إعلامسياسة

وول ستريت جورنال: لماذا تشبث إعلاميو مصر بالسيسي؟

“لماذا انحاز الإعلاميون المصريون بكل قوة إلى السيسي ؟ يبدأ السر في ليلة الرعب التي حاصر فيها أنصار مرسي مدينة الإنتاج الأعلامي،  حسب تحقيق “وول ستريت جورنال

SISIAISA

مات برادلي – وول ستريت جورنال

إعداد وترجمة – محمود مصطفى

التحول الدرامي في الرأي العام الذي من المتوقع أن يصل بقائد الجيش السابق إلى الرئاسة في مصر، يعود جزء منه إلى حادث وقع أمام محطة تلفزيونية العام الماضي.

ففي إحدى ليالي يونيو الماضي، وقبل فترة من أن يصبح المشير عبد الفتاح السيسي مؤهلاً للرئاسة، اجتمع مديرو البرامج في ستة قنوات فضائية لمناقشة المظاهرات المتزايدة في الخارج والتي يقوم بها أنصار الرئيس المنتخب محمد مرسي.

ويقول المديرون أنهم كانوا مرعوبين، فالإسلاميون الغاضبون من انتقاد هذه القنوات لمرسي حاصروا المجمع الذي يضم مقار قنواتهم  (مدينة الإنتاج الإعلامي) وروعوا المراسلين الذين يدخلون ويخرجون.

اتخذ المديرون قراراً: من الآن فصاعداً ستشير قنواتهم إلى مؤيدي الإخوان المسلمين باعتبارهم إرهابيين. يقول ألبرت شفيق مدير الأخبار بقناة أون تي في إن المتظاهرين كانوا يهتفون “سنقتلكم”، ويلقون بزجاجات المولوتوف على البوابة،   كان هذا  إرهاباً. وبالتالي كنا نشرح  ذلك كل يوم على الهواء.”

اللغة التي استخدمت في القنوات التي يشاهدها ملايين، كانت نقطة محورية في التطورات الغير ملحوظة التي شهدتها مصر بعد الربيع العربي.

وبالنظر إلى التأثير الكبير للإعلام المصري في تشكيل الرأي العام، يبدو أن وسائل الإعلام ستلعب كذلك دوراً حاسماً في نجاح السيسي أو فشله.

ربما يكون نجم السيسي بدأ يخبو، ففي تصرّف ينم احباط رسمي شديد من الإقبال الضعيف على صناديق الانتخاب يومي الاثنين والثلاثاء مدت اللجنة المسئولة عن الانتخابات أيام التصويت إلى الأربعاء.

ومقدمو البرامج المؤيدين للسيسي ومن ضمنهم مقدمو أون تي في تفاعلوا بغضب مع الإقبال الضعيف متهمين الشعب بالكسل والأنانية بل وحتى بالخيانة.

عمرو أديب المذيع بقناة اليوم قال “أنا مُستعد أقطع شراييني دلوقتى حالًا قدامكم على الهواء علشان الناس تنزل.”

خلال حملة قمع عسكرية مدتها تقترب من العام ضد مؤيدي مرسي، قتل أكثر من ألف مصري واعتقل حوالي 30 ألفاً بواسطة قوات الأمن، بحسب مجموعات حقوقية.

حوادث القتل هذه لم تغطها القنوات الإخبارية المصرية في أغلب الأحيان، ولكن ما كانت تعرضه القنوات هو مقاطع فيديو بالحركة البطيئة لمتظاهرين مؤيدين لمرسي يحملون أسلحة صغيرة وساعدت وسائل الإعلام في بعض الأحيان برسم دوائر باللون الأحمر حول المسدسات أو الهراوات التي يحملها المتظاهرون.

في أغسطس الماضي، أذاعت قناة أون تي في لقطات مصورة جوية لفض الشرطة لاعتصامات مؤيدة لمرسي على خلفية موسيقية من سلسلة أفلام “روكي” الشهيرة.

وأثارت هذه السلوكيات الإعلامية المتحيزة بشدة مخاوف بعض منتقدي مرسي وجماعة الاخوان المسلمين.

انقلب الإعلام بقوة ضد مرسي بعد حصار "الإنتاج الإعلامي
انقلب الإعلام بقوة ضد مرسي بعد حصار “الإنتاج الإعلامي

“العديد من وسائل الإعلام وخاصة البرامج التلفيزيونية لعبت دوراً إجرامياً الفترة الماضية بالتحريض والدعوة إلى العنف،” يقول الكاتب الصحفي البارز والمعارض لمرسي، بلال فضل، ويضيف “مهما كان ما فعله الاخوان، فهذا لا يبرر ما حدث على الشاشات في كل ليلة.”

يوسف الحسيني، مذيع بأون تي في معروف بعرض آراء معارضة للإخوان دافع عن دعمه للسيسي على الشاشة قائلاً: “تهمنا القبضة القوية. ربما هو ليس الأفضل لكنا نحتاج زعيماً قوياً.”

ملاك القنوات التليفزيونية والشخصيات الإعلامية يقولون إنهم لم يحرضوا على القمع القاسي لمؤيدي مرسي الإسلاميين خلال الأحد عشر شهراً الماضية.

يرى يوسف الحسيني أن مصر في حاجة إلى قبضة قوية، زعيم زعيم ذي قبضة قوية

فيما أقر البعض بلحظات من التحيز الزائد، كصراخ المذيعين فرحاً وابتهاجهم علانية وعلى الهواء باعتقال مرسي، ويقولون إن هذا يرجع إلى أن حرية الإعلام لا زالت في طور الطفولة في الوقت الذي تتحول فيه مصر بعد عقود من الاستبداد.

“الإعلام يتعلم بالممارسة، مثلما تفعل مصر،” يقول محمد هاني مدير البرامج بقناة سي بي سي المملوكة لرجل أعمال تربطه علاقات بمبارك.

ولم تعرف مصر الأسلوب الإعلام الغربي الحر والحيوي في نقل الاخبار خلال النصف قرن الماضي، ففي عهد جمال عبد الناصر سيطرت الدولة على الإعلام ولم يظهر الإعلام الناقد إلى في السنوات الاخيرة من حكم مبارك الذي رضخ لضغوط غربية من أجل مزيد من الإنفتاح.

حتى منتقدي الإعلام مثل بلال فضل يقولون إن حكومة مرسي جعلت من نفسها هدفاً سهلاً عبر سياسات فاشلة وغير محبوبة، ولم يفعل مرسي، اذي اشتكى كثير من المصريين من كونه بلا كاريزما بشكل ميئوس منه، الكثير لإحياء الإقتصاد المتهاوي أو لإيقاف الهجمات الإرهابية في سيناء.

“لا يمكنك أن تقول أن الإعلام صنع ذلك” يقول بلال  فضل عن رد الفعل المضاد للاخوان مضيفاً “لقد ضخموا الأمر لكنهم لم يصنعوه.”

يقول بلال فضل إن الإعلام ضخم الغضب ضد مرسي لكنه لم يخلقه

لو كانت هناك قناة واحدة قادت التحول الإعلامي من الاحترام المهذب في البداية لحكومة مرسي، إلى الهجوم اللفظي العنيف، فهذه القناة هي أون تي في.

القناة تأسست عام 2008 عندما كان مبارك في السلطة ومنذ البداية كان توجهها الإخباري المحدد علمانياً ومتمرداً، وتعرض لأجل ذلك المذيعين المشهورين إبراهيم عيسى وريم ماجد للتحقيق بسبب انتقادهم لنظام مبارك.

وعندما نزل المتظاهرون للشارع في 25 يناير 2011 في بداية الربيع العربي، صنعت أون تي في من الثوار أبطالاً وبعد سقوط مبارك قدم المذيع بالقناة إبراهيم عيسى شهادة في قضية القتل المقامة ضد مبارك وقال فيها أنه شاهد قوات شرطة مبارك تطلق النار على متظاهرين سلميين.

بعد ذلك وعقب تولي مجلس عسكري يضم السيسي السلطة مؤقتاً، كانت أون تي في من ضمن وسائل إعلام قليلة تنتقد المجلس.

واستمر إبراهيم وعيسى وريم ماجد وغيرهم من مذيعي “أون تي في” في عاداتهم انتقاد من في السلطة بعد انتخاب مرسي رئيساً بفارق ضئيل في يونيو 2012. وقبل حوالي عام رفعت أون تي في من سقف الانتقادات.

وأغضب ذلك الإسلاميين المصريون الذين سعوا لجعل البلد دولة إسلامية، ونظموا مظاهرات خارج مدينة الإنتاج الإعلامي وفتشوا الصحفيين ومنعوا سياراتهم من المرور.

يقول ألبرت شفيق مدير البرامج بأون تي في إنه كان غاضباً ومرتعباً حين رتب اجتماعاً بين مديري البرامج في ستة قنوات على الأقل داخل المدينة. في البداية طلبوا من وزارة الداخلية مزيداً من رجال الشرطة، إلا أن الشرطة أرسلت عدداً ضئيلاً في مقابل مئات من المتظاهرين العنيفين في أغلب الأحيان.

حينها قرر مديرو البرامج نقل القضية إلى الجمهور واتفقوا على وصف مؤيدي حكومة مرسي بالإرهابيين على الهواء.

تبنى منتقدون آخرون لمرسي المصطلح بسرعة وجعلوه الوصف الشائع لمؤيدي مرسي، مسعرين غضب جزء من الشعب من الرئيس الذي جاء من جماعة الاخوان المسلمين.

عندما عزل السيسي مرسي من السلطة واعتقله فرح المذيعون في القنوات الرئيسية وبكوا من الفرحة على الهواء، بل والتف بعضهم حرفياً بعلم مصر وهنئوا المشاهدين على إسقاط الرئيس المنتخب.

لجأت جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدوها إلى اعتصامين كبيرين بالقاهرة، وأثناء تغطية المواجهة بين المتظاهرين في هذين الاعتصامين وبين قوات الامن، قال بعض الإعلاميين إنهم كانوا ملهمين بالشعارات التي ظهرت على التلفيزيون الأمريكي عقب هجمات 11 سبتمبر 2001.

وضع محمد هاني مدير البرامج في سي بي سي لافتة على شاشات قنواته تقول “كلمة الشعب ضد التطرف” وظهرت بعد ذلك مباشرة تنويعات كـ”مصر ضد الإرهاب” و”معاً ضد الإرهاب” على شاشات القنوات الست الخاصة الأكثر أهمية.

عممت تلك القنوات نظريات المؤامرة التي لم تكتف بشيطنة جماعة الاخوان المسلمين بل ربطتها بمؤامرة أجنبية. واعتاد المحللون التلفزيونيون على القول بإن جماعة الإخوان المسلمين تعمل لصالح إسرائيل والولايات المتحدة من أجل تدمير الجيش المصري، وربط يوسف الحسيني الجماعة بالماسونية، التي تثير ريبة البعض في الشرق الاوسط، وقال إن مظاهرات الإسلاميين كان بها مسلحون اجانب يحملون أسلحة متطورة.

كما تم التشهير بالعلمانيين المصريين البارزين وبالحقوقيين، الذين طالبوا بالحياد الإعلامي تجاه الجماعة، بواسطة المذيعين والضيوف على الهواء باعتبارهم خلايا إخوانية نائمة أو إرهابيون أو حتى جواسيس مدفوعي الأجر.

التشهير العلني وصل إلى الصحفيين الاجانب، فقنوات مثل سي بي سي وأون تي في نقلت لقطات مصورة مترجمة من قناة سي إن إن الامريكية تصف عزل السيسي للرئيس مرسي بالإنقلاب، ولم يمر وقت طويل حتى كانت الشعارات التي تهاجم الإعلام الأمريكي في مثل ذيوع اللافتات التي المعارضة للجماعة في المظاهرات ضد مرسي.

ألبرت شفيق من أون تي في وصحفيون من قنوات أخرى قالوا إنهم استاءوا من تغطية الإعلام الأجنبي التي كانت اكثر توازناً وهو ما رأوه مساوياً لدعم جماعة إرهابية.

ألبرت شفيق رتب اجتماعا بين مسؤولي 6 قنوات لمواجهة “الحصار الإخواني

وقررت القنوات المصرية الوصول بنفسها  إلى المشاهد الغربي، حيث صاحب بث أو تي في لساعات طويلة ترجمة للإنجليزية للمحتوى كل يوم لأكثر من اسبوعين في أغسطس الماضي، في حين ترجمت قنوات أخرى لافتة مصر ضد الإرهاب إلى الإنجليزية.

في يناير 2014، طلب من عيسى تقديم شهادة في إعادة محاكمة مبارك التي حدد لها موعد بعد نقض الحكم الأصلي الذي صدر بحق مبارك وهذه المرة تغيرت قصته. لم يشاهد الشرطة تطلق النار على أحد في ميدان التحرير وقال أن مبارك لم يكن يأمر بشيء كهذا لأنه كان “رئيساً وطنياً”، بحسب تقارير إعلامية عن شهادته.

لم ينف عيسى أنه غير شهادته في المحاكمة الثانية لكنه قال إن التصريحات اجتزئت من سياق الشهادة.

البعض داخل أون تي في انزعج مما اعتبره تجاوزات، حيث تقدمت ريم ماجد باستقالتها بعد أسابيع قليلة من عزل مرسي احتجاجاً على ما شعرت به من نغمة حربية جديدة في القناة والتحقت ببرنامج تدريب صحفي في جامعة بلندن.

دعاها أصدقاؤها إلى قراءة رواية جورج أورويل الكلاسيكية “1984”، وبالنسبة لها فالرواية التي تتحدث عن شعوب غربية خائفة أسيرة نزوات متغيرة لماكينة إعلامية، بدت مألوفة.

“ارتاح بالي” تقول ريم “كنت أظن أن الشعب المصري فقط هو من قد يفعل ذلك، لكنه ليس وحده، أي شعب كان ليتصرف بنفس الطريقة.”

استقالت ريم ماجد من أون تي في بعد عزل مرسي لشعورها بتغير سياسات القناة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى