سياسة

دكتور عماد شاهين: أنا “محظوظ بالإعدام” ولن أعود إلى مصر

الدكتور عماد الدين شاهين المحكوم عليه بالإعدام في قضية التخابر: كنت مصدر إزعاج  للنظام والصراع في مصر بين الحكم العسكري والديمقراطي

ذي أتلانتيك – عماد الدين شاهين* – ترجمة: محمد الصباغ

في فجر الثالث من يناير عام 2014 حاصرت قوات الأمن منزلي بالقاهرة، وقامت بعدة تحركات عسكرية واهتز المبنى من أصواتهم. أتذكر بوضوح صرخات زوجتي ووجهها الذي تحول لونه إلى الأزرق وهي تقول: ”إنهم هنا! لقد جاءوا ليأخذوك! جاءوا للقبض عليك!“. لأسباب لا أعرفها حتى الآن غادرت القوات عقب نصف ساعة دون حتى أن تطرق بابي. في البداية، قررت أن أجنب زوجتي هذا الرعب الذي لا يحتمل وأن أغادر. اشتريت تذكرة الطيران من المطار، ولم أعد لمصر منذ ذلك الحين.

وعلى متن الطائرة، تأملت فيما تعد أقصر تجربة سياسية في وقتنا المعاصر. منذ ثلاث سنوات فقط، ثار المصريون وأطاحوا بالديكتاتور حسني مبارك في واحدة من أعظم تجليات القوة الشعبية في التاريخ الحديث. لكن في صيف 2013، تبددت تطلعات ملايين المصريين إلى الديمقراطية بعدما وصل النظام القديم مرة أخرى إلى السلطة بانقلاب عسكري ضد محمد مرسي أول رئيس منتخب ديمقراطياً الذى ينتمي للإخوان المسلمين.

في الوقت الذي غادرت فيه، كانت بالفعل الحكومة العسكرية قد ارتكبت أعمالاً وحشية شملت القتل والقبض الجماعي، كجزء من مشروع لم يحدث مسبقاً من الاستبعاد السياسي الشامل. عدت بالذاكرة إلى الهتافات الثورية في ميدان التحرير المنادية بالكرامة والعدالة الاجتماعية، وأيضاً تذكرت الآمال الكبيرة التي صاحبت الانتخابات الديمقراطية. كل ذلك بدا و كأنه اختفى في مواجهة الثورة المضادة التي لا ترحم والتهاون الخارجي.

أصدرت يوم السبت محكمة مصرية حكماً ضدي بالإعدام غيابياً بناء على تهماً ملفقة ومزيفة. لم تحدد المحكمة مطلقاً الجريمة التي من المفترض أنني قمت بها أو أظهرت أي دليل إدانة ضدي. كنت المتهم رقم 33، والتهم في قضيتي كانت كلمة عامة وهي التجسس، والتآمر لزعزعة الأمن القومي المصري. وفي نفس يوم الحكم علي بالإعدام، قررت المحكمة نفس المصير لمرسي وأكثر من 100 آخرين في قضية ثانية، ومن ضمنهم رجل فلسطيني محبوس في السجون الإسرائيلية منذ عام 1996. بالطبع لم يكن في مقدوره تنفيذ الجريمة وهي الهروب من السجن عام 2011، وتمت إدانته فيها. لكن يبدو أن تلك التفاصيل لم تقف أمام المحكمة. اثنين من الفلسطينيين المحكوم عليهم بالإعدام هم أصلاً في عداد الموتى، حسبما قالت حركة حماس، فأحدهما مات منذ سنوات قبل عملية الهروب من السجن عام 2011. يبدو أن قضاء مصر المسيس لا يمتلك الكفاءة كما أنه فاسد.

هذه الأحكام هي الأخيرة في طابور طويل من تحريف العدالة التي يقوم بها القضاة المصريون، الذين تم إدانتهم بواسطة منظمات مثل “هيومان رايتس ووتش” و”العفو الدولية”. هي نفس السلطة القضائية التي أصدرت حكماً بإعدام 500 شخص بزعم قتل ضابط شرطة واحد. كان الحكم الجماعي الأول بالإعدام الذي تبعه ثلاثة أخرين خلال تقريباً عام واحد بواسطة المحاكم التي تستمر في مساعدة الحكومة المصرية الحالية بقيادة عبد الفتاح السيسي في سعيه لاحتكار السلطة والقضاء على كل أشكال المعارضة. هؤلاء لا يقتلون بالرصاص الحي بل بالأحكام والإعدامات.

يمكن أن يتعجب البعض من كوني باحثا في العلوم السياسية وقد أكون متورطاً في قضية قانونية عالية الدرجة. ومرة أخرى، من الصعب أن أوضح اللاعقلانية في النظام الأمني. بعد الإطاحة بمرسي عام 2013، وصفت أبحاثي و كتاباتي، بتفاصيل  غير مريحة، السياسات الإقصائية القاسية من قبل الحكومة العسكرية. ووصفت ما حدث في 3 يوليو 2013 بأنه انقلاب عسكري وحشي ودموي. كتبت وتحدثت عن مقتل المئات من المصريين، والقبض على آلاف آخرين، والإعتداء الجنسي على الطالبات. أظن أن النظام يعتبرني مصدر إزعاج. فأنا معروف جيداً وسط الجماعة الأكاديمية وعملي يحترم في الولايات المتحدة، حيث قامت الحكومة العسكرية ببذل طاقات هائلة وموارد مالية في محاولة لتحسين صورتها. والأكثر من ذلك أنني أمتلك علاقات بوسائل الإعلام العالمية، التي غالباً ما تتواصل معي من أجل تحليل التطورات في مصر. وفيما يبدو أنه محاولة لتقويض رسالتي، صورتني السلطات المصرية كشخص خائن و شرير، ولا يضع مصلحة مصر في اهتمامه.

منذ الانقلاب، شاركت في جهود عديدة من أجل إقامة تحالف مدني للحكم من أجل إعادة الديمقراطية في مصر. لا يهتم قادة الإنقلاب بمثل تلك المبادرات، واتجهوا إلى الاستقطاب والتصعيد والإقصاء. لقد شنوا ”حرباً ضد الإرهاب“ كحجة لارتكاب عنف ترعاه الدولة وإعادة الدولة العسكرية مرة أخرى. مضت ستة عقود من الحكم العسكري وخلفوا تركة مفلسة. في عام 2013، صنفت مصر في المركز الأخير عالمياً في جودة التعليم الأساسي. وصنفت في المركز 94 من بين 175 دولة من حيث الفساد، وجاءت في المركز 112 من بين 189 من حيث سهولة إقامة الأعمال.

في كثير من الجوانب، أنا محظوظ. لأن آلاف المصريين الذين بقوا في البلاد قتلوا أو حبسوا. و منذ الانقلاب، قابلت عشرات المصريين، بعضهم في الغربة الذين ذكروا لي حكايات عن الخسائر المالية وفقدان الوظائف والممتلكات والحياة أيضاً.

مازلت أبحث و أحاضر، ووجدت أملاً جديداً في الغربة. يخلو النظام القضائي في مصر من الإجراءات القانونية، مثل الاهتمام بالأدلة وتطبيق أدنى معايير العدالة، مما يجعل العودة إلى مصر واستئناف الحكم الصادر ضدي أمرا غير مجدي. ظاهرياً يبدو الصراع الحالي في مصر بين الجيش والإخوان المسلمين، لكنه في الحقيقة بين الحكم العسكري والحكم الديمقراطي المدني. سأستمر في السعي نحو قضية الديمقراطية العادلة وتطبيق دولة القانون في مصر. فلم نكن نهتف بالكرامة والعدالة الاجتماعية في ميدان التحرير عبثا.

.

*دكتور عماد الدين شاهين أستاذ زائر بجامعة جورج تاون ورئيس تحرير موسوعة أكسفورد للإسلام والسياسة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى