سياسة

واشنطن بوست: مصر التي بين موسكو والرياض

السعودية الداعم المادي الرئيسي لمصر لكن القاهرة غير مستعدة للتخلي عن علاقتها بروسيا

واشنطن بوست – آدم تايلور – ترجمة: محمد الصباغ

خلال تجمع القادة العرب في شرم الشيخ الأسبوع الماضي، قرأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطاباً من فلاديمير بوتين. و جاء في رسالة الرئيس الروسي ”نحن نؤيد جهود الشعوب العربية لمستقبل ناجح لحل جميع المشاكل التي تواجههم بطريقة سلمية، وبدون تدخل خارجي.“ حسب ما ذكرت سبوتنك نيوز الروسية.

لم تقابل تلك الرسالة بشكل جيد من قبل الحضور. و بشكل خاص، المملكة العربية السعودية، التي اتهمت الرئيس الروسي بالنفاق. فقال الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي فوراً عقب قراءة الخطاب ”يتحدث عن مشاكل الشرق الأوسط و كأن روسيا ليس لها دور في تلك المشاكل.“

وأظهر تعليق الفيصل الانقسام وسط شبكة التحالفات المعقدة في الشرق الأوسط وخارجها. مصر والسعودية حليفان مهمان، وهما الآن شريكان في عملية عسكرية عربية في اليمن، حيث تدعم إيران المعارضة الشيعية التي أطاحت بالحكومة. وتحت قيادة السيسي، أصبح واضحاً تقارب مصر مع روسيا وابتعادها عن الولايات المتحدة.

أما السعودية فهي حليف قوي للولايات المتحدة وتقود الدول العربية السنية. وأصبحت علاقتها مع روسيا باردة في السنوات الأخيرة. ويحتمل أن تكون روسيا نقطة خلاف في التحالف المكون من الدول السنية ضد النفوذ الإيراني، القوة الشيعية الكبيرة في المنطقة، و ربما أيضاً ألا تكون فقط هي نقطة الخلاف.

علاقة السعودية المتوترة مع روسيا

تاريخياً، كانت السعودية دائماً في صف واشنطن ضد موسكو. وتدعمت تلك العلاقة عندما قابل الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفيلت الملك السعودي، عبد العزيز بن سعود عام 1945 مع نهاية الحرب العالمية الثانية. بينما لا توجد روابط دبلوماسية بين روسيا والمملكة عقب إغلاق جوزيف ستالين سفارة الاتحاد السوفيتي في السعودية عام 1938.

عادت العلاقات عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وفي عام 2007 أصبح الرئيس بوتين أول قائد روسي يقوم بزيارة رسمية إلى المملكة السعودية. لكن في الأعوام القليلة الماضية، تسبب دعم روسيا السياسي العظيم لنظام بشار الأسد في خلافات حادة بين الدولتين.

ربما يكون الدليل الأوضح على الصراع بين الدولتين هو أسعار النفط. ويرى بعض المراقبين من الخارج أن السعودية قد تستخدم نفوذها في إغراق السوق بالنفط مما يؤدي إلى ضرب الإقتصاد الروسي، وهو عملاق انتاج النفط الآخر، وذلك بهدف تخفيف الدعم الروسي للأسد. وقال دبلوماسي سعودي لنيويورك تايمز الشهر الماضي: ”لو أن النفط سيساعد في جلب السلام إلى سوريا، لا أعرف إلى أي مدى ستذهب السعودية من أجل الوصول إلى اتفاق“.

 ويعتقد بوتين أن العامل السياسي يقف وراء انخفاض أسعار النفط، وكما قال خبراء فهذا الأمر أضر الاقتصاد الروسي أكثر من العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو من جانب الولايات المتحدة وحلفائها. وقال بوتين في نوفمبر الماضي: ”السياسة دائماً تتدخل في أسعار النفط“، وأضاف: ”في بعض لحظات الأزمة، نبدأ بالشعور أن السياسة هي التي تسود في تسعير موارد الطاقة”.

توجد سابقة تاريخية هنا عندما أغرق السعوديون الأسواق بالنفط الرخيص خلال أسوأ فترات العلاقة بين المملكة العربية السعودية والاتحاد السوفيتي خلال الثمانينيات. ويقول البعض إن السعودية فعلت ذلك بطلب من الرئيس الأمريكي رونالد ريجان.

تم التشكيك في صحة هذا الزعم، لكن لو كان ذلك صحيحاً، قد يوحي بأن السعودية قد تستخدم قدرتها الاقتصادية للوصول إلى أهداف سياسية. وخاصة إذا كانت الولايات المتحدة في صفها.

العلاقات المصرية الروسية مزدهرة

تمتلك مصر تاريخاً أطول من العلاقات مع روسيا، فدعم قياصرة روسيا للمسيحيين الأرثوذكس في مصر يعود إلى القرن الـ 16. وكان الإتحاد السوفيتي داعماً رئيسياً لجمال عبد الناصر المحايد،وحكومته المعادية للإمبريالية، وقدمت لمصر الدعم العسكري والسياسي. وجاء في “وورلد فيوز” في نهاية الأسبوع أن عبد الناصر كان قد تدخل في اليمن بالفعل في الستينيات، وهو التدخل المدعوم من الاتحاد السوفيتي الذي وصلت كارثيته لدرجة أن اليمن أطلق عليها ”فيتنام مصر”.

مع وفاة عبد الناصر بدأت العلاقات في التوتر أثناء قيادة أنور السادات وحسني مبارك للبلاد نحو ولاء أكثر للغرب. وبعد الإطاحة بمبارك عام 2011 أصبحت الأمور أكثر تعقيداً. ففي عام 2012، تم انتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية مع دعم جماعة الإخوان المسلمين له. وبعد عام أطاح السيسي بمرسي فيما أطلق عليه بشكل واسع انقلاب ثم شن حملة أمنية على الإخوان المسلمين.

أصبحت العلاقات مع الولايات المتحدة متوترة مع قرار أوباما إيقاف ثلث مساعدات أمريكا العسكرية إلى مصر وإيقاف أيضاً تسليم المعدات العسكرية. فاتجهت مصر إلى حلفاء بديلين، وكانت روسيا خياراً واضحاً مع وجود مشاكل في علاقات موسكو مع الغرب. وظهر هذا التقارف في الزيارات الرسمية المتبادلة بين السيسي و بوتين.

لا تقتصر علاقة روسيا بمصر على الجانب الاقتصادي وحده، فالطريقة التي سحق بها الكريملين إنتفاضة الإسلاميين في الشيشان أدت إلى ظهور مشاعر قومية جديدة في مصر. وعلى العكس من ذلك فتعامل روسيا مع الإقليات الإسلامية من أحد المشاكل بين روسيا والسعودية.

عندما يختلف الشركاء

أصبحت مصر والسعودية خلال الأسبوع الماضي أحد أبرز أعضاء قوة عسكرية عربية تشكلت للتدخل في الدول المجاورة. ينظر للتحالف بشكل واسع على أنه رد فعل سني للتدخل الشيعي في الشرق الأوسط، مع قيادة السعودية المهمة ضد جهود إيران الدولية.

رغم ذلك سيكون الانقسام السني الشيعي أحد المهام التي ستتولى أمرها تلك القوة العربية. التحالفات والعداءات في الشرق الأوسط أصبحت تزداد تعقيداً بشكل واضح وخطير. الخطر الذي يواجه الحكومات العربية من جانب المتطرفين السنة عامل كبير آخر، وأيضاً العلاقات مع روسيا والقوى الخارجية الأخرى.

أصبحت السعودية داعما ماليا رئيسيا لمصر في السنوات الحالية، ويقترح البعض أن دعم السيسي المطلق لعمل عسكري في اليمن نابع من احساسه بالمديونية. لكن السعودية ليست الحليف الوحيد لمصر، وقد يكون السيسي غير قادر على التخلي عن علاقته ببوتين حتى الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى