اقتصادثقافة و فنسياسة

حين كان أحمد عزّ أقوى من مبارك: حكايات الفساد والسلطة صدرت في “لندن”

صافيناز الطاروطي: حين كان أحمد عزّ أقوى من مبارك

safinaz

إعداد وترجمة: محمد الصباغ

تلقي الباحثة السياسية صافيناز الطاروطي، في كتابها “رجال الأعمال والمحسوبية والاستبداد في مصر” الذي صدر قبل أيام في لندن، الضوء على دور رجال الأعمال في بقاء مبارك واستمرار استبداده. والطاروطي باحثة سياسية حاصلة على البكالوريوس والماجستير من الجامعة الأمريكية بالقاهرة والدكتوراه في السياسة من جامعة إيست أنجليا بالمملكة المتحدة.

ويشرح الكتاب، المكون من خمسة فصول، كيف خلق النظام علاقات جديدة مع رجال الأعمال ونجح في استمالة بعضهم واستبعاد البعض الآخر.  ويدور الفصل الأول من الكتاب عن الانتفاضة والديكتاتورية والتحول السياسي في مصر. بينما يناقش الفصل الثانيوضع رجال الأعمال من منظور تاريخي، فيما يتحدث الفصل الثالث عن رجال الأعمال ودخولهم إلى البرلمان وتحكمهم في التشريعات، ثم توضح الكاتبة في الفصل الرابع الشبكات الاجتماعية التي تربط عائلة مبارك برجال الأعمال، وفي النهاية تستعرض رجال الأعمال في الجانب المعارض للسلطة.

في كتابها (Businessmen, Clientelism, and Authoritarianism in Egypt – رجال الأعمال والمحسوبية والإستبداد في مصر) تؤكد الطاروطي أنه بعد التحرر الاقتصادي، استمال نظام مبارك رجال الأعمال بأشكال متنوعة. شمل ذلك التبعية المستمرة من رجال الأعمال للنظام، واعتمد ذلك على تهديدات حقيقية بالإجبار أو المساومة من أجل زيادة سلطتهم المالية والهيكلية.

وتوضح الطاروطي في مقدمة كتابها أنه في بعض الحالات الإستثنائية، كانت قوة رجال الأعمال تزداد لدرجة تهدد النظام. وفي حالات أخرى، كان النظام يفوض دوره في توفير الخدمات الاجتماعية إلى رجال الأعمال مما أدى إلى وجود علاقة ثلاثية متكاملة بين النظام ورجال الأعمال والعملاء. ومن جانب آخر، كان هناك رجال أعمال رفضوا استمالة النظام لهم، من بينهم رجال أعمال غير ملتزمين بالقانون أو راديكاليين، وتسبب ذلك في استبعادهم من المشاركة في العملية السياسية، وأيضاً خلق النظام انقسامات فيما بينهم.

تلك الأشكال المختلفة من الاستمالات والاستبعادات من جانب النظام لرجال الأعمال الراديكاليين والانقسامات التي خلقها بينهم أفرزت نظاماً اقتصادياً جديداً من الاستبداد.

هذا الشكل الاقتصادي والمعتمد على استمالة رجال الأعمال تحرك من عهد عبد الناصر إلى مبارك مروراً بالسادات بطرق مختلفة. ورغم تخلص عبد الناصر من السلطة الاقتصادية والسياسية التي كانت بأيدي ملاك الأراضي من النظام السابق له، إلا أنه لم يستطع أن ينفذ خطته التنموية إلا بالتعاون مع بعض أعضاء الطبقة العليا واستمالتهم من هذا النظام. كان مسموحاً لهم بالعمل في التجارة والإنشاءات وتراكم ثرواتهم مقابل تقديم الخدمات لخطة ناصر التنموية.

كما تقفز مقدمة الطاروطي لكتابها أيضاً إلى عصر السادات الذي حاول جذب الاستثمارات الأجنبية والتحالف مع الغرب، وكان ذلك سبباً في اعتماد اقتصاده السياسي الاستبدادي على خلق قوة اجتماعية غنية مرتبطة بالرأسمالية الأجنبية. نتج عن التحرر الاقتصادي الذي صنعه السادات استمالة وتعاون مع الطبقة البرجوازية التي صنعها الانفتاح على مستويات مختلفة (بواسطة الرأسمال الأجنبي أو النظام من خلال المسؤولين الكبار في الحكومة).

وعند وصول مبارك إلى الحكم قام بابعاد تلك الطبقة البرجوازية وفصلهم من الحزب الحاكم بسبب اتهامات بالفساد. وفي نفس الوقت، استمال أعضاء آخرين من برجوازيي الانفتاح، مثل ملاك شركات الاستثمار الإسلامية. ورغم ذلك أيضاً، عندما مثّلوا تحدياً للنظام تم منعهم من متابعة أعمالهم وأغلقت شركاتهم.

زاد  التحرر الاقتصادي في مصر خلال فترة التسعينيات من سلطات رجال الأعمال المالية والهيكلية (في بناء وتوزيع السلطة). لذا تعامل النظام مع تحديات التحرر الاقتصادي من خلال استمالة رجال الأعمال مجددا والتعاون معهم، كما حدث مع أحمد عز ورامي لكح ومحمد أبو العنين وقضية قروض البنوك التي تورط فيها نواب برلمانيين.

ويستعرض الكتاب أيضاً للعديد من حالات رجال الأعمال وعلاقاتهم بنظام مبارك وكيف كون النظام شبكة علاقات بين رجال الأعمال، وكيف وصلوا –رجال الأعمال- إلى قلب العملية السياسية. وفي الفصل الثالث، تناولت الكاتبة  واقعة تظهر كيف أصبح رجل الأعمال أحمد عز أقوى من النظام في بعض الأوقات.

تتحدث الكاتبة في بحثها عن أن الفساد تخطى بيع وشراء الأصوات الانتخابية ووصل إلى داخل البرلمان نفسه.

كان ذلك واضحاً حين عمل أحمد عز لمصلحته الشخصية بالتدخل من أجل تعديل القانون رقم 3 لعام 2005 المتعلق بحماية التنافس ومنع ممارسات الاحتكار، والذي سمح له بمواصلة ممارساته الاحتكارية.

مر مشروع القانون بعدة خطوات، الأولى، عندما أكد وزير التجارة آنذلك رشيد محمد رشيد أن هناك رجال أعمال داخل البرلمان يحتكرون تجارة الحديد وطالب بتغليظ الغرامات وجعلها متناسبة مع الفعل الاحتكاري. ونتيجة لذلك، قدمت الحكومة مشروعاً بقانون يجعل العقوبة على الاحتكار تصل إلى 10% من دخل المبيعات. وحينما عرض على مجلس الشورى اقترح أعضائه رفع النسبة إلى 15%.  وعند مقارنة كل مراحل خروج القانون حتى شكله النهائي نجد أن العقوبات جميعها كانت أكبر من القانون النهائي الذي تم تشريعه.

في القانون الذي تم التصديق عليه، تم تغيير الغرامة من 15% من دخل مبيعات الاحتكار إلى غرامة حدها الأقصى 300 مليون جنيه. ومن الجدير بالذكر أنه لو تم التصديق على نسبة 15% من الأرباح لكن من المفترض لأحمد عز أن يدفع مبلغ قدره 1.7 مليار جنيه.

ووفقاً للطاروطي، يبدو أن القيادة كانت على علم بما فعله عز ليمرر القانون لمواصلة ممارساته الاحتكارية، فمبارك لم يتخذ أي إجراء قوي من أجل إيقاف رجل الأعمال. وكما قال رئيس مجلس الشعب السابق، فتحي سرور: ”لقد أوصلت الأمر إلى الرئيس، وأخبرته أن هذا القانون يجب ألا يمر. لذا تحدث الرئيس إلى الأمين العام للحزب صفوت الشريف من أجل حل المسألة. جاء الشريف إلى مكتبي واتصل بعز وأخبره باعتراض الرئيس… بالرغم من ذلك، تمسك عز بقراره وأكد أنه لن يغير القانون، وفي حالة أنني رغبت في تعديله سيقوم –عز- بحث أغلبية أعضاء الحزب على رفضه… في هذه المرحلة، شعرت أن عز أقوى من الرئيس، وهو يمثل قوة خطيرة بعصيانه للرئيس“.

ويدل ذلك، حسب ما جاء في الكتاب، على أن شكل العلاقة بين النظام وعز تطورت من مجرد تعاون واستمالة إلى تبعية متبادلة. لم يستطع النظام التحرك ضد عز، لأنه كان راعياً أساسياً لحملات الحزب الحاكم ومبارك الانتخابية، ومشروع توريث جمال مبارك. كما صنع عز ثروته من ممارسات غير قانونية فأصبح بحاجة إلى النظام من أجل الحماية. ورغم تلك التبعية المتبادلة بين عز والنظام، عندما اندلعت مظاهرات 25 يناير 2011، أصبحت تلك العلاقة عبئاً على النظام. وفي محاولة تقديم تنازلات إلى المتظاهرين قرر النظام فصل أحمد عز من الحزب الوطني في 29 يناير، وفي يوم 3 فبراير تم منعه من السفر. تلك العلاقة المتبادلة بين عز ونظام مبارك كانت تقضي بأن بقاء كل عنصر معتمد على بقاء الآخر. وظهر الوجه الآخر للعلاقة عندما سقط أحدهما، فسقط الآخر.

وفي الفصل الخامس من الكتاب، تقول الطاروطي إن اهتمامها الأكبر فيه كان تصور كيف تطورت العلاقة الشخصية بين مبارك مع رجال أعمال محددين. يناقش الفصل أن هناك رجال أعمال لم يندمجوا في العملية السياسية، سواء بالترشح للبرلمان أو الانضمام لأحزاب سياسية، لكنهم طوروا من علاقتهم الشخصية مع مبارك  ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، ومن هؤلاء أحمد بهجت ومحمد نصير. ويضيف الكتاب أن رجال أعمال آخرين كنجيب ساويرس وعائلته خلقوا شبكة علاقات مع عائلة مبارك. وتباين حجم تلك الروابط من مبارك إلى عائلته إلى كبار رجال الحكومة، وكان لذلك تأثيراً في إعادة توزيع وإنتهاك موارد الدولة. وذكرت الكاتبة مثال على ذلك كبيع أراضي تابعة للدولة ومؤسسات بأسعار مخفضة، والتهرب من الضرائب، والاقتراض من البنوك العامة دون ضمانات. ومقابل ذلك يقدم رجال الأعمال ما يساعد على بقاء نظام مبارك الإستبدادي. على سبيل المثال، يمولون قنوات وصحف داعمة لمبارك، وعائلته، ونظامه، بالإضافة إلى أعمال خيرية تعويضاً عن عدم تقديم الدولة للخدمات الاجتماعية.

كما أكدت الطاروطي في كتابها أن استبداد نظام مبارك ظل محتملاً حتى 25 يناير 2011، عندما نزل المتظاهرون إلى الشوارع بمظالم سياسية واقتصادية. أظهر ذلك فشل سياسة مبارك الاقتصادية الاستبدادبة الجديدة. وتضيف الطاروطي، على سبيل المثال، لم تمنع سيطرة النظام على وسائل الإعلام باستمالة ملاكها مثل أحمد بهجت والسيد البدوي، لم يمنع المتظاهرين في 25 يناير من الوصول إلى ميدان التحرير. وكان إعلان التظاهرات قد تم قبل أسبوعين من قيامها من خلال الفيسبوك. قلل النظام من دور المجموعات الشبابية والنشطاء الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، وركز فقط على معاونيه من رجال الأعمال الذين يمتلكون وسائل الإعلام الخاصة. فمثلاً ضمنت العلاقة الاستبدادية والنفعية بين أحمد بهجت والنظام ولائه. فكانت قنوات “دريم” التي يملكها داعمة لمبارك في الأيام الأولى للثورة، لكن سرعان ما أصبحت العلاقة بينه وبين النظام غير مهمة مع زيادة أعداد المتظاهرين. ووفقاً لكتاب الطاروطي، في تلك اللحظة، لم تستطع برامج التوك شو بقنوات دريم أن تستمر في إخفاء الحقيقة عن الرأي العام وأعلنت عن الأعداد الحقيقية للمتظاهرين في الشوارع.

وعن رجل الأعمال نجيب ساويرس، ذكر الكتاب في فصله الأخير أن نجيب طور علاقته مع النظام لتكون اعتماد متبادل. مما يعني أن بقاء نظام مبارك كان في مصلحته الاقتصادية. وخلال ال18 يوماً من الثورة، استمر ساويرس في دعم نظام مبارك سواء بالظهور على قناته “أون تي في” أو على القنوات الخاصة الأخرى. وخلال ظهوره بالبرامج، صرح عن حبه لمبارك وقال إنه يجب أن يبقى في السلطة حتى نهاية فترته الرئاسية. لم يستطع ساويرس ورجال الأعمال المتحكمون في الإعلام الخاص أن يلعبوا دوراً لمنع المتظاهرين من الوصول إلى ميدان التحرير، واستمرت الأعداد في التزايد حتى الإطاحة بمبارك في 11 فبراير 2011.

وتستمر الطاروطي في شرح العلاقة التى طورها النظام مع رجال الأعمال البرلمانيين بحيث يقدم رجال الأعمال الخدمات الاجتماعية للمصوتين في الدوائر الانتخابية. لكن اشتعال الثورة أظهر أن مطالب المواطنين لم يتم تلبيتها من جانب الدولة ولا أتباعها (مثل رجال الأعمال). وظهر ذلك جليا في شعار الثوار في ميدان التحرير الذين طالبوا بـ ”عيش حرية عدالة اجتماعية“، وهذا يعني أن مطالبهم لم تكن فقط سياسية بل أيضا اقتصادية. وبإضعاف النظام للأحزاب والحركات السياسية وخلق الانقسامات الداخلية بينها، جاءت المعارضة الحقيقية للنظام التي سببت ثورة الخامس والعشرين من يناير من المجموعات الشبابية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى