ترجماتسياسة

طريق الإسلام إلى الحداثة

طريق الإسلام إلى الحداثة.. محمد فضل هاشمي

 

اسطنبول
اسطنبول

محمد فضل هاشمي

ترجمة: إبراهيم محمد علي        

 

أوبسالا ــ اختلف كثيرون في المجتمع الإسلامي لفترة طويلة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة. فقد أنشئ الإعلان، كما يؤكد هؤلاء المنتقدون، على يد قوى استعمارية لها تاريخ طويل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهو في واقع الأمر مجرد محاولة أخرى من جانب قِلة من اللاعبين الغربيين لفرض إرادتهم على الدول الإسلامية. ويذهب المحافظون والأصوليون الإسلاميون إلى ما هو أبعد من هذا، فيعلنون أن أي اختراع بشري من غير الممكن أن يتساوى مع الشريعة الإسلامية المستمدة من كلام الله ــ ناهيك عن إبطالها.

والواقع أن هذا الصِدام بين معايير حقوق الإنسان العلمانية التي أقرتها الأمم المتحدة والعقيدة الدينية الإسلامية يعكس الصراع الأوسع بين الإسلام والحداثة ــ وهو الصراع الذي أصبح بسببه بعض مواطني الدول الإسلامية، بما في ذلك النساء وغير المسلمين، في موقف بالغ الضَعف. ومن حسن الحظ أن مدرسة ناشئة من مدارس الفِكر الإسلامي تتناول هذه المسألة بطريقة جديدة، فتؤكد أن القرآن، مثله كمثل أي نص ديني، يحتاج إلى تفسير ــ وأن التفسيرات من الممكن أن تتغير بمرور الوقت.

الحق أن القرآن يدافع عن مبادئ مثل الحرية، والعدل، والاستقامة، ويدل هذا على احترام جوهري للعدالة والكرامة الإنسانية. والمشكلة، كما يؤكد الفقيه الإيراني محسن كديور، هي أن العديد من أقسام الشريعة الإسلامية ترتبط بهياكل اجتماعية من عصر ما قبل الحداثة، والتي تحرم النساء أو غير المسلمين من نفس أشكال الحماية التي يتمتع بها الرجال المسلمون.

ولم يكن من المفيد، كما يشير عبد العزيز ساشيدينا من جامعة جورج ماسون، أن الرجال هم الذين تولوا تفسير النصوص الإسلامية المقدسة. إذ كان هذا، وليس المحتوى الحقيقي لهذه النصوص، السبب الأساسي وراء تمييز القانون ضد المرأة في الدول الإسلامية.

ويشير عالم الدين آية الله محمد تقي فاضل معبودي إلى أن منشأ العقوبات في الشريعة الإسلامية ــ والتي تتضمن ممارسات وحشية مثل الرجم وبتر الأطراف ــ يرجع إلى العهد القديم. فلم يخترع الإسلام هذه العقوبات؛ بل كانت ببساطة ممارسات سائدة في ذلك الوقت.

ومع تقدم المجتمعات وتطورها، لابد أن تتغير أيضاً القواعد والمعايير التي تحكمها. وكما يؤكد عالم الدين الإيراني محمد مجتهد شبستري من جامعة طهران، فإن الكثير من الأفكار المرتبطة بالعدالة وحقوق الإنسان، كما نفهمها اليوم، “لم تكن ضمن نطاق تصور البشر” على الإطلاق في عصر ما قبل الحداثة. ولكن من غير الممكن أن يتجاهل المسلمون ببساطة مثل هذه الأفكار على أساس أن البشر لم يمارسوها وقت نزول القرآن.

ومع التخلي عن أفكار العدالة ذات الطبقات التي عفا عليها الزمن والاعتراف بحرية وكرامة كل الأفراد بلا تمييز، يصبح من الممكن، كما يعتقد شبستري، فهم واستيعاب رسالة القرآن التي تقول “لا إكراه في الدين”. ذلك أن القرارات الدينية التي يتخذها البشر لابد أن تكون مدفوعة بشعورهم بالإيمان، وليس رغبتهم في الحفاظ على حقوقهم المدنية.

ووفقاً للفيلسوف عبد الكريم سروش، لابد أن يكون هذا التمييز بين المعتقدات الدينية والحقوق المدنية واضحا. ولكن تفسيرات الشريعة الإسلامية كانت تركز تقليدياً على تساؤلات حول واجبات البشر المختلفة التي فشلوا في إدراكها. بيد أن سروش يرى أن إنكار حقوق الإنسان استناداً إلى “معتقدات المرء أو غياب الإيمان” هو جريمة بلا أدنى شك.

الواقع أن مدرسة الفكر الإسلامي التي يروج لها هؤلاء العلماء، الذين ينتمون إلى خلفيات سُنّية وشيعية، تقدم للإسلام طريقاً إلى الأمام. ويعلم أتباع هذه المدرسة أن المفاهيم والمعتقدات والأعراف والقيم الإسلامية الأساسية يمكن التوفيق بينها وبين البنى الاجتماعية الحديثة وفهمها للعدالة وحقوق الإنسان. ومن خلال التوصية بأساليب واضحة لتحقيق هذه الغاية، يؤكد هؤلاء العلماء على متانة التقاليد الإسلامية الأساسية. وباستخدام لغة الفيلسوف الألماني يورجن هابرماس، نستطيع أن نقول إنهم يخلقون “ترجمات متحفظة”، تسمح بتحديث اللغة والنظام المفاهيمي والنظام الاجتماعي على النحو الذي يجعلها تعكس تقدم العقل البشري.

كانت مثل هذه الترجمات في صعود لفترة طويلة من الزمن. والواقع أن الكاتب والفيلسوف الإيراني الراحل آية الله حسين علي منتظري وقع في خلاف مع المرشد الأعلى آية الله روح الله الخميني، بعد تعيينه خليفة له، حول سياسات رأى أنها تنتهك حقوق الناس وحرياتهم الأساسية. وفي الدفاع عن حرية التعبير أشار منتظري إلى آية قرآنية (في سورة الرحمن) مفادها أن الله علم الإنسان كيف يعبر عن نفسه. فتساءل: “كيف يهب الله البشر بيد القدرة على التعبير، ثم يقيدها باليد الأخرى؟”. والاستنتاج الواضح، كما أعلن، هو أننا “لا يجوز لنا أن نحكم على أحد بالهرطقة أو القذف أو الإهانة لمجرد أنه عَبَّر عن رأيه”.

الواقع أن منتظري، مثله في ذلك كمثل المفكرين المسلمين المبدعين اليوم، اختار أن يظل منفتحاً على تفسيرات بديلة للقرآن، بدلاً من البقاء حبيساً لتقاليد مقبولة. وتُظهِر التفسيرات التي قدمها مثل هؤلاء العلماء أن المعايير العالمية الحديثة مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليست متوافقة مع الإسلام فحسب؛ بل إنها متأصلة فيه كجزء لا يتجزأ منه. ومن المؤكد أن إعادة تفسير ــ أو حتى التخلي عن ــ القواعد القديمة المتجذرة في هياكل اجتماعية عفا عليها الزمن ليست تبديلاً لكلام الله. بل إنها على العكس من ذلك تثبت العمق الحقيقي لنصوص الإسلام المقدسة.

محمد فضل هاشمي أستاذ الفقه الإسلامي والفلسفة بجامعة أوبسالا في السويد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت/مبادرات محمد بن راشد العالمية، 2016. ينشر بالاتفاق مع زحمة دوت كوم
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى