سياسة

انفصال اسكتلندا .. أوروبا ستتغير في كل الأحوال

  مهما كانت نتيجة الاستفتاء على انفصال اسكتلندا فإنه سيفتح شهية أقاليم أخرى مثل كاتالونيا الذي يضم 7 ملايين أسباني

scotland

باريس (رويترز) – بول تيلور –

أيا كانت نتيجة الاستفتاء الذي يجري هذا الاسبوع على استقلال اسكتلندا فإن شكل أوروبا سيتغير مع تضاؤل نفوذ الدول الكبرى القديمة ما قد يثير رد فعل عنيفا في بعض المناطق الأخرى.

وإذا جاءت نتيجة التصويت بالموافقة على الانفصال عن انجلترا بعد اتحاد استمر 307 أعوام فسيحدث ذلك زلزالا سياسيا ويفتح شهية أقاليم أخرى للحكم الذاتي من قطالونيا إلى الفلاندرز.

أما إذا كانت النتيجة رفض الاستقلال فقد وعدت الحكومة البريطانية بمنح مزيد من السلطات لادنبره مع ما قد يترتب على ذلك من تكرار لهذا المسار في ويلز وايرلندا الشمالية.

وأيا كانت النتيجة سيتردد صدى سابقة الاستفتاء على تقرير المصير في مختلف أنحاء القارة.

وقد تجد الحكومة الأسبانية أن من الصعب تحمل الضغوط الجماهيرية في قطالونيا للسماح بالاستفتاء على السيادة لهذا الاقليم المزدهر في الشمال الشرقي حيث يعيش 7.4 مليون نسمة أي أكبر من أكثر من عشر من الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي.

وفي الاسبوع الماضي ملأ مئات الالاف من قطالونيا الشوارع في برشلونة للمطالبة بالحق في الاختيار. وما سيفعله أهل قطالونيا سيؤثر بدوره على اقليم الباسك في أسبانيا الذي يتمتع بالفعل بحكم ذاتي أوسع الان.

وقد جمدت الحرب الباردة خريطة أوروبا نحو 30 عاما غير أنه منذ سقوط حائط برلين ظهرت دول جديدة وعاودت دول قديمة الظهور بعضها من خلال حروب دموية في البلقان غير أن معظمها ظهر سلميا في منطقة بحر البلطيق.

وفي كثير من الدول الاوروبية حصلت أقاليم على مزيد من السلطات على حساب الحكومة المركزية.

وقد حدث ذلك في أسبانيا في أواخر السبعينات بعد نهاية الحكم الفاشي للجنرال فرانشيسكو فرانكو.

وتعد العولمة وتكامل الاتحاد الاوروبي مسؤولان مسؤولية جزئية عن اطلاق الصراع بين القوى الطاردة والقوى الجاذبة التي هي أبعد ما تكون عن الاستقرار.

الآن أصبحت دول كانت تحارب بعضها بعضا على مدى قرون تشترك في عملة واحدة ومنطقة واحدة يمكن السفر فيها دون استخدام جوازات السفر وسوق واحدة يتمتع فيها المواطنون بحرية الحركة للافراد ورؤوس الاموال والبضائع والخدمات ومجموعة كبيرة من المعايير والمقاييس الموحدة.

ويجد القوميون صعوبة في تقبل ذلك مثلما أوضحت نتائج انتخابات البرلمان الاوروبي التي كانت نسبة التصويت فيها كبيرة للأحزاب المناهضة للاتحاد الاوروبي في كل من بريطانيا وفرنسا والنمسا وهولندا.

وأصبح على قوة امبريالية سابقة مثل بريطانيا التي كانت تتغنى بامبراطورية لا تغيب عنها الشمس أن تتفاوض على حصتها من صيد الأسماك في مساومات تمتد حتى ساعات متأخرة من الليل في بروكسل.

وقد أصبحت دول أوروبية ما يسميه روبرت كوبر الدبلوماسي السابق لبريطانيا والاتحاد الاوروبي “دول ما بعد الحديثة” تتداول بكل حرية جانبا من سيادتها.

وقال كوبر في كتابه تفكك الأمم (‭‭‭The Breaking of Nations‬‬‬) الذي صدر عام 2003 “الاتحاد الاوروبي نظام شديد التطور للتدخل المتبادل من جانب كل دولة في شؤون الدول الأخرى في كل شيء حتى البيرة والنقانق.”

وجعل ذلك الحدود الوطنية أقل أهمية وأثار مطالب من جانب المواطنين بمزيد من التحكم الديمقراطي على مستوى يقل عن مستوى الدول.

وكان الاتحاد الاوروبي هو العامل المحفز وراء الكثير من تلك التغيرات لكنه لم يكن الحل في جميع الأحوال.

ولم تزد لجنة أوروبية للاقاليم تشكلت في التسعينات لمنح المسؤولين المنتخبين على مستوى المحليات والاقاليم سلطة في الاتحاد الاوروبي عن كونها منبرا اضافيا للكلام دون أي سلطة حقيقية.

وقال ممثل سابق لأحد الاقاليم التي تتمتع بالحكم الذاتي في أوروبا طالبا عدم الكشف عن هويته “لجنة الاقاليم فاشلة فشلا ذريعا. وإذا لم تكن دولة فلا يمكنك أن تضع قضاياك على جدول أعمال الاتحاد الاوروبي.”

وللاقاليم الكبرى في الاتحاد الاوروبي مثل لايندر في ألمانيا مكاتب في حجم السفارات في بروكسل للترويج لمصالحها وضمان الحصول على استثمارات من دول الاتحاد والضغط من أجل سن تشريعات.

وترى حركات الاستقلال في اسكتلندا وقطالونيا في الوحدة الاوروبية سبيلا للهرب من نير الحكومات الوطنية. وهي تريد مقعدا خاصا بها على موائد الاتحاد الاوروبي دون الحاجة للوسطاء في كل من لندن ومدريد.

وقد أدت الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2008 إلى تسارع قوى الجذب والطرد في أوروبا. كما أدت إلى ازدياد حدة الصراعات على الموارد بين الاقاليم الغنية والفقيرة مثل اقليم الفلاندرز الذي يتحدث بالهولندية واقليم والونيا الذي يتحدث بالفرنسية في بلجيكا وكذلك في ايطاليا وألمانيا.

ولم يعد اقليما بافاريا وهسه الثريان يريدان دعم الولايات الفقيرة في شمال ألمانيا وشرقها بل ولجأ الاقليمان إلى القضاء في تحديهما لنظام المساواة المالية بين أقاليم البلاد.

وفرض شمال ايطاليا المزدهر المستاء من سداد احتياجات الجنوب نظاما للحد من هذا العبء.

واتجه الناخبون في اسكتلندا وقطالونيا إلى الانفصاليين بأعداد أكبر لأسباب منها الاحتجاج على سياسات التقشف التي فرضتها النخب السياسية في البلاد التي تصور على أنها منفصلة عن المواطن العادي.

ويعتبر اليكس سالموند الزعيم القومي الاسكتلندي أستاذا في استغلال الاستياء من مؤسسة الحكم في لندن. وفي الاسبوع الماضي تندر قائلا إنه لو كان يعلم أن زعماء الأحزاب السياسية البريطانية الثلاثة قادمون إلى اسكتلندا لمطالبة الناخبين بالتصويت بلا لكان قد دفع لهم ثمن تذاكر السفر.

كما غذت الأزمة القوى القومية مثل حزب الاستقلال البريطاني وحزب الجبهة الوطنية في فرنسا وأحزاب الحرية في النمسا وهولندا التي تريد الانسحاب من الاتحاد الاوروبي وإعادة الحدود الوطنية لصد المهاجرين والواردات.

وإذا شهدت الدول القائمة على أسس قومية مزيدا من التفكك فإن ذلك سيزيد التوترات في نظام صنع القرار في الاتحاد الاوروبي بما يخاطر بجموده.

فمن الصعب بالفعل حمل 28 دولة على التصديق على معاهدات بالاجماع من خلال الاستفتاءات في بعض الاحيان. وبينما تنتظر ست دول أخرى في غرب البلقان الانضمام للاتحاد الاوروبي مع امكانية تفكك دول أخرى أعضاء حاليا يخشى بعض الخبراء أن يتضخم الاتحاد الاوروبي بحيث تتعذر إدارته.

ويرى نيكولاس ليفرات خبير القانون الدولي في معهد الدراسات العالمية بجامعة جنيف إن انتشار الدول الصغيرة سيدفع الاتحاد لاصلاح نظام الحوكمة.

وأضاف “سترغم هذه الزيادة في الدول الجديدة الاتحاد الاوروبي على تغيير أسلوب تمثيل الدول في الاتحاد. وما بدأ بست (دول) ويفلح بصفة تقريبية لعدد 28 دولة لن يفلح بالتأكيد لمئة.”

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى