إعلامسياسة

حكايات “العهد النازي” لوكالة اسوشيتدبرس

كان هتلر يختار الصور بنفسه

الجارديان – فيليب أولترمان – ترجمة: محمد الصباغ

دخلت وكالة أنباء أسوشيتد برس في تعاون  مباشر مع نظام هتلر في فترة الثلاثينيات، وزودت الجرائد الأمريكية بمواد أنتجها واختارها بشكل مباشر وزارة الإعلام النازية، وفقاً لمواد أرشيفية كشف عنها مؤرخ ألماني.

عندما استولى الحزب النازي على السلطة في ألمانيا عام 1933، كان من أول أهدافه تماشي الصحافة مع سياساته وليست القومية فقط بل الإعلام العالمي أيضاً. تم حظر جريدة الجارديان لمدة عام تقريباً، وبحلول سنة 1935 أجبرت وكالات أنباء بريطانية أمريكية مثل كايستون و “وايد وورلد فوتوز”على إغلاق مكاتبهم بعد الهجوم عليهم لتعيينهم موظفين يهود.

في حين كانت أسوشيتد برس هي الوكالة الوحيدة التي سمح لها بالاستمرار في العمل في أثناء حكم هتلر لألمانيا، واستمرت في العمل حتى دخلت الولايات المتحدة الحرب عام 1941. وجدت نفسها في وضع مربح لأنها السبيل الوحيد لتقارير الأخبار والصور في الدولة الشمولية.

في مقال نشر بجريدة أكاديمية متخصصة في التاريخ المعاصر، أظهرت المؤرخة هارييت شورنبيرج أن أسوشيتد برس كانت فقط قادرة على الإبقاء على ميزتها تلك من خلال تعاون متبادل ومفيد للطرفين بينها وبين النظام النازي.

تنازلت الوكالة، مقرها نيويورك، عن سيطرتها على موادها من خلال التوقيع على ما يسمى بقانون المحررين أو ” Schriftleitergesetz“، ووعدوا بعدم نشر أي مواد ”ستضعف الرايخ، ألمانيا النازية، سواء داخلياً أو خارجياً.“

كما تطلب القانون أن توظف أسوشيتد برس محررين عملوا من قبل لقسم الدعايا بالحزب النازيز ومن بين أربعة مصورين عينتهم الوكالة في الثلاثينيات كان فرانز روث، وكان عضواً بقسم الدعايا بوحدات إس إس الألمانية الشهيرة الشبه عسكرية، وكانت صوره يختارها هتلر بنفسه. حذفت أسوشيتد برس صور ”روث“ من موقعها منذ نشر شورنبيرج للنتائج التي توصلت إليها، على الرغم من أن الصور المصغرة (thumbnail) يمكن رؤيتها بسبب مسائل تقنية.

وسمحت أسوشيتد برس للنظام النازي باستخدام أرشيفها في دعايتهم المطبوعة شديدة المعاداة للسامية. ظهرت المطبوعات مع صور الوكالة ومن بينها ملصق ال(SS) الأكثر مبيعاً ”الإنسان الأدنى في المستوى“ وكتيب ”اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية“، والذي كان يهدف إلى إظهار انحطاط اليهود الأمريكيين مع صورة لعمدة نيويورك فيوريللو لاجوارديا وهو يأكل بيديه.

ومع ظهور المعلومات الجديدة قبل ذكرى إنشاء أسوشيتد برس رقم 170 في مايو، أثيرت أسئلة صعبة وليس فقط حول الدور الذي لعبته الوكالة في السماح لألمانيا النازية بإخفاء وجهها الحقيقي في سنوات حكم هتلر الأولى، لكن أيضاً حول علاقة الوكالة مع الأنظمة الشمولية المعاصرة.

في حين مكّن اتفاق أسوشيتد برس الغرب من الاستمرار في لإظهار القليل من قمع المجتمع لكن ربما أيصاً أخفيت حقائق كاملة عن الأنظار –ولذلك حصل المراسل من برلين لويس بي لوتشنر على جائزة بوليتزر عام 1939- ومكن الاتفاق أيضاً النازيين من إخفاء بعض جرائمهم. وأشارت شورتبيرج، المؤرخة بجامعة هالو مارتين لوثر، إلى أن تعاون أسوشيتد برس مع نظام هتلر سمح للنازيين ب”تصوير حرب إبادة على أنها حرب تقليدية.“

في يونيو 1941، غزت القوات النازية مدينة لفيف بغرب أوكرانيا. وبناء على اكتشاف أدلة وجود عمليات قتل جماعي نفذتها القوات السوفيتية، نظمت قوات الاحتلال الألمانية مذابحمن أجل ”الثأر“ من سكان المدينة من اليهود.

كانت صور فرانز روث التي تحتوي على الجثث من داخل سجون لفيف، يتم اختيارها بأوامر شخصية من هتلر ثم توزع إلى الصحافة الأمريكية عبر أسوشيتد برس.

وقالت شورنبرج للجارديان: ”بدلاً من طبع صور المذابح في لفيف وآلاف الضحايا من اليهود، كانت الوكالة تزود الصحافة الأمريكية فقط بصور تظهر ضحايا الشرطة السوفيتية ووحشية الجيش الاحمار وجرائم الحرب التي ارتكبوها.“

وتضيف المؤرخة: ”وبناء على ذلك، من المنصف القول أن تلك الصور لعبت دورها في إخفاء الصورة الحقيقية عن الحرب التي يقودها الألمان.“ وتتابع: ”أي من الاحداث كان مسموح بظهورها وأي منها بقيت غير مرئية فيما يتعلق بتوزيع أسوشيتد برس للصور كان وفقاً للاهتمامات الألمانية والرواية الألمانية للحرب.“

ورداً على تلك المزاعم، قالت أسوشيتد برس في بيان إن تقارير شورنبيرج ”وصفت فردين وأنشطتهم قبل وأثناء الحرب والتي لم تكن معروفة من جانب الوكالة،“ وإن أسوشيتد برس تنظر حالياً في الوثائق وفي الأرشيف من أجل ”تفهم أكثر لتلك الفترة الزمنية.“

وقال متحدث من أسوشيتد برس للجارديان: ”مع استمرارنا في البحث في تلك المسألة، ترفض الوكالة أي إشارة نحو تعمد تعاونها مع النظام النازي. والتوصيف الدقيق هو ان الوكالة ومؤسسات إخبارية أجنبية أخرى كانوا عرضة لضغوط مكثفة من النظام النازي مع وصول هتلر للسلطة عام 1932 وحتى طرد أسوشيتد برس من ألمانيا في عام 1941. قاومت الوكالة الضغط أثناء عملها على جمع أخبار دقيقة وضرورية وموضوعية في أوقات مظلمة وخطيرة.“

ربما لم يكن ليهتم المؤرخون بتلك النتائج لولا البحث في حقيقة علاقة أسوشيتد برس بالأنظمة الشمولية المعاصرة. فمنذ يناير 2012، عندما أصبحت أسوشيتد برس أول وكالة أنباء غربية تفتتح لها مقراً بكوريا الشمالية، وزادت الأسئلة وتكررت حول حيادية المواد التي تخرج من مكتبها ببيونج يانج.

وفي عام 2014، زعم موقع أخبار كوريا الشمالية ومقره واشنطن، أن مسؤولي أسوشيتد برس وافقوا في عام 2011 على ”توزيع مواد دعائية تنتجها حكومة كوريا الشمالية تحت إسم الوكالة“ من أجل الوصول إلى مواد مصورة أكثر ربحية من الدولة الشمولية. تأتي جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، كثاني أسوأ دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي.

واظهرت وثيقة مسربة لمسودة اتفاق أن أسوشيتد برس كانت مستعدة للسماح لوكالة الأنباء الكورية (KCNA) أن تختار أحد محررصحفي ومصور ممن يعملون في أقسامها الدعائية  للعمل في مكتب أسوشيتد برس. وقالت الوكالة للجارديان إن ”من غير المسموح أن نتعامل على أن تلك المسودة لها أي أهمية،“ لكنه رفض الإفصاح عن معلومات أكثر عن اتفاق نهائي.

هناك أحداث بارزة، تم نقلها في وسائل الإعلام العالمية، لكن لم يغطها مكتب أسوشيتد برس في بيونج يانج مثل اختفاء الرئيس الكوري الشمالي كيم يونج أون عن الظهور العام لمدة ستة أسابيع في الفترة بين سبتمبر وأكنوبر 2014، وأيضاً قصة شركة سوني في نوفمبر 2014 حينما تعرضت لعملية قرصنة إلكترونية زعمت أن من نفذها هي وكالة الحرب الإلكترونية بكوريا الشمالية، أو تقارير عن المجاعة بإقليم هوانج هاي في عام 2012.

عندما وقعت وكالة الأنباء الفرنسية اتفاقاً لافتتاح مكتب لها في بيونج يانج في يناير ها العام، علّق رئيس مكتب أسوشيتد برس السابق هناك ،جان لي، قائلاً إن ذلك علامة على ثقة ”النظام المتزايدة في قدرته على إبقاء الصحفيين الأجانب تحت السيطرة.“

فيما نفى المتحدث باسم أسوشيتد برس خضوع الوكالة لأي رقابة. وقال: ”لا ننشر قصصاً لوكالة الانباء الكورية أو أي مسؤولين رسميين قبل أن نشر روايتنا. وفي نفس الوقت المسؤولين لهم كامل الحرية في السماح بإجراء المقابلات أو الرفض.“

أما، نيت ثايير، مراسل أسوشيتد برس السابق في كمبوديا والذي نشر المسودة المسربة للاتفاق، فقال للجارديان: ”يبدو أن أسوشيتد برس قد تعلموا القليل من ماضيهم. الزعم، كما تفعل الوكالة، أن كوريا الشمالية لا تتحكم في موادهم أمر مضحك. هناك بالطبع إشارة إلى أن أي سيلة وصول إلى تلك الدول السرية أمر مهم. لكن في نهاية اليوم ما يهم هو ما تنقله للقراء وأن ما تنشره مبني على مصادر حيادية ومستقلة.“

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى