مجتمعمنوعات

واشنطن بوست: مدى قانون الازدراء يتسع.. ومصر في أزمة وجودية

ناعوت: طفل سعودي ذبح شقيقته بسبب “أضحية العيد” .. عدوي هو القانون وسأرفض عفو السيسي لو حدث

واشنطن بوست – سودارسان راجافان – ترجمة: محمد الصباغ

في تجمع أدبي بالقاهرة لم يكن هناك أكثر واقعية من اختيار الشاعرة فاطمة ناعوت للحديث. دار الحديث حول السجون، النفسية والمادية، والأشخاص الذين يستخدمونها من أجل حبس المعترضين.

من بينهم من غضب بسبب ما نشرته على فيسبوك، حيث أطلقت على الاحتفال بذبح الأغنام خلال عيد الأضحى للمسلمين بأنه ”أسوأ مذبحة يرتكبها البشر.“ ومن قاموا برفع دعوى قضائية ضدها في محكمة مصرية، واتهموها بازدراء الأديان. وحكم عليها بالسجن 3 سنوات في يناير، وخرجت بكفالة بعد استئنافها. (تم تأكيد الحكم اليوم من المحكمة).

ناعوت من بين عدد متزايد من المصريين الذين دخلوا السجون، أو يواجهون خطر دخولها أو فقدوا وظائفهم بسبب مزاعم مخالفة مجموعة من القوانين متعلقة بازدراء الأديان، تقوم الحكومة بتطبيقها بكل بساطة. وبالرغم من التاريخ الطويل من علمانية الجيش المصري، الذي يسيطر على الحكومة حالياً، كانت هناك أحكاماً مبنية على خلفية دينية خلال فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي أكثر منها خلال سيطرة الحكومة الإسلامية التي جاء بعدها منذ عامين، وفقاً لنشطاء حقوقيين.

يرى مؤيدو السيسي أن المحاكم أصبحت أرضاً لمعركة ضد جماعة الإخوان المسلمين من اجل الوصول إلى قلوب وعقول جموع المصريين. فيما يرى منتقدوه أن الدين أصبح بشكل متزايد أداة تساعد السيسي على تقوية قبضته وإسكات معارضيه واكتساب سلطة أخلاقية.

عمليات القبض والاتهامات معاً، يبرزان مدى تراجع حرية التعبير منذ الإطاحة بالحاكم المستبد حسني مبارك منذ خمسة سنوات.

وقالت ناعوت بعد قراءة الشعر: ”لا أشعر بأني مجرمة. لا أعتقد أنني أخطأت.“

التدين كأداة سياسية

مصر في أزمة وجودية هذه الأيام، كما هو الحال في العالم العربي الذي كانت تقوده في وقت ما. في توال سريع، المثالية التي غذتها الثورة منحت لحكومة الإخوان المسلمين التي يقودها محمد مرسي. لكن الحكم بأيدلوجية دينية أثبت عدم شعبيته مع نزول المصريين إلى الشوارع مرة أخرى ودعمهم للسيسي، الذي كان قائداً بالجيش آنذاك، وأطاح بمرسي. بعد عام، فاز السيسي بالانتخابات الرئاسية فوزاً ساحقاً، ووعد بعمل إصلاحات دينية. لكن ذلك لم يحدث.

مع نمو المسلحين الإسلاميين والوعود بإنعاش الاقتصاد لم توفى بعد، هناك حالياً معارضة وليدة ضد السيسي، حتى من بين بعض داعميه، كما يوجد إحباط كبير بسبب ارتفاع الضرائب و خفض الدعم. وعمق حبس الآلاف من الإسلاميين المعتدلين واعتبار جماعة الإخوان المسلمين غير قانونية، من الاستياء بين أتباع الجماعة والقلق بين المسلمين المتدينين.

قال عضو البرلمان، سمير غطاس: ”الحكومة الحالية لا تريد مواجهة أي شئ له علاقة بالدين، لأنه سيتم اتهامها بأنها تعادي الدين. يخشى السيسي ردة الفعل الإسلامية. هو خائف من خسارة الدعم الشعبي.“

وبالرغم من المظهر المعتدل لمصر، أغلب التسعين مليون مواطن هو من المحافظين دينياً. لذلك فالورع الديني يعطي السيسي سبيلاً لدعم قاعدته الشعبية، ليسير على درب كثير من القادة العرب الذين استخدموا هذا الأسلوب في الماضي لدعم سلطتهم.

اتهامات الإزدراء لا تقوّض المعارضين فقط الذين يتهمون الحكومة بالتخلي عن الإسلام، بل أيضاً تقمع العلمانيين والمثقفين من الطبقة الوسطى، وفقاً للمنتقدين.

يقول مينا ثابت، الناشط الحقوقي، مشيراً إلى أتباع السيسي: ”يريدون أن يتحكموا في الناس بإظهار أن لديهم معايير أخلاقية وأنهم مكرسون لتنفيذها،  لذا لا يمكن لأحد أن يسألهم عما يفعلون. الأمر يتعلق بمصالحهم، والاحتفاظ بسلطتهم.“

وأضاف: ”السيسي يحارب معارضيه السياسيين، لا يحارب التطرف.“

وفيما يصر المسؤولون الحكوميون على أن القضاء المصري مستقل، تصفه منظمات حقوقية وقانونية بأنه متواطئ مع المساعي الحكومية بسحق المعارضة. ما هو واضح أن لا حكم من أحكام ازدراء الأديان تم إدانتها من جانب السيسي أو الموالين له.

وقال جمال عيد، المحامي الحقوقي الشهير: ”يريدون إظهار أنفسهم كمدافعين عن الإسلام.“

يرى مؤيدو السيسي المحافظين أن أحكام الإزدراء ضرورية لحماية الإسلام.

فيما يقول محمود دراز، الأستاذ بجامعة الأزهر: ”هذا النوع من الكلام سوف يزرع الشك فقط ولا يمكن قبوله. بإذن الله فاطمة ناعوت سيصدر حكم ضدها بالسجن.“

في الشهر الماضي، حكم على أربعة مراهقين أقباط بالسجن لمدة 5 سنوات بعد فيديو أظهرهم يضحكون وهم يرددون آيات قرآنية في حين يشير أحدهم نحو رقبته، مقلداً الذبح. وقال الفتية إن هدفهم كان السخرية من عنف تنظيم الدولة الإسلامية، لكن القاضي أصدر حكمه وأدانهم بازدراء الإسلام.

وقالت إيمان جرجس، والده أحد الأطفال: ”أتوسل إلى السيسي أن يتدخل. كيف يسمح بحدوث مثل هذا الظلم.“

كما حكم أيضاً على إسلام بحيري، الباحث الإسلامي والمذيع التليفزيوني السابق، بالسجن 5 سنوات في ديسمبر بعد تشكيكه في بعض مصادر الأحاديث النبوية.

وفي هذا الشهر أقيل وزير العدل المصري من منصبه بعد قوله إنه سوف يسجن النبي محمد لو ارتكب جريمة. تلك الإشارات، اعتبرها كثيرون على وسائل التواصل الإجتماعي كازدراء للدين.

ويقول المخرج عمرو سلامة: ”الاتجاه الرئيسي للدولة هو عدم السماح للإسلاميين بالهجوم عليهم والادعاء بأنهم يميلون كثيراً نحو الليبرالية. لذلك أصبحوا أكثر تحفظاً من الإسلاميين. ما حدث مع فاطمة ناعوت لم يحدث أبداً أثناء حكم مبارك أو خلال فترة الثورة أو حتى في فترة حكم مرسي.“

قضية ناعوت

في نوفمبر 2014، كانت ناعوت في طريقها إلى البنك، وكانت مازالت غاضبة من مقال قرأته من نصف ساعة في جريدة سعودية. كان عن طفل شاهد والده وهو يذبح خروفاً خلال عيد الأضحى. وعندما عاد لمنزله، ذبح الولد شقيقته الطفلة، محاكياً ما فعله والده مع الخروف، تتذكر ناعوت.

قامت بكتابة المنشور على فيسبوك بغضب. وخلال ساعات، انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بالنتقادات معتبرين أن ما كتبته إزدراء للدين. وبعد شهر من  ذلك قام 3 محامين برفع دعوى قضائية ضدها، زاعمين أنها انتهكت القانون.

المادة 98 في قانون العقوبات المصري، تقضي بحبس قد تصل مدته لخمس سنوات وغرامة كبيرة لأي شخص يقوم ”بتحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف الدينية المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية‏”.‏ استخدم القانون لأول مرة أثناء حكم الرئيس أنور السادات عام 1970 لكبح جماح الإخوان المسلمين، الذين قاموا بمهاجمة المسيحيين في ذلك التوقيت.

ويقول المنتقدون إن القانون الآن يوجه ضد المسيحيين والمسلمين المعتدلين.

وقالت ناعوت التي تنتقد بشدة الإسلاميين : ”هو نوع من تراكم معارك طويلة بيني وبين الإخوان المسلمين. يبحثون عن أي طريقة لإسكاتي ووضعي بالسجن.“

ومع ذلك فاجأ الحكم ضدها كثير من المصريين. فناعوت مؤيدة بارزة للسيسي، لكنه إلى الآن لم يدن الحكم ضدها. ومنذ وصول السيسي إلى السلطة في 2014، وعد ”بثورة دينية“ من أجل محاربة التطرف، مشيراً إلى أن الأفكار المتفتحة والمعتدلة للإسلام يجب أن تدرس بالمدارس.

بدلاً من ذلك، يستخدم الدين بشكل واضح لتصوير السيسي، المسلم الملتزم، كالسلطة القادرة على فعل كل شئ في الدولة.

في ديسمبر عندما صوت المصريون لاختيار البرلمان الجديد، أشار داعية إسلامي في تليفزيون الدولة بشكل صريح إلى السيسي بأنه ”ظل الله“ و ”من يعاديه يعادي الله.“ وفي يناير، حذرت وزارة الأوقاف الدعاة من أن أي دعوة للتظاهر في ذكرى ثورة 25 يناير الخامسة، تعتبر جريمة بأمر الله.

لو سجنت ناعوت، قد يصدر السيسي عفواً رئاسياً عنها. لكنها قالت إنها سترفض هذا العفو اعتراضاً على قوانين الإزدراء. وأكدت أنه طالما تلك القوانين موجودة، فقدرتها على الكتابة والحديث بحرية ستبقى مهددة. وأضافت: ”عدوي ليس الحكم، عدوي ليس القاضي. عدوي هو القانون.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى