ترجماتثقافة و فن

محمد أبو سالم: قصة موسيقى الآندرجراوند..(4) تأثير حميد

محمد أبو سالم: قصة فرق موسيقى الآندرجراوند..(الحلقة الرابعة) تأثير حميد

hameed

 

 

محمد أبو سالم

أكان لابد يا “لي لي” أنا تضيئي النور، اسم قصة كتبها عظيم الشأن يوسف إدريس، يحكي فيها عن شيخ شاب يصعد للمئذنة ليؤذن لصلاة الفجر، فيلمح خلال نافذة في البناية المقابلة فتاة باهرة الحسن، تنام تاركة مصباح غرفتها مضيئًا، مرتدية ما قل ودل، في قصة يوسف – أعني إدريس – يستسلم الشيخ للغواية حتى أنه يترك المصلين في سجودهم ويصعد إلى “لي لي”، هل كانت الحقيقة ستتغير إن أطفأت المصباح؟ يا سيدي ما نفعله هنا فقط أننا نضيء النور، وصدقني غوايتك كنت ستتبعها حتى وإن أطفأنا لك الشمس.

قصة موسيقى الأندرجراوند: الحلقة الثالثة: مرحلة أنجليكا

سأرجئ وعدًا وعدته لكم في الحلقة السابقة أن أبدأ الحكي عن الفرق التي تأسست بين أنجليكا ووسط البلد، فقد آثرت أن أتحدث قليلاً عن بعض الذين أضاءوا الطريق لنصل لهذه النقطة، ربما لا ينتمي أغلبهم لفرق الموسيقى المستقلة، موسيقيون وشعراء أبحروا بنا للضفة الأخرى من النهر بعد أن قطعوا جسور العودة جميعًا، الحوار في الفقرة الأولى أتخيله بين هؤلاء الذين أضاءوا النور، وكل من اتبع الغواية ممن أسسوا فرق الموسيقى المستقلة، ربما كانوا سيصلون على أية حال، ولكن كم كان من الوقت سيضيع وهم يتخبطون في الظلام.

أحدث حميد الشاعري طفرة هائلة في مبيعات أنظمة صوت السيارات، فقبله لم نكن نعرف تلك التي يسمونها بسماعات (البيز) أو تلك الأخرى التي لا أعرف لها اسمًا والتي كانوا يطلقون عليها ال (تستسه) أو (التويترات) نسبة لصوت العصافير، ونبؤة مبكرة بظهور تويتر، ربما لا يعرف الكثيرون أن حميد الشاعري كان شديد الإعجاب بالملحن الكبير أحمد منيب، وقد استخدم إيقاعاته وطريقته في استعمال الدفوف في أعماله المبكرة، في الحقيقة أنه كان مهووسًا بالإيقاعات، وكثيرًا ما كان يقلب الإيقاع ليحتل ال (بيز) دور البطولة، وقد أسس حميد فرقة مستقلة في بداية مشواره تدعى (أبناء أفريقيا) ولكنها لم تنجح، ثم أصدر ألبومه الأول (عيونها) عام 1983 وحصل على مركز غير مسبوق في الفشل، حتى أن حميد نفسه يقول أن النسخ المرتجعة كانت أكثر من المنتجة أصلاً، حيث رجعت معها النسخ المزورة كذلك، ولكن في العام التالي أصدر ألبوم (رحيل) والذي صعد به للمركز الأول مباشرة، وظل كذلك لأكثر من عشر سنوات متتالية، كان وضع اسم حميد على أي منتج موسيقي ملحنًا أو موزعًا أو حتى مارًا من أمام الاستوديو ضمانًا لنجاحه وإن كان من غناء كلب البحر، لقد فتح حميد الباب لتغيير الذوق الموسيقي العام بإيقاعاته السريعة وتوزيعاته المبتكرة وهمهماته وآهاته و لالالاته الغير مألوفة، ولكن هذا الباب الذي فتحه سرعان ما أغلق على إصبعه، فأن تسهم في تغيير الذوق العام بتجديدك للسائد لا يعني بالضرورة أن التغيير سيتجه لما تقدمه أنت، ولكن ستبقى سيرتك نتداولها عرفانًا وتقديرا. ربما أن نزعة حميد الراديكالية هي ما دفعته لتقديم عدد كبير من الأصوات الجديدة في جرأة تحسب له، وربما هي أيضًا ما دفعته للعودة بعد عشر سنوات من الاكتفاء بالنجومية التي حققها ولكن هذه المرة مع واحد من أهم نجوم الموسيقى المستقلة غناءًا وتلحينًا، وهو الفنان مصطفى شوقي، حيث قدما كدويتو إحدى أغنيات ألبوم حميد الأول وهي (بنت بلادي) كما أهدى له حميد أغنية سمعنا أنها كانت لألبوم يجهز له الشاعري منذ سنتين ولكنه لم يظهر حتى الآن.

قصة موسيقى الأندرجراوند: الحلقة الثانية: طنبورة وجريتلي

الجغرافيا تنتصر أحيانًا، وكما ينسب للإمام الشافعي قوله عندما قدم إلى مصر (والله لقد أخطأت هنا) يقصد فتاواه السابقة، فليس ما قدمه يحيى خليل وفتحي سلامة إنجازًا موسيقيًا فقط، ولكنهما سلطا الضوء على فكرة الجمهور الذي نتوجه له، يحيى خليل من أهم عازفي الجاز في العالم، عزف مع أساطير الجاز في الولايات المتحدة في الستينيات والسبعينيات، وحل ضيفًا على أهم مسارح المعمورة، وعندما أسس فرقة – دولية في الحقيقة – لتقديم موسيقى الجاز طافت الدنيا بأسرها، وفتحي سلامة الذي يقدم موسيقى الجاز أيضًا حصل على جائزة جرامي، وهي أوسكار الموسيقى إن صح التعبير، وفرقته (شرقيات) تقدم منتجًا فريدًا يمزج الرقص بالغناء بموسيقى الجاز مع الموسيقى الشرقية بصحبة العظيمة كريمة نايت ونخبة من الموهوبين، كل هذا كان من الممكن أن يمر مرور الكرام، فنسبة كم في المائة يعرفون فؤاد الظاهري وحمزة علاء الدين وراجح داوود؟ وكلهم وصلوا للعالمية وبلغت شهرتهم في بعض الدول الآفاق، لكن ما فعله يحيى خليل وفتحي سلامة كان سباقًا، فتوجها لجمهور النادي اليوناني والكايرو جاز كلوب، وجمهور هذه الأماكن يختلف بشكل كبير عن جمهور دار الأوبرا والمسارح الكبيرة، هو جمهور شاب يعشق الموسيقى والرقص، وبعيد كل البعد عن تحفظ جمهور الموسيقى الكلاسيكية عدو الجاز والبلوز الأول، أو عن جمهور حفلات أكتوبر الشعبوي، لذا انتشرا كالنار في الهشيم بين هذه القطاعات، وأهدونا الدرس الثاني بعد موسيقاهم الغربية التي لم تتغرب، هذا الدرس الذي تلقفته فرقة وسط البلد ببراعة فلم تسقط في فخ الهيئات الثقافية واتبعت الهدى.

قصة موسيقى الأندرجراوند- الحلقة الأولى

كنت أود أن أنتهي من الموسيقيين هذه الليلة لأبدأ في الحديث عن الشعراء غدًا ولكن الحديث طال بنا، دعونا نكمل في الحلقة القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى