ترجماتثقافة و فن

نيويورك تايمز: راقصات مصر يفقدن الصالات لصالح الأجنبيات

لا يزال الرقص المصري يضم ملكة واحدة دون منازع.. من هي؟

 

المصدر: The New York Times – Declan Walsh

ترجمة: ماري مراد

عندما انقض رجال الشرطة  في مصر على ملهى ليلي راقٍ على النيل في الربيع الماضي، وألقوا القبض على راقصة شرقية روسية، كان جل تركيزهم على ملابسها، وماذا، إذا كان تخفي تحتها أي شيء هذا.

هل كانت الراقصة المعروفة باسم جوهرة- التي أثار فيديو لها ضجة كبيرة بين عشية وضحاها، مرتدية “الشورت” الصحيح، كما يطلق عليه رسميًا ملابس داخلية واقية متواضعة؟ هل كان مقاسه صحيحًا؟ اللون المناسب؟ أم أنها، كما كان يخشى البعض ، لم تكن ترتدي “الشورت” على الإطلاق؟

أصرت جواهر- واسمها الحقيق إيكاترينا أندريفا وتبلغ 30 عاما- على براءتها، لكن الشرطة اقتادتها إلى السجن. 

لكن الدبلوماسيون الروس زاروها. مديرها وزوجها ضغطا من أجل قضيتها في موسكو. وفي زنزانتها القذرة، قدمت أندريفا أداء مرتجلا لعشرات من زميلاتها السجينات، معظمهن من العاهرات وتاجرات المخدرات.

تذكر أندريفا وقالت: “تلك النساء عاملتني جيدًا. طلبن مني أن أرقص، فرقصنا سويًا”.

بعد 3 أيام، بدا أنها ستُرحل. لكن في اللحظة الأخيرة، تدخل فارس أبيض غامض- رجل أعمال ليبي له صلات قوية- وتم إخراجها من السجن.

لقد كانت مأساة للرقص الشرقي، شكل فني يعود إلى قرون طويلة ازدهر بالإثارة الشهوانية. خلال الحرب العالمية الثانية، اختلط الجواسيس الألمان مع الضباط البريطانيين في ملهى مدام بديعة. في السبعينيات من القرن الماضي، كانت الراقصات يؤدين من أجل الرؤساء الأمريكيين.

وفي العقود الأخيرة، ألهم الرقص الشرقي دوافع متضاربة بين المصريين، الذين يرونه إما فنًا رفيعًا أو ترفيهيًا أو عذرًا للمزايدات الأخلاقية. لكن محنة أندريفا أبرزت أيضا مسألة حساسة نوعا ما: إذا كانت القاهرة هي العاصمة العالمية للرقص الشرقي، فلماذا تأتي أهم النجمات الجديدات من كل مكان عدا مصر؟

في حفل زفاف بإحدى ضواحي القاهرة، رقصت آلاء كوشنير حافية القدمين على مسرح مليء بالأزهار، وتسلق الشباب- الذين يرتدون بدلًا ومبتسمين- بعضهم للحصول على رؤية أفضل للراقصة، وتحاول الفتيات الصغيرات المرتديات الفساتين في الحفل تقليد خطواتها بالخلف، بينما تصفق مجموعة من النساء المحجبات على طاولة ركنية في إشارة إلى موافقتهن.

وبينما كانت تضع ملابسها في حقيبة، قالت كوشنير، المنحدرة من أوكرانيا والبالغة 33 عامًا: “العودة إلى مصر كانت حلمي”.

وسيطرت الأجنبيات على مشهد الرقص الشرقي في مصر خلال السنوات الأخيرة؛ أمريكينيات وبريطانيات وبرازيليات، ولا سيما القادمات من شرق أوروبا.

الأجنبيات أدخلن إحساسًا رياضيًا وطاقة عالية في الرقص، ليظهر رقصهن أقرب إلى الديسكو أكثر من كونه بلمسة الليالي العربية. نمطهن الكاسح يتناقض مع الأسلوب الغامض المألوف للنجوم المصريين الكلاسيكيين. بعضه جنسي بشكل علني.

نشأت كوشنير في مدينة نيكولاييف الساحلية، وكانت تحلم بأن تكون عالمة آثار. ودرست القانون. ولكن في عام 2010، ظهرت في برنامج تلفزيوني بعنوان “Ukraine’s Got Talent”، ونمطها في الرقص الشرقي وضعها على طريق وظيفي جديد.

في أحد العروض، ارتدت كوشنير نقابًا أسود ووضعت صينية من الشموع المحترقة على رأسها، وفي آخر كانت تتلوى حمام سباحة مدعومة برجال أشباه عراة.

بعد ذلك انتقلت كوشنير إلى القاهرة، برودواي الرقص الشرقي، حيث أصبحت نجمة حقيقة. وفي بعض الأحيان تؤدي 5 مرات في الليلة بالحفلات والأعراس الفخمة، حيث يحصل كبار الفنانين على 1.200 دولار أو أكثر. وحقق أحد فيديوهاتها 9 ملايين مشاهدة عبر موقع “يوتيوب”.

لكن الأصوليين يشتكون الغزو الأجنبي باعتباره صورة ثقافية زائفة. هم يتهمون الغرباء بالدهس على التراث العربي من أجل الربح ودفع شكل الرقص في اتجاه متهور. حتى بعض الأجانب يوافقون هذا الرأي.

وقالت ديانا إسبوزيتو- خريجة من جامعة هارفارد من نيويورك، جاءت إلى مصر في عام 2008 في منحة فولبرايت وبقيت لمتابعة مهنة الرقص الشرقي: “في العديد من الحالات، نفتقر إلى فارق دقيق ورقة ولياقة المصريات”.

وأشارت إسبوزيتو- التي تؤدي باسم  لونا في القاهرة- إلى أنه لا يزال هناك الآلاف من الراقصات المصريات. لكن معظمهن يقعن في أسفل درجات هذه المهنة، إذ تجدهن في الملاهي القذرة بالقرب من الأهرامات أو المواخير السياحية على النيل.

وقالت إسبوزيتو، التي عادت مؤخرًا إلى بروكلين: “يبدو الأمر وكأن الراقصة المصرية من الأنواع المهددة بالانقراض، وهو أمر محزن للغاية. محزن للفن، ومحزن لمصر”.

ومع ذلك، لا يزال الرقص المصري يضم ملكة واحدة دون منازع، وهي راقصة تقف بإجماع كبير، فوق الجميع.

آخر ملكة مصرية:

كانت الساعة الـ3 صباحًا في كباريه في فندق سميراميس الفاخر، عندما هبطت دينا على المسرح، متلألئة في دائرة الضوء، مع عزف 17 قطعة موسيقية

يتحرك النوادل برابطات العنق في نشاط. دخان السجائر يتلاشى ببطء في الهواء. يشاهدها الجمهور، الأزواج العرب والسائحون الغربيون النساء مثل الرجال، من موائدهم الحمراء.

رقصت دينا طلعت سيد، الأسطورة في أنحاء الشرق الأوسط، لأمراء ورؤساء وديكتاتوريين في مهنة امتدت لأربعة عقود. قالت بابتسامة ساخرة: “نعم القذافي” ، مشيرة إلى الرئيس الليبي المخلوع، مضيفة: “رجل مضحك. مضحك للغاية.”

وتعرف دينا أيضًا كل ما يتعلق بموقف المصريين المتضارب حول مهنتها.

وقالت: “حب وكراهية.. دائمًا يكون مثل هذا. المصريون لا يمكنهم إتمام حفل زفاف دون راقصة شرقية. لكن إذا تزوجت إحداهن أخاك.. يا إلهي ستكون مشكلة”.

وصمة العار هي جزء من التزمت المطرد الذي خنق الفنون في مصر في العقود الأخيرة. حتى الآن التلميح إلى قبلة محظور في الأفلام المصرية، حيث يتم تطهير ومراجعة كلمات الأغنية، ويقوم الحراس الأخلاقيون بمطاردة الفنانين في المحاكم.

وتقبع مطربة البوب شيماء في السجن بتهمة “التحريض على الفسق” من أجل فيديو به إيحاءات جنسية، وفي عام 2015، تم منع راقصة شرقية من الترشح للانتخابات لأنها “تفتقر إلى السمعة الجيدة” ، كما أعلن القاضي.

وقال بسام عبد المنعم، مدير أندريفا: “المصريون يرون الراقصة المصرية كبنت ليل، ولكن يمكن للأجنبية أن تكون نجمة”.

هناك استثناءات. إحدى الراقصات البارزة، إيمي سلطان، تنحدر من عائلة ثرية وتدربت كراقصة باليه. وهناك أخرى مثل فيفي عبده، كنز وطني مصري ينظر إليها بمودة وسخرية من شخصيتها الصاخبة، وعادت عبده للأضواء بعد تقاعدها بفضل وسائل الإعلام الاجتماعية.

في الآونة الأخيرة، جلست عبده، البالغة من العمر 65 عامًا، أمام جهازي  iPad، خلال بثها فيديو لتابعيها الذين وصلوا إلى 3 ملايين على موقع “فيسبوك” و”تويتر” في بث مدته ساعة من الثرثرة الحميمية والقبلات الجوية والجملات الشهيرة.

“Scooze me” صاحت عبده بشكل عشوائي حينما كانت تنظر في شاشتي الـipad” الممتلئة بالقلوب الحمراء، مضيفة سلمى “Love you, love you, love you”.

لكن بالنسبة للكثير من المصريين، فإن ثمن امتهان الرقص الشرقي في مصر يمكن أن يكون مرتفعا للغاية.

رندة كامل، التي تدير مدرسة رئيسية للرقص الشرقي في القاهرة تجذب الطالبات من جميع أنحاء العالم، تعرضت للضرب في سن المراهقة من قبل والدها الذي لم يوافق على رقصها. وحتى الآن، يخفي ابنها  (17 عامًا) مهنتها في مدرسته الثانوية الخاصة، كما تنزع والدته أظافرها المزيفة اللامعة قبل مقابلة مدرسيه.

وقالت كامل: “لهذا لا أظهر على التليفزيون. أريد أن يعيش ابني حياة جيدة. هناك قدر معين من الشهرة لا يكون صحيا”.

شهرة سيئة مرحب بها

ولا تزال أندريفا، الراقصة الشرقية الروسية التي حبست لفترة قصيرة، غير متأكدة مما أثار رجال الشرطة في فبراير ضدها، لكنها تبارك هذا اليوم.

منذ ذلك الحين، ارتفعت الحجوزات وتضاعفت رسوم ظهورها، ويسعى إليها الأغنياء والأقوياء. من بين العملاء الذين انضموا مؤخرا عائلة أحد كبار رجال الصلب، وابنة رئيس وزراء مصر وابن عم الرئيس السوري المنفي، بشار الأسد.

ويبدو أن المخاوف الرسمية بشأن تصرفها – “شورتها” القصير – قد اختفت. أصبح الفستان المتلألئ الذي ارتدته في الفيديو الذي وضعها في مأزق، جزءًا كبيرًا من عرضها

وقال منعم: حتى ضابط الشرطة الذي أبقى عليها في سجنه أصبح من المعجبين، وحجز أندريفا للعديد من حفلات الزفاف العائلية، مضيفًا: “هي مشهورة الآن. الناس يحبون هذا”.

اعترفت أندريفا، أنه من الصعب مجاراة الراقصات المصرية على بعض المستويات، وقالت “نحن جيدون من الناحية الفنية ، لكن لديهم تلك الروح العربية”.

لكنها تعوض هذا النقص من خلال توجيه الطاقة الهائلة والصاخبة للجمهور المصري، وقالت: “توجد عاطفة هنا لا تصدق. هذا يجعلني أشعر وكأنني نجم موسيقى روك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى