سياسة

ما بعد النزُوح: كيف يعيش الأقباط في الإسماعيلية؟ 

ما بعد النزُوح: كيف يعيش الأقباط في الإسماعيلية؟

eng

كتب: فاطمة لطفي وسلمى خطاب

تعيش ما يزيد على مئة أسرة نازحة من شمال سيناء إلى مدينة الإسماعيلية، في ظروف بالغة القسوة، حيث دفعهم الخوف من تنظيم داعش إلى الخروج من المدينة بشكل سريع، دون أي ترتيب، بعضهم فرّ ولا يحمل سوى ملابسه التي يرتديها.

تعمل الكنيسة مع فريق من المتطوعين وبتنسيق حكومي “طفيف” على توفير المساكن والاحتياجات الأساسية من طعام وشراب للأسر النازحة، وفي بيان لمطرانية الإسماعيلية الأحد الماضي، قالت إنه تم تسكين مئة أسرة، 42 أسرة منها بشقق سكنية دبرتها المطرانية، و43 أسرة ببيوت الشباب التابع للمحافظة و7 أسر بمركز تابع لمديرية التضامن الاجتماعي في الإسماعيلية و8 أسر بمعسكر القرش التابع للمحافظة، إلا أن نزوح الأقباط إلى الإسماعيلية هربًا من داعش استمر في الأيام التالية.

تهجير وليس نزوحا

“الوضع سيئ للغاية” يصف شكري 38 عامًا أوضاع أقباط العريش في مكالمة هاتفية مع “زحمة”، إذ يقول “غادرت منزلي مع أولادي بملابسي التي ما زالت أرتديها إلى الآن، تقدم لنا الحكومة الغذاء والسكن بمنزل الشباب ولا شيء آخر، لا ملابس ولا مناشف ولا حتى أدوية، وحين سألت القوافل الطبية عن دواء المعدة الذي أتناوله لم أجده”.

يواصل شكري الذي فر برفقة أولاده الثلاثة، “تحملنا  أعواما من “البهدلة”، موت وعدم أمان، لكن في الفترة الأخيرة تجاوز كل شيء الحد، كنا نتعرض للتهديد، ونعيش في رعب وحين نتوجه لرجال الأمن يقولون جميعنا معرضون للموت مثلك، كنت أفكّر أنت رجل أمن تحمل السلاح وتستطيع الدفاع عن نفسك، لكن أنا كيف أدافع عن نفسي إذا ما نفذوا هذه التهديدات؟”.

ولا يصدق شكري الوعود الحكومية بإعادة الأقباط إلى منازلهم في العريش من جديد أو توفير شقق لتسكينهم أو فرص عمل لهم، ويقول “ما حدث تهجير وليس نزوحا، تركنا بيوتنا، وكل ما نملك، ربما تكون نَهبت الآن، لم نأت هنا لنأكل ونشرب هذا ليس حلًا، فهم يقدمون لنا الطعام، ثم تأتي وسائل الإعلام لتصورنا ونحن نأكل ويقولون مبسوطين!”.

نازحة أخرى تدعى نادية قالت “في البداية كانوا يأخذون الناس من الشارع، لكن بعد ذلك بدؤوا في الهجوم على المنازل، يقتلون الناس ويسرقون المنزل ثم يشعلون فيه النار”.

“جرينا لأننا كنا هنموت من الخوف”. تواصل نادية حكاياتها في مكالمة هاتفية مع “زحمة”، “دخلوا بيت أختي وقتلوا جوزها وابنها قدام عينيها، وبعدين سرقوا خاتم زواجها، واخدوا أنابيب الغاز وأي حاجة لها قيمة في البيت، وولعوا النار في البيت وجريوا، كنا هنستني إيه، خرجنا من البلد بهدومنا”.

وفي وصف للوضع الحالي في العريش تقول نادية إن أقارب لها ما زالوا هناك أبلغتهم داعش أن من ستخرج من منزلها دون نقاب وعباءة سيطبق عليها حدود الله. 

وأشارت نادية إلى أنه خلال اجتماع مع بعض قيادات الأمن في محافظة الإسماعيلية وبعض الأساقفة، قدمت لهم القيادات الأمنية تطمينات بأن الجيش يعمل على تطهير سيناء من الإرهابيين حتى تعود هذه الأسر إلى منازلها، لكن أحد الأساقفة من مدينة الفيوم قال لهم إنه لم يكن عليهم ترك منازلهم والفرار، كان من المفترض أن يبقوا، وإذا أراد الله لأحدهم أن يكون شهيدًا، فلتكن مشيئته.

وعن الأوضاع المعيشية في الإسماعيلية، قالت نادية إنها “تسكن في نزل الشباب الآن، والأوضاع جيدة وآمنة، وتعمل المحافظة والكنيسة على توفير لهم كل ما يحتاجونه”.

أما خيري حافظ، فدفعه الخوف وأخبار الهجوم على منازل الأقباط وقتلهم إلى اتخاذ قرار الرحيل من مدينة العريش برفقة عائلته صباح الجمعة الماضية، حيث قال لـ”زحمة”، “حين عرفت بخبر حرق منزل رجل وقتله هو وابنه أمام أعين زوجته، قررت الرحيل فورًا، جمعت عائلتي، واستأجرنا سيارة وجئنا إلى الإسماعيلية”.

النجاة

عندما فرّ الأقباط من أعمال القتل والحرق في العريش، لجؤوا للكنائس في محافظة الإسماعيلية طلبًا للحماية والأمن، يقول القس بطرس عبدالمسيح، من كنيسة الأنبا أنطونيوس في حديث لزحمة “فروا متخفين ليلا، أتوا دون أن يحملوا شيئًا، ونجوا بحياتهم وأولادهم فقط”.

ومع زيادة أعداد الأسر النازحة، يوضح عبدالمسيح أن الكنيسة “استقبلت يوم الإثنين ست أسر، وأعتقد أن العدد قد وصل لـ140 أو يزيد على ذلك”. موضحًا أن الأسر تتمركز في الكنيسة وفي نزل الشباب ومعسكر القرش، إضافة إلى عدد من الشقق التي استأجرتها الكنيسة.

ويضيف القس عبدالمسيح أن الأقباط يتلقون مساعدات من جهات عدة من منظمات المجتمع المدني والهلال الأحمر والإغاثة وحتى من الأحزاب.

وواصل عبدالمسيح “قدمت لنا الحكومة وعودًا بحل أزمة التعليم من خلال نقل الطلاب الأقباط من جامعة سيناء إلى جامعة قنوات السويس، وأيضًا العمل من خلال ندب الموظفين الحكوميين إلى محافظة الإسماعيلية”.

وتشير تقديرات الكنيسة الأرثوذكسية إلى أن عدد الأقباط الموجودين في العريش يقرب من  1700 قبطي، ومع تزايد النازحين إلى الإسماعيلية والمحافظات المجاورة، تصل نسبة النازحين إلى 30% من التعداد الكلي.

يوجد في سيناء 4 كنائس وأبرشية
يوجد في سيناء 4 كنائس وأبرشية

المتطوعون: لم نر وضعا أسوأ من هذا

وفي أول تواصل لزحمة مع إيمان أسعد، إحدى معاوني الإعاشة في محافظة الإسماعيلية أبدت تعاونها الكامل للتواصل، لكن طالبتنا بإنهاء المحادثة في الوقت الحالي بسبب ضرورة التحرك الفوري لتوفير الطعام والشراب للنازحين من الأقباط.

ووصفت الأوضاع هناك بأنها “شديدة السوء، أسوأ مما يمكن تصوره”، وقالت إن “الأسر متكدسة والمساكن لا تكفي والدولة تشاهد ولا تقوم بشيء”.

أما أحد خدام كنيسة الأنبا أنطونيوس ويدعى أ.ح فقال لـ”زحمة” إن خلال أعوام خدمته في الكنيسة لم ير وضعا للأقباط أسوأ من هذا”، كما تساءل عن أوضاع الأقباط الباقين في شمال سيناء، كيف سيتم نقلهم في حين أن الدولة لم توفر وسائل نقل آمنة لهم، في الوقت الذي يهدد تنظيم داعش السائقين حتى لا ينقلوا الأقباط خارج المحافظة؟

ويواصل أ.ح، “الدولة هي المسؤولة عن إخراج الأقباط بأمان من العريش، وتوفير أماكن سكنية لهم، وأيضًا توفير فرص عمل للحرفيين والعمال وانتداب الموظفين الحكوميين، فدور الإسكان لن تبقى مفتوحة دائمًا أمام النازحين، يجب أن تعلن الحكومة عن التحركات التي ستسير عليها الفترة القادمة”.

السيسي: مخطط من أهل الشر لبث الفتن

في سياق آخر، وصف الرئيس عبدالفتاح السيسي في أول تعليق على نزوح الأقباط إلى الإسماعيلية، بأن ما حدث هو “مخطط جبان من أهل الشر لزعزعة الثقة في الدولة والنيل من الوحدة الوطنية وبث الفتنة”.

كما أكد السيسي أن الدولة عازمة على “القضاء على العناصر الإرهابية في شمال سيناء واجتثاث الإرهاب هناك من جذوره”، داعيًا إلى الحفاظ على وحدة الصف كسبيل وحيد للتغلب على التحديات القائمة ومحاولات هدم الدولة.

يذكر أن الحكومة شُكلت لجنة لمتابعة أوضاع النازحين الجدد إلى مدينة الإسماعيلية وغيرها من أقباط شمال سيناء، كما فتحت بيت الشباب في الإسماعيلية ومعسكر القرش، لاستقبال وتسكين النازحين.

تم إخفاء هوية وتغيير جميع أسماء النازحين في هذا التقرير بأسماء مستعارة  حفاظًا على سلامتهم. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى