأصبح الناطق الرسمي باسم السفارة السعودية.

في غضون ذلك، جاءت العديد من أعضاء وسائل الإعلام الدولية لرؤية خاشقجي كمُعلق يمكن الثقة فيه والاعتماد على رأيه في الشؤون السعودية، إذ إنه يمكن الاعتماد عليه لإعطاء رأيه حول تفكير الأسرة الحاكمة السعودية.

والآن “في غياب أدلة قاطعة حول مكان وجوده، من المستحيل معرفة ما حدث له” حسبما قال نعمت، لكنه يخشى أن تكون زيارة خاشقجي للقنصلية أتاحت الفرصة أمام السلطات السعودية لإسكات صوته.

“انتقاد جمال كان شديد الخطورة بالنسبة لهم، لأنه قوض علاقة السعوديين بالولايات المتحدة”، حسبما أوضح نعمت، مؤكدًا أنه “ربما ظن السعوديون أن هذا هو الوقت المناسب لإسكاته، سواء تم اختطافه أو قتله”.

ومع ذلك فإن السعودية تنفي أي ضلوع لها قائلة إن “خاشقنجي غادر القنصلية بعد ظهر ذلك اليوم”.

تركيا تطالب بتفتيش السفارة السعودية

ذكر تليفزيون “إن.تي.في” الألماني، يوم الإثنين، أن تركيا طلبت السماح لها بتفتيش القنصلية السعودية في إسطنبول في ما يتصل باختفاء الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي الأسبوع الماضي بعد دخوله القنصلية.

وقال مسؤولون أتراك لرويترز مطلع الأسبوع إنهم يعتقدون بأن خاشقجي قُتل داخل القنصلية.

وحسب الوكالة البريطانية، ذهب خاشقجي إلى القنصلية السعودية يوم الثلاثاء لاستخراج وثائق من أجل عقد قرانه، ويقول مسؤولون سعوديون إنه غادر بعد فترة وجيزة لكن خطيبته، التي كانت تنتظر بالخارج، قالت إنه لم يخرج.

وفي أول تعليق منه على الواقعة، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أسفه لحادث اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول، مؤكدا أن السلطات تحقق في الحادث.

وأضاف أردوغان قائلاً: “أتابع القضية عن كثب وأجهزة الأمن أيضا تتابعها بكل تفاصيلها، ونريد الحصول على نتيجة بأقرب وقت”.

جمال حاول تأمين نفسه

وكان جمال خاشقجي قَدر المخاطر التي تحاوطه قبل أن يدخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، يوم الثلاثاء الماضي، وسعى للحصول على ضمانات من أصدقائه، فقد أعطى خطيبته رقما للاتصال به إذا لم يعاود الظهور مجددا، بل حتى تلقى عرضا للعودة إلى الرياض من محمد بن سلمان نفسه.

واقتناعا منه بأنه لا يواجه أي تهديد رسمي من ولي العهد القوي، والشعور بضغط من والده بالتبني للحصول على الزواج، ظن خاشقجي أن الفرصة كانت معه.

وبعد مرور خمسة أيام، فإن تحرك “راعي المعارضة الأعلى في المملكة” لبدء حياة جديدة قد أدى بدلاً من ذلك إلى وفاته، فلم يسمع شيئا عن خاشقجي منذ ذلك الحين، ومع مرور كل يوم، أصبحت السلطات التركية أكثر اقتناعا بأنه لن تتم رؤيته مرة أخرى، فقد انتهت حياته من قبل عملاء سعوديين كانوا ينتظرون لتنفيذ عملية القتل المرتكبة من قبل الدولة السعودية في قلب إسطنبول.

وبحلول ليلة الأحد، جمعت السلطات في تركيا قضية ضد عملاء سعوديين تردد صداها في أنقرة والرياض، مما وضع اثنين من المنافسيين الإقليميين في مسار تصادم دبلوماسي، وأكدت السلطات أن هذا هو الثمن الباهظ للمعارضة في عصر الانهيار السريع للحريات.

وقال المسؤولون الأتراك إن خاشقجي تعرض للتعذيب، ثم قُتل وتم تهريب جثته من القنصلية، وكل ذلك تم بعلم الوكالات المحلية، وقد أصاب المسؤولون الصمت في البداية في صمتهم، أو كبحهم من قبل سادتهم السياسيين، وظلوا في بادئ الأمر هادئين مع تصاعد التساؤلات حول اختفاء خاشقجي، لكن عند منتصف ليل السبت، تغير ذلك، عندما نشر مسؤول صحفي حكومي تقريراً إخباريًا نقلاً عن مصدرين تركيين زعم ​​بدوره أن خاشقجي مات على الأرجح.

تفاصيل الوفد الذي وصل خصيصا لاغتيال خاشقجي

ومنذ ذلك الحين، كان المسؤولون من جميع أنحاء الجهاز التنفيذي والأمني ​​في البلد لديهم معلومات من خلال تحقيق مستمر، وقد ساعدت في ذلك مصادر داخل القنصلية، كما كشفت سجلات الأمن والطيران التي تفصّل مجيء ورحيل وفد أمني سعودي يتألف من 15 شخصًا -ووفقًا لحليف خاشقجي- أن الطريق الذي سلكته القافلة، التي غادرت القنصلية يوم الثلاثاء، كان بعد ساعات من مرور خاشقجي من خلال البوابة.

وقال توران كيشلاكجي، رئيس جمعية الإعلام العربية التركية، وصديق خاشقجي: “لقد تابعوا السيارات، وهم يعرفون ما حدث، لدينا كل التفاصيل، وهو قتل”.

الفخ

ووفقا لكيشلاكجي الذي زار خاشقجي في الفترة التي سبقت زيارته المشؤومة، ونقل عن الصحفي السعودي المختفي قوله: “أنا لست خائفاً، لأنه لا يوجد أي تحقيق رسمي ضدي، على العكس، في الآونة الأخيرة، طلب مني محمد بن سلمان أن أكون مستشاره، ورفضت، قائلاً إن هذا ضد مصالح بلدي والمنطقة”.

وتابع: “إن أكثر ما يمكنهم فعله هو استجوابي، ويمكنني أن أقدم لهم أجوبة، وليس لدي ما أخفيه”.

من جهة أخرى، ضغط والد خطيبته عليه للحصول على الوثائق ذات الصلة لبدء عملية الزواج الرسمية في تركيا، وقال كيشلاكجي إن أصدقاءه السعوديين الموثوق بهم في الولايات المتحدة أعطوه تأكيدات، فكان واثقاً مما كان يفعله.

ونفت الرياض بشدة لعب دور في اختفاء خاشقجي، وقال الأمير محمد قال في مقابلة مع وكالة “بلومبرج” الأمريكية، يوم الجمعة الماضي: “لو كان في الرياض لأعرف”.

وعلى ما يبدو أنها غير راغبة -في هذه المرحلة- في الدعوة علنا إلى منافستها الإقليمية، واتخذت تركيا حتى الآن موقفا حذرا.

من جهته، قال رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، أمس الأحد، إنه “حزين” لاختفاء خاشقجي وإنه ينوي انتظار نتائج التحقيق.

الحرب الباردة بين المنافستين الإقليميتين سيدة الموقف حتى الآن

تقول صحيفة “الجارديان” البريطانية إن موقف الرئيس التركي يعكس التوازن الدقيق بين المصالح بين أنقرة والرياض، وهما ثقيلتان في المنطقة، ولا تزالان على خلاف بشأن القضايا المحورية، مثل الحصار الذي تقوده السعودية ضد قطر، ومركز الإخوان المسلمين، وما حدث في مصر عام 2013، وتظل تركيا في معسكر الدوحة على خلفية أزمة قطر، غير أن مسؤوليها يفضلون توجيه عدائهم إلى الإمارات العربية المتحدة بدلاً من الرياض، حيث يحاولون البقاء على شروط محايدة.

من خلال السماح لموظفي الدولة بالخروج من السعودية بسبب اختفاء خاشقجي، تعاملت تركيا مع نفسها بقوة، وهو ما يعتزم أردوغان القيام به بشكل كامل في الأسبوع القادم، في الوقت الذي يستعد فيه مسؤولو الاستخبارات لوضع نتائجهم.

وقد تكون التنازلات التي يمكن أن يقدمها زعيم اقتصادي مثقل بالديون من زعيم سعودي، تواجه اتهامات بأن عملاء المملكة قتلوا عدوا في مدينة أجنبية، يمكن أن تكون كبيرة، لكن ذلك يعتمد على مدى تخوف وريث العرش السعودي من الفحص الدقيق.

وبعد أقل من عام منذ احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بعد استدعائه للرياض، اضطر الحريري إلى التوقيع على أصول تقدر بمئات الملايين من الدولارات، كما حدث مع العديد من رجال الأعمال والنخبة السياسية في المملكة.

ومنذ ذلك الحين، دفع الأمير محمد قدماً بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، لكنه كثف حملة القمع ضد الحريات السياسية، ولم يبد الأمير البالغ من العمر 33 عاما أي تسامح مع المعارضة.

في نظر المملكة، كان خاشقجي -من خلال عاموده في صحيفة واشنطن بوست وإمكانية الوصول إلى أصحاب المصلحة في الولايات المتحدة وأوروبا- أكثر من مجرد ناقد: لقد أصبح تهديدًا.

وتختتم صحيفة “الجارديان” تقريرها عن اختفاء المعارض السعوي بأن الإنكار من جهة المملكة وانحرافه عن أي معرفة بمكان وجود خاشقجي، يذكرنا بكتاب Kremlin playbook، وفي الوقت نفسه، تجد تركيا، وهي أكثر سجاني الصحفيين غزارة في العالم، نفسها في موقف غريب يتمثل في كونها بطلاً لكاتب عمود تلاشى تحت أنفها.

ربما تستغل كندا هذه الأزمة..

وأيضًا، دخلت كندا على الخط مُعربة عن قلقها، وقال آدم أوستن المتحدث باسم وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند: “نحن على علم بهذه التقارير ونشعر بالقلق، المسؤولون الكنديون يسعون بنشاط للحصول على مزيد من المعلومات”، حسب وكالة الأنباء الفرنسية.

جدير بالذكر أن هناك خلافات حادة بين السعودية وكندا بشان انتقاد الأخير لحقوق الإنسان في المملكة.

من جانبها، قالت لين معلوف، مديرة البحوث في برنامج الشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية، إن الأنباء التي تفيد بأن فريقا من المملكة العربية السعودية قد سافر خصيصاً لتنفيذ “عملية قتل مخطط لها” في القنصلية، تثير القلق البالغ إثر اختفاء جمال خاشقجي منذ دخوله المبنى في 2 أكتوبر الحالي.

وتابعت: “إذا كانت هذه الأنباء صحيحة فسيكون هذا بمثابة تدهور جديد بالغ السوء، فمثل هذا الاغتيال داخل أراضي القنصلية، وهي منطقة خاضعة لولاية المملكة العربية السعودية، سيعد اغتيالا يرقى إلى الإعدام خارج نطاق القضاء، فهذه القضية تثير صدمة مدوية بين المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية، والمعارضين في كل مكان، وتقوض أي فكرة للبحث عن ملاذ آمن في الخارج”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى