سياسة

نيويورك تايمز: السيسي يقّوي سلطته بالدين

نيويورك تايمز: مباركة المؤسسات الدينية لتحركات السيسي تمنحه الشعبية بين الكثير من المصريين

نيويورك تايمز – ديكلان والش – ترجمة: محمد الصباغ

عندما افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي في أغسطس مشروع توسعة قناة السويس الذي شهد صخباً كبيراً، قال حينها خطيب صلاة الجمعة الرسمي إنها ”هدية من الله“.

وعندما انتخب المصريون برلماناً جديداً في ديسمبر، طالب داعية في تلفزيون الدولة الرسمي من أعضاء البرلمان ”إطاعة من في السلطة، وخصوصاً السلطة الأعلى،“ وووصف بشكل غير مباشر السيسي ب”ظل الله على الأرض.“

وحين تحطمت الطاشرة الروسية المغادرة من شرم الشيخ في أكتوبر، وأسفرت عن مقتل 224 وأصاب الحادث السياحة المصرية بالشلل، شجعت وزارة الأوقاف الدعاة على تمضية إجازات في شرم الشيخ – ويجدر الإشارة إلى أن المسلمين المتدينيين يعتبرون المدينة منطقة رفاهية مليئة بالخطايا.

ساعدت المخاوف من الحكم الإسلامي في وصول السيسي،الجنرال السابق، إلى السلطة عام 2013 عقب مظاهرات ضخمة أدت إلى الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين. لكن مع صراع السيسي ضد هجمات المتشددين ومع الاقتصاد الذي يعاني، اتجه إلى الدين ليعزز سلطته ويبرر حملاته ضد منافسيه.

في خطابه الأخير، أصدر وزير الأوقاف تعليماته إلى الدعاة بأن أي دعوة إلى التظاهر يوم 25 يناير، الذكرى الخامسة للثورة التي أزاحت الرئيس حسني مبارك، قد تقود إلى ”الخراب والقتل والدمار،“ وتمثل ”جريمة كاملة.“

مثل هذه التكتيكات ليست بجديدة: حاول القادة العرب لعقود استخدام الإسلام في تعزيز شرعيتهم. قدم السيسي ،القائد السابق للقوات المسلحة، نفسه كإصلاحي، ودعا علانية إلى ”ثورة دينية“ للمساعدة في مواجهة التطرف. لكن بدلاً من تشجيع النقاشات حول الإسلام، كان نهجه –إغلاق المساجد غير المسجلة ومنع الدعاة غير الرسميين واحتضان المؤسسة الدينية- له تأثير في محاصرة الجدال والنقاش.

وصلت تلك التوترات إلى الواجهة مؤخراً عندما تعرض مذيع تلفزيوني لهجوم من الأزهر وكان يبدو كمستجيب لدعوة السيسي من أجل التغيير، ومؤسسة الأزهر بالقاهرة هي مقر الدراسات السنية منذ ألف عام وهي التي قصدها السيسي من أجل التغيير الديني.

كان إسلام بحيري، مقدم برامج شهير ومعروف بتحديه للإسلام التقليدي المتشدد، قد طالب المسلمين بالتفكير بطريقة نقدية حول بعض الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد والتي استخدمها الجهاديون لتبرير عنفهم. وقال صاحب 37 عاماً في حوار في بداية الشهر الماضي: ”يجب مواجهة تلك الكتب، والخروج على المحظورات.“

بالنسبة لبعض الملاحظين الغربيين، يبدو أن البحيري استجاب لدعوة السيسي من الأزهر يناير الماضي بصنع ثورة في الإسلام. في ذلك الخطاب، طالب السيسي من القادة الدينيين تطهير الإسلام من الأفكار التي قال إن المتطرفين يستخدمونها لتبرير عنفهم وجعلوا من الدين ”عدو للعالم.“

وحذر السيسي: ”من غير المعقول أن تكون الأفكار المقدسة في العالم الإسلامي بالكامل هي مصدر الإضطراب، والخطر، والقتل، والدمار لبقية العالم.“

لكن أفكار البحيري أغضبت دعاة الأزهر، الذين اتهموه ”بانتهاك أسس الإسلام“ و قاموا بمقاضاته مع آخرين. وفي إحدى القضايا تم تحويله إلى المحاكمة الجنائية، وفي 28 ديسمبر بدأ البحيري قضاء فترة سجنه لمدة عام. وكتب حينذاك على حسابه الشخصي بفيسبوك: ”بلد الظلم هي مصر.“

يبدو أن المحاكمة تدل على حدود نهج السيسي في تحديث الإسلام. كانت مؤسسة الأزهر –المدعومة من الدولة- قريبة من حكام مصر في العقود الستة الأخيرة، وفي نفس الوقت تدافع بغيرة عن موقعها كالسلطة المصرية الأولى المعبرة عن الإسلام.

وقال ناثان براون ، أستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية بجامعة جورج واشنطن، أن بعض الدعاة يبدوا وأنهم قاموا باستخدام خطاب السيسي في العام الماضي للهجوم على نزاهة مؤسسة الأزهر ذاتها.

وأضاف: ”بالنسبة للأزهريين، كان هناك شئ بارز ومكروه حول الرئيس الذي يقوم بمحاضرة علنية لهم حول الإسلام.. رأينا شكل من أشكال المعارضة بالوكالة . ثم ظهرت حلقة أخرى مع إسلام البحيري.“

تبقى العلاقة بين أذرعة الدولة المختلفة في الدولة المصرية صعبة الفهم، ويرى بعض الخبراء أن تلك المحاكمة تعتبر إظهاراً للقوة من مؤسسة الأزهر. وتعلن المؤسسة دائماً عن دعمها للسيسي.

عقب إبعاد الإخوان المسلمين عن الحكم، سريعاً ظهر الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، بجوار الجنرال في أول مؤتمراته.

وبعد أسابيع، جاء الدور على الشيخ علي جمعة، الداعية الأزهري الكبير، ليبرر العنف ضد مؤيدي الإخوان المسلمين. ووجه حديثه إلى رجال الجيش والشرطة قائلاً: ”الملائكة تساندكم.“

وفي نفس الوقت، سعى الأزهر للحفاظ على مساحة المناورة –كما فعلت السلطات القضائية والأجهزة الأمنية- وخصوصاً في الأمور المتعلقة بأصول الدين الإسلامي.

يقول أشرف الشريف، المحاضر في العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، مشيراً إلى السيسي: ”لا أراه ديكتاتوراً. هو ممثل عن تحالف المؤسسات الديكتاتورية بالدولة.“

ربما تعطي تلك المباركة من المؤسسات الدينية للسيسي ،المسلم المتدين، شرعية معينة في أعين الكثير من المصريين. لكن هناك أيضاً إشارات على أن نهجه ربما يثير غضب المصريين الشباب الذين يتذكرون فترة ما بعد انتفاضة 2011 عندما انتهت لفترة سيطرة الدولة على الخطاب الديني.

في الشهر الماضي، قام الشيخ أحمد الطيب بزيارة نادرة إلى جامعة القاهرة، حيث أجاب على تساؤلات من طلاب غاضبين بسبب فعل مثير للجدل – فمسؤولو الجامعة قاموا بهدم أحد المساجد بالحرم الجامعي، وأغلقوا الآخرين الأصغر فقط بسبب ”القضاء على أسس التطرف.“ والآن، يؤدي الطلاب صلواتهم بالمسجد المركزي.

لم ترض إجابة الإمام الأكبر الجميع.

فتقول أميرة عبدالسيد ،20 عاماً، ”إنها فقط طريقة أخرى لفرض السيطرة. بالفعل لا توجد ديمقراطية، والآن يوجهوننا إلى أماكن الصلاة. الحكومة تضغط الشباب، والأمر سينفجر في وجوههم.“

الحرم الجامعي ،الذي كان مرة مقراً للمعارضة، ويعتبر نموذجاً مصغراً من المجتمع المصري. كان بعض الطلاب مترددين في الحديث علانية، وأرجعوا ذلك إلى خوفهم من مخبرين للحكومة، فيما دعم آخرون التضييق بشكل كبير. فيقول طالب كلية الحقوق ،أدهم مصطفى: ”من المهم أن نسيطر على المناقشة الدينية. الإعلام هو من جعل من الأمر قضية وليس الطلاب.“

فيما لم يخش آخرون من التنديد بسلطات الازهر. فقالت أميرة محمد، إحدى الطالبات المحجبات التي تتناول قهوتها، إن الشيخ الطيب”لم يكن حتى شيخاً حقيقياً“ ولا محاضراً دينياً. في الحقيقة، الفتوى تأتي من الرئيس. جميعنا نعلم ذلك.“

أما الحكومة فقالت إن الإجراءات القاسية مطلوبة من أجل صد تهديد عنف المتطرفين. في سيناء، يحارب الجيش فرع داخلي من الدولة الإسلامية ، والمعروفة بداعش، والتي أعلنت أنها المسؤولة عن إسقاط الطائرة الروسية. وعلى الجبهة الأيدلوجية، يراقب المسؤولون الدعايا المتطرفة التي تصدر بعدة لغات منها الصينية والأوردية ويتعقبون الفتاوى الصادرة من دعاة متشددين.

يقول الدكتور، إبراهيم نجم، من دار الإفتاء، المؤسسة الحكومية المسؤولة عن إصدار الفتاوى :”لدينا علاج للأمراض التي ينشرها تنظيم داعش والمجموعات الاخرى.“

ويرى آخرون أن الحديث عن تنظيم الإسلام ما هو إلا ستار للقمع السياسي. يقول علي قنديل، المدرس بإحدى مناطق القاهرة والذي تم إبعاده عن منصبه كإمام مسجد لأنه تحدث علانية ضد ”الطغاة“:”لا مجال للمناقشة. لو تحدث أي شخص، سيتم قتله أو اعتقاله. ولو لم يقبض عليه، يغادر البلاد. ولو غادر سيتم وصمه بالخيانة.“

يحذر المحللون من خطورة الاستقطاب المتزايد في مصر: بينما يقوم الإخوان المسلمون بالحفاظ على سياستهم الرسمية بتحاشي العنف، دافع بعض أعضائهم عن هجمات في القاهرة العام الماضي ووصفوها بأنها ”انتقام“ ضروري من الحكومة.

وقدمت خطبة الجمعة الأخيرة دليلاً على قلق السيسي القادم: احتمالية حدوث اضطرابات في 25 يناير.

حذرت الخطب الرسمية وعددها 3100 من أي مظاهرات عامة ”مدمرة“ في مصر، وأشارت إلى ”الدمار والفوضى“ التي تسبب فيها عدم الاستقرار السياسي في الدول العربية المجاورة.

وجاء في إحدى الخطب: ”لتجنب الشر وإرضاء الله، يجب أن يطيع الفرد حكامه.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى