سياسة

وثائق أمريكية: “داعش” فرق موت أوجدتها الاستراتيجة الغربية في الشرق الأوسط

روسيا اليوم: الغرب لثماني سنوات دعم المليشيات الطائفية المعادية للشيعة من أجل تدمير سوريا و عزل إيران

روسيا اليوم – دان جلازبروك – ترجمة: محمد الصباغ

ما التفجيرات الانتحارية في اليمن و السعودية  –أسفرت عن مقتل 43 شخص على الأقل- إلا ثمار السياسة التي يتبعها دول بريطانيا و فرنسا و الولايات المتحدة و معهم الحلفاء الخليجيين في السنوات الثماني الماضية.

الاستراتيجية تقوم على دعم المليشيات الطائفية المعادية للشيعة من أجل تدمير سوريا و عزل إيران، و تلك الاستراتيجية هي جزء من حرب الغرب الواسعة ضد جنوب العالم عموماًو ذلك بإضعاف أي قوى إقليمية مستقلة تتحالف مع دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، والصين) و تحديداً روسيا.

أشير إلى تلك الاسترتيجية عام 2007 في مقال لسيمور هيرش بعنوان ”إعادة التوجيه“، و التي أظهرت كيف قامت إدارة بوش آنذاك بالعمل مع السعوديين لضخ مليارات الدولارات إلى كتائب الموت الطائفية و دورها سيكون ”ألقوا القنابل … على حزب الله، مقتدى الصدر، إيران و على السوريين أيضاً،“ حسب كلمات مسؤول أمريكي لا تنسي.

و دليل أكثر على أن تلك الإستراتيجية تم البدء فيها منذ الكشف عنها، فالإثنين الماضي شهد ظهور مئات الأوراق التابعة لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA)، ظهرت الوثائق عقب معركة قضائية استمرت عامين في الولايات المتحدة.

أظهرت تلك الوثائق ما هو أبعد من المتوقع أو ”صاعقة“ كما تحب أن تصفها وسائل الإعلام. أظهرت أن صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية كان في الحقيقة متوقعاً و مرغوبا فيه من قبل الإدارة الأمريكية و حلفائها منذ عام 2012.

أشار التقرير إلى أن ”هناك إمكانية لإقامة إمارة سلفية معلنة أو ليست كذلك في شرق سوريا، و هذا بالتحديد ما تريده القوى الاعمة للمعارضة من أجل عزل النظام السوري الذي يعد العمق الإستراتيجي للانتشار الشيعي (في العراق و إيران).“ و أيضاً بالوثائق تم تعريف ”القوى الداعمة للمعارضة“  بأعنها ”دول غربية، و الدول الخليجية بالإضافة إلى تركيا“.

أما ”الإمارة“ السلفية –المعادية للشيعة- كانت ”بالضبط“ ما هو مطلوب كجزء من المعركة و ليس ضد سوريا فقط، بل ضد ”التوسع الشيعي“ في العراق أيضاً. في الواقع، كان محدداً و معترف بأن ”الدولة الإسلامية في العراق“ -اسم التنظيم السابق قبل ”الدولة الإسلامية في العراق و الشام“- ، يمكن إعلان دولة إسلامية بالاتحاد مع منظمات إرهابية أخرى في العراق و سوريا.

كانت تلك التكهنات السرية و دفتها أمر مدهشاً. ليس فقط لأنها توقعت أن الجماعات الإرهابية في سوريا المدعومة من واشنطن و لندن قد تتعاون مع الجماعات الأخرى في العراق من أجل خلق ”الدولة الإسلامية“، لكن أيضاً تم تحديد الأبعاد الدقيقة لتلك الدولة: الإقرار بأن ”السلفيين، الإخوان المسلمين، و تنظيم القاعدة في العراق هم القوى الرئيسية التي تقود التمرد في سوريا.“ و أكمل التقرير أن نتائج ذلك في العراق ستكون ” تهيئة جو مناسب لتنظيم القاعدة في العراق للعودة إلى جيوبه القديمة في الموصل و الرمادي.“

لا تسقط من ذهنك أن الموصل سقطت في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو 2014، و الرمادي سقطت مؤخراً.

شهدت الأشهر الحالية تصعيداً كبيراً في دعم الغرب و حلفائه الخليجيين لجماعات الموت المعادية للشيعة. ففي مارس الماضي، فبدأت السعودية قصفها لليمن عقب المكاسب العسكرية التي حققها الحوثيون الشيعة. كان الحوثيون،القوة الوحيدة المؤثرة التي تقاتل تنظيم القاعدة في اليمن، قد استولت على مناطق رئيسية في البلاد منذ نوفمبر الماضي، و تم تهديدهم مؤخراً في مواقعهم القوية. كان ذلك في بداية الهجوم السعودي المدعوم من أمريكا و بريطانيا، و بدون اندهاش و كأمر طبيعي، كان تنظيم القاعدة هو المستفيد الوحيد من ذلك التدخل فكسب فرصة لالتقاط أنفاسه و استعاد السيطرة على أراضي قيمة بالنسبة له مثل ميناء المكلا خلال أسبوع من بدء القصف السعودي.

كما تشهد سوريا أيضاً مكاسب لتنظيم القاعدة بالسيطرة على مدينتين هامتين بمحافظة إدلب في الشهر الماضي بعد دعم عسكري من تركيا و السعودية و قطر. بالطبع تقود بريطانيا الآن التمهيد لتدخل عسكري في ليبيا بذريعة  ”الحرب ضد تهريب البشر“. و كما قلت مؤخراً، سينتهي الأمر بدعم أبرز العصابات المتورطة في تلك التجارة و هم القاعدة و تنظيم الدولة الإسلامية.

إذاً لماذا هذه السرعة المفاجئة من جانب الغرب و حلفائه في زيادة الدعم لتنظيم القاعدة في هذا التوقيت؟

تهر الإجابة في تزايد الأنشطة المقززة لفرق الموت في المنطقة. لا ينظر إليهم كمقاتلين من أجل الحرية كما كان في عام 2011، دورهم ك”قوات الصدمة“ لصالح استراتيجية الغرب ”قسم ثم وحد“، لا يعد بشئ إلا بمستقبل شديد العنف و تطهير عرقي، و هو ما صار واضحاً. في الفترة من منتصف 2013 إلى منتصف 2014 شهدت تحولاً كبيراً ضد تلك الجماعات.

بدأ الأمر بالإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي عقب المخاوف التي تبعت تخطيطه لإرسال الجيش المصري لمساعدة التمرد السوري. وضع الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي حداً لإحتمالية حدوث ذلك حتى، و أيضاً لتدفق المقاتلين من مصر إلى سورياً. في الشهر التالي أمل الغرب في بدء غارات جوية ضد الحكومة السورية، لكن محاولاتهم لضمان موافقة روسية و إيرانية على تلك الخطوة لم تنجح و اضطروا إلى خفض وتيرتهم المهينة.

ثم جاء سقوط حمص في مايو 2014، عندما أعادت القوات الحكومية السورية المدينة الهامة إلى قبضتهم. كان الأمر يسير في صالح الحكومة السورية حتى دخل تنظيم الدولة الإسلامية إلى المشهد، و بوجودهم وجدت الولايات المتحدة ذريعة للتدخل كانت قد استبعدت تماماً في العام الماضي.

و غرباً في ليبيا، خسرت الأحزاب المؤيدة لفرق الموت في الإنتخابات في يونيو 2014. رفضوا تقبل الخسارة و أدى ذلك إلى كارثة جديدة في ليبيا ما بعد الناتو، فأقاموا حكومة جديدة منافسة في طرابلس و بدأوا حرباً ضد البرلمان المنتخب. و بعد المذبحة التي شهدت قتل المصريين في ليبيا على أيدي تنظيم الدولة  في فبراير، أرسلت مصر قوات جوية لمساعدة برلمان طبرق المنتخب، و الآن تفكر في إرسال قوات أرضية.

بخسارة مناطق على الأرض في كلاً من اليمن، و ليبيا و مصر و سوريا، انهارت استراتيجية الغرب في استخدام السلفيين المسلحين كأدوات لزعزعة الاستقرار. الحمد لله، و الناس من توجهات معينة يجب أن يفكروا في أن الشكر لتنظيم الدولة الإسلامية.

دان جلازبروك: كاتب سياسي و مؤلف كتاب  “Divide and Ruin: The West’s Imperial Strategy in an Age of Crisis.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى