سياسة

الأسير الذي رفض الإفراج المبكر حفاظًا على الشرف.. هذه وصية جون ماكين

أُسقطت طائرته وأُسر 5 سنوات وأوقف علاج السرطان وكان من أبرز منتقدي ترامب

ترجمة: إسراء رمضان ورنا ياسر

يوم السبت 25 أغسطس 2018، الساعة الرابعة و28 دقيقة بعد الظهر، بالتوقيت الأمريكي، فارق السيناتور الأمريكي جون ماكين الحياة عن عمر 81 عاما، وهو محاط بزوجته سيندي وعائلتهما، بعد معركة قاسية مع سرطان الدماغ الذي اكتشف الأطباء إصابته به العام الماضي.

وأضاف بيان مكتب السيناتور الجمهوري الراحل أن “بطل الحرب السابق، الذي يحظى باحترام كبير في بلاده، خدم الولايات المتحدة الأمريكية بإخلاص 60 عاماً”.

وتُوفي عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا بعد إعلان عائلته أنه قرر التوقف عن تلقي العلاج من “الجليوبلاستوما”، لينتصر بذلك هذا النوع الشديد العدوانية من سرطان الدماغ في معركة العلاج التي بدأها السيناتور في يوليو 2017.

وفور شيوع نبأ رحيل ماكين، توالت ردود فعل الطبقة السياسية الأمريكية، مستذكرة خصال المخضرم الجمهوري الذي غضب من كثيرين وأغضبهم، ومن ضمنهم أفراد من عائلته السياسية، لكنه لم يخسر يوما تقدير الأمريكيين لإخلاصه الوطني.

الوصية

قبل وفاته طلب جون ماكين أن لا يحضر الرئيس دونالد ترامب جنازته، وفق ما أفادت به وسائل الإعلام الأمريكية، فبين الرجلين عداوة مريرة.

وذكرت “نيويورك تايمز” و”إن بي سي نيوز”، نقلا عن مقربين من ماكين أنه أبدى رغبته في أن يمثّل نائب الرئيس، مايك بنس، البيت الأبيض خلال تشييعه.

ترامب، الذي كان على خصام علني مع ماكين، اكتفى بتقديم تعازيه إلى أسرة الراحل، في تغريدة لم يأتِ فيها بتاتا ذكر أي جانب من جوانب حياة ماكين المهنية أو الشخصية.

وقال ترامب في تغريدته: “أقدِّم تعازيّ وأصدق احترامي لعائلة السيناتور جون ماكين. قلوبنا وصلواتنا معكم!”.

ترامب وصف الراحل وقت حملته الانتخابية بأنَّه “ليس بطل حرب”، وأنه يحب الناس الذين لم يتعرضوا للأسر، وكان ماكين أمضى أكثر من 5 سنوات في سجن في شمال فيتنام أسيرا، وقضى معظم هذه الفترة إما في انتظار التعذيب أو في التعافي منه، في حرب تجنبها ترامب بسبب عائق صحي، ربما أراد ترامب بقوله هذا الإشارة إلى أنَّ المعاناة غير مفيدة.

ردود فعل أخرى

وقال الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، الذي هزم ماكين بالانتخابات الرئاسية في 2008: “جون وأنا كنا ننتمي إلى جيلين مختلفين، كانت لدينا أصول مختلفة تماما، وتواجَهنا على أعلى مستوى في السياسة، لكننا تَشاركنا، على الرغم من اختلافاتنا، ولاء لما هو أسمى، للمُثل التي ناضلت وضحّت من أجلها أجيال كاملة من الأمريكيين والمهاجرين”.

من جهته، دعا زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، إلى إطلاق اسم جون ماكين على مبنى تابع للكونجرس كان فيه مكتب السيناتور الراحل.

غالبية أفراد الطبقة السياسية، الحاليين والسابقين، أصدروا بعد دقائق من إعلان وفاة ماكين بيانات عدّدوا فيها بعض مزايا الراحل، حيث قال الرئيس الجمهوري الأسبق، جورج بوش الابن، بـ”رحل رجل كان ذا قناعة عميقة ووطنيا لأعلى درجة”.

بدوره، قال الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون، إن الراحل “غالبا ما وضع الانتماء الحزبي جانبا من أجل خدمة البلاد”.

من ناحيته، قال آل جور، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس في عهد كلينتون: “لطالما قدّرت واحترمت جون لأنه كان دوما يعمل في سبيل إيجاد أرضية تفاهم مهما كان ذلك صعبا”.

أما السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، فقال إنه برحيل ماكين “خسرت أمريكا والحرية أحد أكبر أبطالهما”.

فشل في الحد من اندفاع ترامب

مع صعود دونالد ترامب للرئاسة، ألقى ماكين تصريحات شديدة اللهجة له بعد انتخابه في 2016 كرئيس للبلاد، فقد كان مكين أحد الأصوات الجمهورية القليلة في الكونجرس التي ردت على تصريحات ترامب الاستفزازية عبر موقع “تويتر” على مدار ما حدث من تغييرات في الولايات المتحدة.

ومضى ماكين الشهور التي تلت تسلم ترامب منصبه في جولة دولية لطمأنة الحلفاء في الخارج، أخبرهم فيها القصة التي كان بعض الجمهوريين في واشنطن يقولونها لأنفسهم، بأنَّ سلطوية ترامب سوف يحد منها المحيطون به، وأنَّ هذه مجرد مرحلة سوف تنقضي.

وكان ماكين يعقد الكثير من الآمال على جيمس ماتيس، وزير الدفاع، لكن أتى السرطان ليضع حدا لهذه الآمال، ففي رحلةٍ لأستراليا، في مايو 2017، أصبح ماكين متعباً ومرهقاً، في البداية افترض الوفد المرافق له أن السبب في ذلك يرجع إلى أنَّ هذا السفر كثير على رجل بعمر الـ81، ثم اتضح أنَّه مصاب بالسرطان.

والجدير بالذكر أنه نشأ عداء شخصي بين جون ماكين وترامب في أثناء التمهيد للانتخابات الرئاسية عام 2016، بعد تفاخر ترامب بثروته ووعوده بعمل صفقات وادّعائه بأن حرب العراق كانت “عملا خاطئا”، فما كان لمكين إلا أن وصفه بـ”الجاهل في الشؤون السياسية”، فضلا عن قول مكين بأن ترامب أدلى بتصريحات “خطيرة” على الأمن القومي، وحذر ماكين ورومني (الذي كان مُرشحا رئاسيا بجانب ماكين)، من أن انتخاب ترامب سوف يُعرض الولايات المتحدة وأنظمتها الديمقراطية للخطر.

نقطة التحول في حياة ماكين.. فيتنام

كان ماكين طيارا بالبحرية الأميركية وهو ابن وحفيد لأميرالات بالجيش الذين كانوا أبطاله في الحياة، وحمل أسماءهم في معارك سياسية لفترة تصل لأكثر من نصف قرن، فقد كانت رحلته الحياتية مدفوعة بالطموح والغرائز المحافظة لرجل عسكري.

لم تكن تلك الغرائز أكثر وضوحًا في أي مكان آخر مقارنة بفيتنام، فقد تم تجريده من كل شيء باستثناء شخصيته، ورغم أن والده كان قائد جميع القوات الأمريكية في المحيط الهادئ خلال معظم سنواته الخمس ونصف السنة، أصبح ماكين أشهر أسير حرب، ضحية التعذيب وأداة دعائية للعدو رغم أنه قائد للقوات البحرية.

وأُسقطت طائرته فوق هانوي، العاصمة الفيتنامية، وتعرض لكسر في ذراعيه وساقيه، وأُحيل للحبس الانفرادي عامين تعرض فيهما للضرب مرارًا، وفي كثير من الأحيان، تم تعليقه جسده بالحبال وربط ذراعيه خلف ظهره، وحاول الانتحار مرتين، ورفض الإفراج المُبكر عنه للحفاظ على شرفه.

انهار تحت وطأة التعذيب، إلا أنه بالنسبة إلى ملايين الأمريكيين، كان يُجسد الشجاعة، بطل حرب عاد إلى بيته على عكازين، انتهت أخيرا محنته في 14 مارس 1973، بعد شهرين من إنهاء اتفاقيات باريس للسلام التورط الأمريكي في الحرب.

كان هانوي هو المكان الذي عاش فيه لفترة أطول في حياته البدوية، وعندما عاد إلى أمريكا عانى من تشوه نفسي كبير وكسور في جسده بالكامل. وعليه فقد خضع لعلاجات طبية وإعادة تأهيل إلا أنه تُرك معوقًا بشكل كامل، غير قادر على رفع ذراعه بصورة كاملة.

احتضنه الرئيس ريتشارد نيكسون والحاكم رونالد ريجان من كاليفورنيا، وبالنسبة إلى رجل من البحرية كان يحاول دائمًا أن يرقى إلى مستوى إنجازات والده.

بعد أشهر من إعادة التأهيل والشفاء، عاد إلى الخدمة وأصبح ضابطًا في مجلس الشيوخ بالولايات المتحدة، كما كان والده في السابق، لكنه كان يعلم أن إعاقته الجسدية ستؤثر على مستقبله بالبحرية وأنه لن يكون أبدا أميرالاً مثل أسلافه، وبتشجيع من والدته فكر بالفعل في مهنة سياسية عندما تقاعد كقائد عام 1981.

ووضع نصب عينيه على مقعد في الكونجرس، استقر في فينيكس، عاصمة ولاية أريزونا، وعندما تقاعد النائب جون رودس من أريزونا بعد 30 عامًا في الكونجرس عام 1982، فاز ماكين، في حملة ممولة جزئيا من قبل زوجته، بسهولة بالمقعد في إحدى الدوائر الجمهورية.

واعتنق أجندة الرئيس ريجان بشأن التخفيضات الضريبية والميزانية والدفاع الوطني القوي، لكنه صوّت لصالح تجاوز حق ريجان في فرض العقوبات على جنوب إفريقيا بسبب سياساتها العنصرية، وتمت إعادة انتخاب ماكين في 1984.

وفي عام 1986 فاز بالتعيينات في لجنة الخدمات المسلحة، ولجنة التجارة ولجنة الشؤون الهندية، وسرعان ما اكتسب الاهتمام الوطني.

وبعد سنوات في الحزب الجمهوري أكد ماكين، في التسعينيات، تحديه للقادة الجمهوريين والديمقراطيين، فقد أصبح متحدثا رسميا باسم الحزب الجمهوري بشأن الأمن القومي، متحديًا تدخل إدارة كلينتون في الصومال، ونصح بعدم نشر القوات الأمريكية في البلقان، كما وجه إنذارًا مبكرًا للطموحات النووية لكوريا الشمالية.

وبعد خسارة الانتخابات الرئاسية في 2000 أمام جورج بوش، قدم ماكين أكثر من خطوة جريئة في مسيرته السياسية، سعيًا للفوز بالرئاسة ضد أول مرشح أمريكي من أصل إفريقي، وهو باراك أوباما، وذلك في 2008، أثناء الأزمة المالية المتزايدة، عندما عاد جون ماكين إلى الكونجرس الأمريكي المنعقد في يناير عام 2015، مع سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، حقق هدفه الطويل ليصبح رئيسًا للجنة القوات المُسلحة مع قدرته إلى دفع أهدافه للأمن القومي والأهداف المالية العامة.

بعض الحقائق الأخرى عن ماكين

كان طالبا جامحا، بل وكان مولعا بالتشاجر في المدرسة الداخلية التي التحق بها في منطقة واشنطن، واتخذ ماكين خطوات أبيه وجده، وهما من كبار ضباط البحرية الأمريكية ذوي الـ4 نجوم، حيث واصل التمرد على اللوائح، وتخرّج ضمن أواخر الدفعة.

أسقطت النيران المعادية طائرة ماكين خلال مهمة قتالية فوق فيتنام في 1967، وأمضى 5 أعوام ونصف العام في الأَسر، منها عامان بالحبس الانفرادي، وتعرض مرارا للضرب والتعذيب، مما ألحق به عاهة مستديمة.

في مجلس الشيوخ الأمريكي، كان منتقداً لأساليب الاستجواب القاسية مثل أسلوب محاكاة الغرق للمشتبه فيهم بأعمال إرهابية.

من بين الأوسمة التي تقلدها ماكين: 3 من ميداليات النجمة البرونزية، ونال وسام القلب الأرجواني مرتين، ووسام الاستحقاق مرتين، ووسام النجمة الفضية، وصليب الطيران المتميز.

كان ماكين يعمل لحساب موزع للبيرة في أريزونا هو والد زوجته الثانية سيندي عندما انخرط في العمل السياسي.

في عام 1982، فاز بانتخابات مجلس النواب الأمريكي، وفي 1986 فاز بمقعد في مجلس الشيوخ وظل محتفظا به 6 دورات.

في حملته للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2000، تصدَّر السباق على منافسه جورج دبليو بوش في الجولة الأولى، لكنه لم يحقق نتائج طيبة في التصفيات اللاحقة، وفي نهاية المطاف، سلَّم بالهزيمة أمام بوش بعد حملة صعبة.

بعد الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة في 2008، خسر ماكين أمام المرشح الديمقراطي باراك أوباما، الذي حصل علي 53% من الأصوات مقابل 46% لمنافسه.

وفي الكونجرس، كان ماكين محافظاً مؤيداً لمجتمع الأعمال ومن دعاة سياسات السوق الحرة ومعارضي الإجهاض، لكنه صوَّت ضد الأغلبية الجمهورية في عدة مشروعات قوانين كان لها صدى واسع.

بعد تبرئة ساحته في فضيحة تبرعات انتخابية بالثمانينيات، سعى إلى إصلاح قواعد تمويل الحملات الانتخابية.

كان ماكين منتقدا بارزا للرئيس دونالد ترامب، وبعد أن انتقد الخطاب العنيف لترامب تجاه الهجرة غير الشرعية، أبدى ترامب استخفافه بالتاريخ العسكري لماكين قائلاً إنه يفضل “الأشخاص الذين لم يقعوا في الأَسر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى