سياسة

كينيث روث: إذا استمرت مصر في تجاهل المذبحة .. على العالم أن يتدخل

يحكي كينيث روث في هذا المقال عن منعه من دخول مصر كمدير تنفيذي لمنظمة هيومن  رايتس ووتش.  ويدعو في المقال الذي نشرته فورين بوليسي إلى تدخل العالم ، إذا استمرت مصر في تجاهل ماحدث في رابعة قبل عام.

176498052crop_0

كينيث روث – فورين بوليسي

ترجمة – محمود مصطفى

ذهبت إلى القاهرة لأقدم إلى قادة مصر الدليل على أن الشرطة ذبحت ألف شخص في ميدان رابعة،  لكنهم لم يدعونا حتى نخرج من المطار.

مزيج من الخوف والإنكار جعل الحكومة المصرية ترفض دخولي وزملائي البلاد مساء الأحد، والاستمارة التي أحاطت بجوازات سفر زملائي لتوضح سبب رفض دخولنا كانت تقول: “لأسباب أمنية.”

كانت خطوة غير مسبوقة، لم يُمنع أي شخص من هيومان رايتس ووتش من دخول مصر من قبل. حنى في أكثر أيام حكم الرئيس السابق حسني مبارك ظلاماً. ولكن سبب زيارتي أيضاً غير مسبوق؛ مذبحة تنافس أشهر المذابح التي حدثت في الأزمنة القريبة مثل عمليات القتل في تيانانمين في الصين عام 1989 ومجزرة أنديجان في أوزبكستان عام 2005.

ذهبت إلى القاهرة لأقدم نتائج التحقيق المفصل الذي أجرته هيومان رايتس ووتش عن مذبحة العام الماضي التي قامت بها قوات الأمن المصرية ضد متظاهرين في اعتصام كبير في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة ، والذي تم تنظيمه لمعارضة عزل الجيش للقيادي بجماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر.

في يوم واحد،  في حوالي 12 ساعة، قتلت قوات الأمن على الأقل 817 شخص، تم التعرف على كل منهم بشكل فردي من قبل هيومان رايتس ووتش، وعلى الأرجح يتجاوز العدد الفعلي الألف. المذبحة تمت بشكل ممنهج تماماً لدرجة تجعلها على الأرجح ترقى لأن تكون جريمة ضد الإنسانية وفقاً للقانون الدولي.

الاعتصام كان مستمراً لشهر ونصف عندما قررت السلطات المصرية التحرك لسحقه. المسئولون المصريون وعدوا بفض تدريجي يتضمن انذارات ومخرج آمن لكل من يختار المغادرة، الفض الفعلي كان أي شيء غير ذلك.

في الصباح الباكر ليوم 14 أغسطس 2014، أطلقت قوات الأمن عمليتها: خلال دقائق تقدمت قوات الأمن وسط حشود من المتظاهرين بالجرافات والمدرعات ومئات من القوات الأرضية الذين كانوا يطلقون الرصاص الحي وبكثافة في بعض الأحيان.

على الفور بدأ سقوط المتظاهرين ، والمخارج الآمنة الموعودة لم توجد إلا في الدقائق الأخيرة من الفض  مما تسبب في انكماش المتظاهرين في منطقة تتقلص بشكل مستمر بينما كان القناصة ينتقون الناس من فوق الأسطح وقوات الأمن تطلق النار بشكل عشوائي تجاه الحشود. القناصة استهدفوا مدخل مستشفى رابعة والذي عرف باسم “ممر القناصة”.

الحكومة المصرية سارعت بالتشديد على أنه كان هناك بعض العنف من جانب المتظاهرين كذلك، لكن هذا لا يبرر المجزرة التي قامت بها قوات الأمن.

في محيط الاتصام، ألقى بعض الشبان  بالفعل بزجاجات المولوتوف تجاه قوات الأمن وفي بعض الحالات استخدموا الأسلحة النارية، ومع ذلك وجدت الشرطة فقط 15 قطعة سلاح وسط عشرات الآلاف من المعتصمين وحصيلة وفيات الشرطة وفقاً لمصلحة الطب الشرعي الحكومية كانت 8 أشخاص.

مثل هذه الحصيلة من الوفيات الغير متوازنة بشكل صارخ تقول إن هناك شيئاً خطأ في هذه العملية، خاصة وأنها كانت عملية شرطية،  يشترط فيها القانون الدولي ألا تستخدم  القوة المميتة تإلا عند الحاجة لمواجهة تهديد مميت وحتمي.

الشرطة وقفت  فوق أسطح المباني وأعلى العربات المدرعة وتقدم عناصرها  بين المعتصمين وهم  يطلقون النار . العديد من الشهود ومن بينهم سكان وصحفيون مستقلون قالوا إن الشرطة لم تقم بجهود محددة لتحييد عدد قليل من المعتصمين المسلحين،  وبدلاً من ذلك قال الشهود إن قوات الأمن سحقت بشكل عشوائي المعتصمين في ميدان رابعة.

هناك الكثير من الأسباب تدعو للاعتقاد بأن ما حدث كان عملية مخطط لها وتورط فيها مسئولون على مستوى رفيع في الحكومة المصرية. وزير الداخلية محمد إبراهيم كان المهندس الرئيسي لخطة الفض ورئيسه المباشر، والمسئول عن كل العلميات الأمنية، كان عبد الفتاح السيسي الذي كان وقتها وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء لشئون الأمن ورئيس مصر الحالي.

في المناقشات التي سبقت الفض تحدث مسئولون في وزارة الداخلية عن توقع سقوط  ألاف القتلى،  وفي اليوم التالي للمذبحة قال إبراهيم إن الفض تم وفقاً للخطة تماماً وأعطى حوافز للمشاركين في العملية بعد ذلك.

فض رابعة كان جزءاً من مجموعة من الحوادث في مختلف أرجاء مصر استخدمت فيها قوات الأمن القوة المفرطة، منها قتل 61 مشاركاً في اعتصام أمام دار الحرس الجمهوري في الثامن من يوليو و95 آخرون بالقرب من المنصة شرق القاهرة يوم 27 يوليو.

كان هناك الكثير من الأسباب التي تدعو المسئولين الكبار لاتخاذ خطوات تمنع قتل المعتصمين بهذه الأعداد الكبيرة في فض ميدان رابعة لكن لا يوجد دليل على أنهم فعلوا ذلك.

وبالرغم من من التأكيدات المهدئة بأن قوات الأمن ستمارس ضبط النفس، بدا المسئولون الكبار يتصرفون وكأنهم مدركون للإجرام الذي سيرتكبونه.

كينيث روث

لواءان بوزارة الداخلية قالا لأسوشيتد برس إن مسئولين أمنييون رفيعي المستوى حذروا قواتهم من أن الفض سيتصاعد بشكل سريع وأن عليهم ألا يخشوا  أن تتم محاسبتهم على أفعالهم. واحد من اللواءين فصل الخطوات التي اتخذتها الوزارة لإعاقة تحقيقات الطب الشرعي في مسرح الجريمة ومن ضمن ذلك خلط الذخيرة المستخدمة لتصبح من مخازن متعددة والتغطية على كشوف صرف الذخيرة.

أعيد رصف الشوارع المحيطة بميدان رابعة فيما بعد وتم ترميم المباني المتضررة فيما بدا كجهد لمسح ذكرى المذبحة التي جرت هناك.

في العام الماضي لم تكن هناك أي مساءلة رسمية عن ما حدث ولا تحقيق قضائي ذا مصداقية ورفضت الحكومة المصرية الاعتراف بأي أخطاء من جانب قوات الأمن ، ورفضت التعاون مع أي تحقيق وبدلاً من ذلك أقامت نصباً تذكارياً لتكريم الجيش والشرطة في قلب ميدان رابعة.

أسلوب النعامة هذا لن يفلح. مذبحة رابعة كبيرة جداً ومخطط لها بعناية ولم يسبق لها مثيل في التاريخ المصري لكي تُنسى.

بعض الحكومات الغربية ومن بينها الحكومة الأمريكية تريد أن تنسى ما فات وأن تتعاون مع حكومة الرئيس السيسي، لكن إعطاء حصانة عن جريمة كبيرة بهذا الحجم سيكون سابقة ستشجع القيام بفظائع أخرى في المستقبل مع احتجاجت ستحدث حتماً.

هذه الحصانة بالتأكيد ليست هي الطريقة لتأسيس حكم القانون، وهو جزء حيوي من “التحول” للديمقراطية الذي يروج له وزير الخارجية جون كيري، الذي لم يتحقق بعد.

اليوم، الحكومة المصرية قد ترغب في التظاهر بأنها طمست ذكريات مذبحة رابعة وأنا أشك في أن الأمر بهذه البساطة.

بينما نقلتني قوات الأمن من صالة لأخرى في مطار القاهرة، سألتني امرأة شابة تعمل في المطار عما فعلت لأستحق هذا الاهتمام الخاص؟  فأطلعتها على نسخة من تقرير هيومان رايتس ووتش عن مذبحة رابعة الذي كنت أتمنى أن أطلقه فابتسمت وأعادته لي مع صورة لها في ميدان رابعة أثناء الاعتصام.

من اجل منع قتل أناس آخرين مثلها لم يرغبوا سوى في احترام حقهم في انتخاب حكومتهم بشكل حر، يجب أن تتحقق العدالة في مصر وإذا استمرت مصر في تجاهل هذه الجريمة الهائلة، على المجتمع الدولي أن يتدخل.

*كينيث روث: هو المدير التنفيذي لنظمة هيومان رايتس ووتش وهي منظمة دولية غير حكومية معنية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى