أخبارثقافة و فن

الموتى أحياء في المقبرة.. أسطورة القصة الأمريكية يحصد “البوكر”

أصبح جورج سوندرز ثاني أمريكي يحصل على جائزة “مان بوكر” منذ بدايتها قبل 49 عامًا

theguardian

فاز القاص الأمريكي جورج سوندرز أمس الثلاثاء بجائزة “مان بوكر” الدولية لأول رواية كاملة له وتحمل عنوان “لينكولن في باردو”، وسوندرز  هو ثاني أمريكي يحصل على الجائزة منذ بدايتها قبل 49 عامًا.

وتدور روايته حول حدث حقيقي وقع عام 1862 عندما دفن إبراهيم لنكولن ابنه “ويلي” البالغ من العمر 11 عامًا  في مقبرة بواشنطن، وكلمة “باردو” هي  مصطلح فلسفي بوذي من منطقة هضبة التبت ويعني حالة وجود بين الموت والولادة.

تصور الرواية الصبي وهو مدفونًا إلى جوار موتى آخرين غير راغبين في تصديق موتهم ، في حين ينتظر الصبي بشدة عودة أبيه.

استعرض جورج سوندرز الآخرة في قصة غير عادية  من خلال ديالوج  بين أبطال الرواية التي تحتوي على مقتطفات من النصوص التاريخية والسير الذاتية والرسائل التي تتناقض مع بعضها البعض.

وفي عرض نشر في مارس الماضي بصحيفة الجارديان، أشاد الناقد هاري كونزرو برواية “لينكولن في باردو” وقال إن سوندرز البالغ من العمر 58 أعاد خلق نفسه  ووصف الرواية بأنها “جريئة منهجية وعظيمة” مضيفًا: “لدى سوندرز الكثير من الملذات ليقدمها إلى قرائه”

الرواية في سطور..

يعرف “باردو ثوديل” منذ زمن بعيد في الغرب بأنه  كتاب تم إعداده لكي يتلى على الموتى في منطقة التبت، ولنكون أكثر دقة فإن باردو فلسفة تعني الوعي في منطقة وسطى في الفترة ما بين الموت والولادة والانتقال من الموت إلى الحياة اليقظة (التأمل والأحلام)، وكما يعتقد البوذيون التبتيون فإنهم يدخلون مرحلة “باردو” عقب الوفاة، فإما يصعدون إلى النرفانا “حيث التخلص من المعاناة التي تميز حياة الإنسان على الأرض” أو ينخفضون تدريجيًا نحو هذيان مرعب حتى يولدون مرة أخرى في أجساد جديدة.

واشتهر الروائي جورج سوندرز منذ فترة طويلة كواحدٍ من أساطنين القصة القصيرة الأمريكية، وذلك قبل أن يكتب روايته الأولى “لينكولن في باردو” والتي فازت أمس الثلاثاء بجائزة “مان بوكر” ويستعرض خلالها بواسطة الراوي المراقب رحلة الصبي “ويلي”، الابن العزيز البالغ من العمر 11 عامًا لرئيس الحرب الأهلية العظمى إبراهام لينكولن.

وتبدأ الرواية في زمن في القرن التاسع عشر أثناء مراسم استقبال فخم أعده لينكولن لرجال الدولة في مأدبة عظيمة، بينما يرقد الصبي في غرفة علوية يعاني من حمى التيفود، ثم تبدأ المأساة العائلية بعد ذلك، ويموت “ويلي” ويتم حمله إلى مقبرة “أوك هيل” ويتم وضعه في سرداب رخامي، وتتابع أحداث الرواية غير العادية، مع عودة الرئيس في زيارة السرداب كل مساء، حيث يجلس على جثمان ابنه ويرثيه.

وتصور الرواية المقبرة مأهولة بحشد هائل من الأرواح، أناس ماتوا لأسباب تصبح جزءًا هامًا من السرد، غير مستعدين لإكمال رحلتهم إلى الآخرة وما زالوا يتسكعون بالقرب من رفاتهم.

ويلاحظ أن ثمّة اختلاف بين أحداث الرواية وفكرة “باردو” الحقيقية حيث تعود النفوس للولادة في أجسام جديدة، هو نوع من العقاب السنسكريتي يتشابه مع العذاب في الكاثوليكية.

تبدأ الأرواح في الظهور مع تشوهات بشعة عن نظائرها المادية، ربما بسبب تقصير أصحابها الأخلاقي أثناء حياتهم، أو بسبب مخاوف تجعلهم مربوطين بعالم المعيشة، مثل السيدة التي تركت بناتها الثلاث وماتت وهي تخشى عليهم من أذى الأجرام السماوية، والرجل الشحيح الذي مات ويعاقب بأن يسبح في العدم وهو متمدد أفقيًا فيصبح مثل إبرة البوصلة يتجه الجزء العلوي من رأسه طوال الوقت نحو الجهات التي توجد بها ممتلكاته، فيصير قلقًا باستمرار.

تستمر الرواية من خلال أحاديث هؤلاء، ويتتابع السرد من شخصية إلى أخرى، حتى ظهور الثلاثي الذي يتألف من شاب مثلي الجنس انتحر بعد أن رفضه حبيبه، وقس مسن، وعامل طباعة في منتصف العمر مات في حادث قبل أن يتم زواجه من عروس شابة.

ويظهر “ويلي”، مثل الأطفال الآخرين، يمر بسرعة إلى الحياة الآخرة، لكنه يفضل البقاء في المقبرة إلى جانب رفاته بسبب حزن والده، بينما يتعذّب الأطفال الموتى الآخرين، الذين لا يتحركون بنمو شيطاني يلتف حول خاصرتهم جميعًا فيلتصقون ببعضهم البعض.

وفي تلك الأثناء يحاول القس المسن والشاب المثلي وعامل الطباعة إقناع “ويلي” بترك رفاته والهروب من المكان لينجو من هذا المصير المروع.

رتب سوندرز اقتباسات من حياة إبراهام لينكولن بشكل فني على لسان شخصياته من الأرواح الهائمة، هنا  لا يمكن الاعتماد كليًا على صوت الراوي المراقب ليخبرنا دوافع وحالة الرئيس العقلية، وحتى الأسئلة مثل ما إذا كان القمر أشرق أم لا في ليلة معينة يمكن أن تشوه الذاكرة.

سيل من الاقتباس، ومجموعة من أصوات الأرواح  التي تتحدث مع بعضها، والتي تعاني من جحافل شيطانية غاضبة.

التنافر بين نغمات الأرواح المشوهة في الرواية يؤدي إلى بنية ظاهريًا مختلفة عن أعمال سوندرز التي عرف بها من قبل.

عند قراءة “لينكولن في باردو” تشعر بالمزج بين الأجواء القوطية من العصر الفكتوري، وبين تأثيرات الرعب المركزة، ومع ذلك فإن مقبرة “أوك هيل” في الواقع تشبه إلى حد كبير الحدائق العامة والمساحات المكتبية للقراء.

قد حان الوقت لنتوقع من مؤلف “باستوراليا” و”فقدان أرض الحرب الأهلية”، أن الأرواح التي صنعها (ويصعب تسميتهم أشباح، لأنهم لا يظهرون للعيش) محاصرين في الفضاء الذي هو غير أصيل أساسًا وغير واقعي، يتنزهون غير قادرين على قبول حقيقة الموت، لديهم مبررات لا نهائية لحالتهم فالتوابيت هي بالنسبة لهم “صناديق المرضى”، وهلم جرا.

لا يعتبر سوندرز ككاتب ديني، على الرغم من اعتقاده بأن الظواهر الدنيوية هي نوع من الحجاب أو الوهم الذي يحجب الحقيقة.

وواحدة من نقاط قوته العظيمة في الرواية هي الرحمة التي غرسها برهاناته الوحشية، في حين أن كل شيء مثقل في شؤون الدولة، فإن مشاهد رثاء الأب الهائل لابنهأضفى على الرواية عمقًا حتى عندما يكون لينكولن خارج المشهد.

لقد برع سوندرز في  صنع زحام الأرواح فأتت مسلية، أهم دعائم روايته هي فكرة خوض الأرواح تجربة التحرر من الحدود الذاتية بين الأفراد،  ليحدث الاندماج والتفاهم والشعور بالتعاطف مع بعضهم البعض بطريقة صوفية، وهو التكنيك الذي لجأ إليه ليعطي سببًا لتوقيع لينكولن فيما بعد إعلان التحرر، وهي لحظة التنوير في الرواية.

الجائزة

استلم سوندرز الجائزة أمس  التي اعتبرها “شرفا رائعا” وشكر زوجته باولا وقال عنها: هي دليلي إلى الطمأنينة حتى عندما أكون عصبيًا.

ووجه لجمهوره كلمة قال فيها “نحن نعيش في زمن غريب، والسؤال في قلب المسألة بسيط جدًا، هل نواجه الخوف بالعنف؟

أم نستعين بالإيمان ونبذل قصارى جهدنا لمواجهة الخوف بالحب؟

مضيفًا: علينا أن نؤمن بفكرة أن ما يبدو الآخر هو في الواقع ليس آخر على الإطلاق، ولكننا فقط في زمن مختلف

واستطرد: نسمع كثيرًا في الولايات المتحدة عن حاجتنا لحماية الثقافة. حسنًا هذه الليلة هي الثقافة

الثقافة الدولية،  الثقافة الرحيمة،  الثقافة الناشطة. إنها غرفة مليئة بالمؤمنين بالكلمة، والجمال والغموض نحاول رؤية وجهة نظر الشخص الآخر، حتى عندما يكون ذلك صعبًا”

من جانبها أشادت لولا يونغ، رئيس لجنة التحكيم  بالرواية  وقالت إنها قطعة عمل غير عادية، وفريدة، واعترفت بأن القصة أرعبتها في البداية، لكن في نهاية المطاف أعجبتها.

مضيفة : “هذا التحدي جزء من تفرده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى