سياسة

نيويورك تايمز: مصر بين الخرفان ووحيد القرن

khartet

مراسلة لوفيغارو تقارن في نيويورك تايمز بين المشهد المصري ومسرحية “وحيد القرن:” لأوجين يونسكو 

نيويورك تايمز ـ ديلفين مينوي

“مراسلة صحيفة لوفيغارو الفرنسية لشؤون الشرق الأوسط”

ترجمة ـ منة حسام الدين:

مرت الذكرى الثالثة للثورة المصرية الشهر الماضي، وبالتزامن معها انتهيت من قراءة مسرحية “وحيد القرن” التي كتبها الكاتب الفرنسي ذو الاصول الرومانية، اوجين اونيسكو في العام 1959، وبالنسبة لشخص مقيم في القاهرة خلال تلك الأيام، فالمسرحية الفرنسية الصادرة في منتصف القرن العشرين والتي تستعرض فترة صعود ونمو الفاشية والستالينية في اوروبا ـ وان لم يكن التشبيه سخيفاً، فهي تتشابه مع حالة الهيستريا الجماعية الملحوظة حول المشير عبد الفتاح السيسي منذ ظهوره.

نوافذ المقهى مغطاة  بصور الرجل الذي أطاح بالرئيس الإسلامي المنتخب، محمد مرسي، والذي يُنظر إليه حاليا على انه الزعيم المقبل لمصر، كما أنه في وسط القاهرة، يمكنك شراء حلوى “شيكولاتة” عليها صورته.

على مدار اليوم، تعرض وسائل الإعلام مقتطفات من خطابه ممزوجة بمقاطع لاناشيد وطنية، وخلال حفل زفاف حديث في أحد الفنادق الفاخرة المطلة على النيل، ازدحمت القاعة بالضيوف الذين تسابقوا على الرقص على اغنية “تسلم الايادي”، وهي أغنية قومية قديمة ( هكذا في الأصل) تحولت بفضل انصار السيسي إلى قصيدة مهداة إلى ذلك الرجل، فهم يضعونها أيضاً نغمة لهواتفهم المحمولة.

صديقي المصري الذي دعاني لذلك الزفاف وصف تلك الحالة ” السيسي – مانيا” (الهوس بالسيسي) على أنها “وباء حقيقي” انتشر كفيروس حتى بين الشباب المتمرد الذي ملأ ميدان التحرير قبل ثلاث سنوات.

منذ أيام، وخارج قاعة المحكمة التي تشهد محاكمة “مرسي”، تفاخرت فتاتان بوضع احذية الجيش العسكرية على رأسيهما، وكأنها يعلنان خضوعهما للمشير السيسي، وكما الشخصيات التي رسمها “أيونيسكو” في مسرحيته، فمرة تلو الاخرى ستنمو على جبينيهما زوائد تحولهما في نهاية المطاف وكأنهما يشبهان “وحيد القرن”.

قرأت مسرحية “وحيد القرن” للمرة الاولى عندما كنت في المدرسة الثانوية بباريس، وحينها قال لنا الأستاذ عن تلك المسرحية إنها تصف جذور وخطر الفاشية، وكيف يمكن أن تعيد الإيديولجيا تشكيل عقول الناس.

المسرحية تعد من كلاسيكيات المسرح العبثي، عرضت رمزاً حياً عن تصاعد الشمولية في جميع أنحاء اوروبا، والخوف الجماعي الذي رافقها، “الخوف شعور لا عقلاني، يجب أن يخضع لسبب”، يقول “لو لوجيسيان”.

في المشهد الأول، أثار الظهور المفاجيْ لعدد من حيوان “وحيد القرن” في بلدة صغيرة بفرنسا، المزيد من الخوف والريبة.، في المشهد الثاني، أصبح الناس اكثر مرضاً بوباء “وحيد القرن”، وتلك هي حالة “بوتارد” أحد شخصيات المسرحية الذي بعد محاربته للوباء الذي وصفه بالـ”وحشي” تسبب في أن ينمو له “قرن”.

وبنهاية المشهد الثالث، يتحول الجميع إلى حيوان “وحيد القرن” ماعدا “بيرينجيه”، الذي يتحول إلى وحش.

يذكرني الليبراليون واليساريون المصريين حالياً بشخصية “بوتارد”، بعد مقاومتهم لمؤمرات الجيش لمدة عامين ونصف العام، استسلم الكثير منهم في النهاية على الرغم مما يعانوه من إذلال وضغوط، يبدو انهم فقدوا احساسهم بالمقاومة، مثل بوتارد.

وبالتزامن مع الحملة الشرسة ضد الإخوان المسلمين والثوار، وصلت “عبادة” المشير عبد الفتاح السيسي إلى مرحلة الجنون الجماعي.

في منتصف يناير، وعندما تم دعوة المصريين للاستفتاء على الدستور، تحولت مراكز الاقتراع إلى ساحات لتأييد الجيش ـ حيث الصخب العالي والحلوى ـ وذلك في حين ظل  المعارضون  بعيداً عن الأضواء، اختبئوا في زوياهم الصغيرة.

على شاشات التليفزيون، تحول مذيعو الأخبار إلى وكلاء للحقائق الرسمية؛ الجيش يحارب الإرهاب؛ المشككون عليهم الحذر؛ المشير السيسي هو رجل الساعة.

الاتجاه السائد يريحهم، تخلوا عن أفكارهم الفردية الحرة، العديد من المصريين تبنوا تلك الطريقة وكأنها امر مفروغ منه، يفسر تلك الحالة  بوضوح، “دودارد”، وحيد قرن آخر من المسرحية، حيث كانت رغبته كما لخصها هي “الانضمام إلى العائلة العالمية”.

في بعض الأحيان، يكون صدى البروباجندا كأنه  نسخة سيئة من المسرح العبثي.

 الشهر الماضي، تم وضع “عروسة” كانت ظهرت ضمن إعلان لشركة “فودافون” قيد التحقيق، بعدما اتهمها شخص بتمرير إشارات سرية إلى منظمات ارهابية، فوفقا  لذلك الشخص، الجيش لا يفعل شيئا سوى الدفاع عن البلاد من “مؤامرة اميركية” كبرى، تهدف إلى إضعاف المنطقة بتدمير القوات العسكرية.

ومن المفارقات أن هؤلاء الذين تحولوا حديثاً إلى حيوان “وحيد القرن”، هو الذين كانوا اعتادوا سابقاً على انتقاد داعمي جماعة الإخوان المسلمين ووصفهم بانهم مجرد حفنة “خرفان”. “عليك أن تتبع القطيع”، هذا ما كان يقوله أحد شخصيات المسرحية.

بالتأكيد، لمصر قصتها الخاصة، فهي بلد تربى أهلها على حب الجيش، والحنين إلى قومية جمال عبد الناصر، لكن بالتأكيد ثمة أنماط كثيرة تكررت في التجارب  الفاشية الأخرى: الاستسلام الاعمى للسلطة، واضطهاد من يفكرون بطريقة مختلفة، والميل إلى توحيد الشعب حول عدو مشترك، وفي تلك الحالة، هو “الإخوان المسلمون”، وللكثيرين، فإن  التحوّل إلى “وحيد قرن” أفضل من المخاطرة وخسارة كل شيء باسم الحرية.

في الخامس والعشرين من يناير، ذكرى الثورة المصرية، تابعت آلاف الثوار السابقين الذيت تجمعوا أمام نقابة الصحفيين أثناء مواجهتهم لوابل من قنابل الغاز المسيلة للدموع، وذلك في الوقت الذي كان فيه على بعد أمتار يتجمع عشرات الآلاف من “وحيد القرن” في ميدان التحرير الرمزي ـ المكان الذي شهد تصدي النشطاء لقوات الرئيس حسني مبارك قبل ثلاث سنوات ـ للهتاف لبطلهم الجديد، المشير السيسي.

وسط الحشد، تعرفت على الصحفي والناشط خالد داوود، الذي كان معارضاً للإخوان وحاليا هو ناقد لاذع للجيش، ما يجعله بالنسبة لكثير من المصريين بمثابة  “كائن فضائي”، عندما سألته هل مازال متمسكا بالأمل،  أجاب :”نعم” دون تردد، وقال:” طالما أرى هؤلاء الشباب في الشوارع، فالثورة لم تنته بعد”.

كشخصية “بيرجييه” الذي تمكن من المقاومة بدافع الحب الذي يكنه لشخصية اخرىـ  بجانب حبه للتفكير النقدي.

“أنا آخر من تبقى، وسأبقى كذلك، لن استسلم”، يؤكد “بيرجييه” قبل ان يسدل الستار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى