سياسة

هيربرت لندن: جيش مصر الذي لا يفهمه الأمريكان

الأمريكيون لا يستطيعون فهم طبيعة الجيش المصري، حسب ما يشرح هنا هيربرت لندن مدير مركز لندن للأبحاث السياسية

earmy2

هيربرت لندن – نورث إيست بابليك راديو

ترجمة – محمود مصطفى

نادراً ما يأخد الامريكيون شئون الجيش في الحسبان، فأقل من 0.5% فقط من الامريكيين له علاقة مباشرة بالجيش خارج إطار الجندية. الكونجرس نفسه غير مدرك بصورة كاملة لاهتمامات الجيش حيث يفصل جدار هائل بين النخبة العسكرية والقيادة المدنية التي تأخذ القرارات التي تحدد مستقبل الجيش.

ونتيجة لذلك، فإن أي أمريكي حين يسمع بتدخل للجيش في الشأن الحكومي سينتفض مفترضاً أن ما يحدث إنقلاب أو استحواذ على السلطة.

في 25 مايو 2014، أكد مقال لديفيد كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز أن السيسي استخدم منصبه العسكري للتلاعب بالقرارات في حكومتي مبارك ومرسي، لكن تدخل الجيش متأصّل في مصر حيث يمثل دعامة للدولة.

تكاد لا توجد أسرة مصرية لم يؤد أحد أفرادها الخدمة العسكرية، بل وفي الواقع كما لاحظ أحد الوزراء أثناء زيارتي لمصر “الجيش هو الوطن والوطن هو الجيش.”

هذا النوع من العلاقات الدائرية غير معروف للغرب، يذكر أن ملازم ثان بالجيش المصري كان بحسب تقارير قد أجاب عن سؤال حول الحرب على الإرهاب في سيناء قائلا : إنه مستعد لفعل كل ما هو مطلوب للحفاظ على “شرف مصر” بما في ذلك التضحية بحياته، هذا ليس تصريحاً غير عادي من ضابط بالجيش المصري.

عندما اعتذر الرئيس جمال عبد الناصر للشعب المصري بعد الهزيمة المذلة في حرب 1967، نهض الشعب وغفر لناصر وللجيش.

هذه النقاط مثلت خلفية لتبرير عزل ضباط الجيش لحكومة منتخبة ديمقراطياً. 33 مليون شخص، أكثر من ثلث إجمالي عدد السكان، نزلوا إلى الشوارع في كل المدن الرئيسية في 30 يونيو 2013، ليسوا انقلاب كما صور الإعلام الغربي الأِمر ولكن ثورة ضد حكومة الاخوان المسلمين.

ضباط الجيش وقفوا إلى جانب الشعب في الشوارع، بل إن السيسي ممثلاً لحكومة مرسي آنذاك رفض إطلاق النار على المتظاهرين عندما أصدر له الامر بذلك. الوضع لم يكن نحن وهم، الأمر كان مصلحة مشتركة لم يكن أمامها سوى طريقة واحدة للتعبير عنها وهي الثورة الشعبية.

فشل الإدارة الامريكية في الإدراك الكامل لهذا التطور يرجع جزء منه إلى الفهم الخاطئ لدور الجيش في المجتمع المدني، فنشاطات الجيش منسوجة في أساسات التاريخ المصري الحديث فهو مصدر الفخر والإحباط والتثقيف في آن، وهو أيضاً الدعامة التي تبقي على العلاقة الهشة بين الأغلبية المسلمة الكبيرة وبين الاقلية القبطية.

عندما حاول مرسي الذهاب أبعد مما ينبغي بمحاولة أسلمة الدولة كان الجيش هو من حال ذلك. بمفهوم ما، يندر إدراكه، الجيش كان في الطليعة الثورية وبدلاً من إعاقة العملية الديمقراطية كان الجيش يدفعها للأمام عبر دعم الرأي العام.

في الحقيقه، الجيش هو المكون الوحيد في الشعب المصري الذي لديه دعم كاف ومنتشر يستطيع من خلاله الحفاظ على الاستقرار. وكما أشار المشير السيسي “إذا لم يرض الناس عن القيادة التي أقدمها، بمن فيهم الجيش، سيطلبون مني الرحيل.”

في اللحظة الراهنة، الجيش منوط به حفظ الامن وإبقاء حوالي مليون عضو في جماعة الأخوان المسلمين قد ينخرطون في نشاطات عنف تحت الأنظار.

بدون الأمن لا يستطيع الاقتصاد المصري التعافي، وبسبب منظمو الرحلات في أوروبا والولايات المتحدة فالسياحة شبه غير موجودة. في زيارة مؤخراً أحصيت أقل من 20 سائحاً عند أهرامات الجيزة، قبل هذه التشنجات السياسية عمل نحو 20 مليون مصري بصورة مباشرة أو غير مباشرة في السياحة والآن العدد يقدر بالمئات.

إذاً مسئولية الجيش هي الأمن العام والأمن الاقتصادي، فالجيش هو القلب النابض للأمة. إذا أرادت الولايات المتحدة أن تفهم ما يحدث في مصر عليها أن تقدر دور الجيش ويمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تعرف قدراً لا بأس به عن الاخوان المسلمين وعلاقاتهم بمنظمات إرهابية حيث سيساعدها في ذلك خبرات الجيش المصري.

مصر لن تنسى أبداً السبل العديدة التي ساعدت بها الولايات المتحدة هذه الأمة في لحظاتها الصعبة، لكنها الآن تطلب من الولايات المتحدة أن تتخلص من تحيزها حيال الجيش وأن تضع في الاعتبار حقائق الواقع القاسية. مصر تحتاج جيشها وما يثير الإهتمام أن الولايات المتحدة تحتاج مصر كحليف في الصراع الدائم ضد المتطرفين الإسلاميين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى