ترجمات

“واشنطن بوست”: ربيع عربي جديد يلوح في الأفق.. فهل ينجح؟

البشير ارتكب خطأ كلاسيكيًا لمواجهة الاحتجاجات

Washington Post

Ishaan Tharoor

ترجمة: ماري مراد

خلال الأسابيع الأخيرة، كانت هناك مظاهرات متواصلة ضد زعيمين مستبدين حكما لفترة طويلة جنوب البحر الأبيض المتوسط. ففي السودان، دفعت 3 أشهر من التظاهرات، الرئيس عمر البشير لإعلان حالة الطوارئ لمدة عام، إضافة إلى حل الحكومة الاتحادية وحكومة الولايات، بهدف تعزيز حكمه.

لكن الاحتجاجات استمرت، وموقفه مازال ضعيفًا. ويرى البعض أن نهاية الحكم الذي دام لـ3 عقود تلوح في الأفق.  وكتب زميلان لي هما محمد عثمان وماكس بيراك: “الكثيرون في شوارع السودان يرون قرار البشير الأسبوع الماضي كخطأ كلاسيكي يتكرر من قبل الديكتاتوريين اليائسين بينما يلفظون أنفاسهم الأخيرة، وهذا يزيد أمل الكثيرون بأن أيامه (البشير) أضحت معدودة”.

وفي الوقت نفسه، في الجزائر، زادت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد على مدى الأسبوعين الماضيين، داعية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للتخلي عن خوضه لعهدة خامسة في انتخابات أبريل. وأكمل بوتفليقة عامه الـ82 في 2 مارس، ووصل إلى الحكم عام 1999. وأصيب بجلطة دماغية في 2013، جعلته يستخدم كرسيًا متحركًا، كما أنه لم يتحدث علانية منذ 7 سنوات.

والحالة الصحية السيئة لبوتفليقة تُقدم نوعًا من التشبيه عن حكم مُسنين متجذرة في الجزائر. فمنذ فوزها بالاستقلال الدامي من فرنسا في عام 1962، لم تتخل جبهة التحرير الوطنية- التي كانت يوما ما ثورية- عن السلطة. والآن، بات بوتيفليقة المريض على رأس ما ينظر إليه المنتقدون على أنه نظام عفن، يدعمه كبار ضباط الجيش، وأجهزة الاستخبارات، ومجموعة من رجال الأعمال الأثرياء.

وفي عام 2011، بينما هز الاضطراب السياسي العالم العربي، حافظت حكومة بوتفليقة على نفسها، حتى بعد الإطاحة بدكتاتوريين في مصر وتونس وليبيا، وذلك باستخدام إعانات سخية لتهدئة التوترات الاقتصادية، كما يشرح بوبي جوش من بلومبرج. لكن انخفاض أسعار النفط العالمية أجبر الحكومة على تقليص إنفاقها الاجتماعي. ويضيف جوش: “تتلاشى الذكريات، وتفقد منح الحكومة قيمتها مع الوقت. وبعد 8 سنوات من الربيع العربي، ربما هناك بعض الجزائريين المستعدين لثورة أخرى”.

 

ويُحذر محللون من إعلان ظهور ربيع عربي جديد، لاسيما لأن الاضطرابات في السودان والجزائر تجري في سياقات مختلفة، ولأن الأوضاع التي دفعت للاضطراب والثورة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، لا تزال قائمة، بل قد تكون أسوأ.

وأشار مارك لينش في مُدونة “Monkey Cage The” بصحيفة “واشنطن بوست” إلى أن “التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه كل نظام شرق أوسطي تقريبًا اليوم هي أسوأ من حيث حجمها عما كانت عليه في عام 2011، ولا تزال العوامل الهيكلية التي تمكن العدوى الاحتجاجية قوية”. وذكر لينش أن الأحداث في الجزائر والسودان كانت جزءًا من “سلسلة أوسع لحركات احتجاجية شعبية ضربت أكثر من ثلث دول المنطقة على مدار العامين الماضيين”، بما في ذلك الاحتجاجات الرئيسية المناهضة للفساد والمناهضة للحكومة في الأردن والعراق. وتونس وإيران ، قال لينش.

ولدى الحكومات، في الجزائر والسودان، إرثًا طويلًا وحشيًا من القمع. وقال زميلي (زميل الكاتب) من الخرطوم: “تقول جماعات حقوق الإنسان إن أكثر من 50 شخصًا قد قتلوا على يد قوات الأمن [السودانية] منذ بدء الاحتجاجات في منتصف ديسمبر. كما اُعتقل الآلاف غيرهم- بينهم رموز معارضة بارزين ومحامين وأطباء وصحفيين-  إلى أجل غير مسمى في مجموعة من مراكز الاحتجاز التي تديرها أجهزة الاستخبارات السودانية”.

وصورت الحكومة في الجزائر، على وجه الخصوص، نفسها لعقود باعتبارها حصنًا ضد الجماعات الإرهابية الإسلامية في شمال إفريقيا. ودفعت صورتها كمُرسخ مزعوم للاستقرار الإقليمي وشراكتها في عمليات مكافحة الإرهاب مع الحكومات الأوروبية، الكثيرين في الغرب للتغاضي عن قصورها الديمقراطي وخنقها للمعارضة.

 ومنذ ثورات 2011، تحررت الحكومات الملكية في شبه الجزيرة العربية لقمع الحركات الإسلامية أو المناصرة للديمقراطية في أجزاء مختلفة من العالم العربي، وقدمت دعمًا مستمرًا إلى رجال أقوياء، مثل البشير، متجاهلين سجلاتهم المروعة.

وبغض النظر عن قدرة هذه الأنظمة الحقيقية على سحق المعارضة، فإن بقاءها لم يعد يبدو أمرًا واقعيًا. وكتب لينش: “بينما تزداد التحديات الديمغرافية والاقتصادية وتتجرد المؤسسات السياسية من شرعيتها، فإن الأنظمة التي تمارس بالفعل القمع الأقصى لا تملك سوى خيارات قليلة للتصعيد”. وتابع: “حتى إن لم تنتشر الاحتجاجات بنفس السهولة التي حدثت بها في عام 2011، فهناك دائمًا أحداث محتملة- موت زعيم متقدم في السن، أو تغييرات دستورية مثيرة للجدل، أو تخفيضات مالية لا يمكن تجنبها، حتى نهاية الحروب الأهلية- تكمن في الأفق”.

ربما يأمل حلفاء بوتفليقة في شراء الوقت، وهم يستعدون لرحيله النهائي. لكن شرعيتهم تواجه تحديًا من جيل شاب غاضب ويشعر بخيبة الأمل، وعلى وعي تام بعجز بوتفليقة. وقال مصطفى بوشاشي، محامي حقوق جزائري لـ”ذا نيويورك تايمز: “الرئيس غير قادر على إدارة البلاد وتعيين المسؤولين. لم يعد هذا الشخص قادرًا على القراءة أو الكتابة. لقد أخذ رهينة من قبل عصابة مافيا”.

AppleMark

ويوم الأحد، بدا أن الضغط الشعبي في الجزائر حقق نوعًا من الانتصار للمتظاهرين. إذ أعلن بوتفليقة، في خطاب قرأه مدير حملته، ترشحه لولاية “عهدة” خامسة، من المرجح أن يفوز بها في ظل النظام السياسي الجزائري الأقل ديمقراطية. لكنه أشار إلى أنه سيستخدم تفويضه لقيادة “حوار وطني” سينتهي إلى إجراء انتخابات جديدة العام المقبل، وحينها لن يترشح مجددًا.

واعتبر خبير في شؤون شمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أندرو ليبوفيتش، أن “هذا الخطاب أول رد من بوتفليقة على الاحتجاجات واعتراف واضح بأن أسبابه سارية المفعول”، لكنه أضاف أن “هذا لا يترك مجالًا كبيرًا للمناورة إذا استمرت الاحتجاجات رغم ذلك”.

وفي السودان، يُحذر خبراء من أن البشير قد يجد أن قرار منح السلطة المؤقت إلى الوكلاء العسكريين سقوطه. وقال مجدي الجزولي، المحلل السياسي السوداني، لصحيفة “واشنطن بوست”: “الضباط المكلفون بالحكومة هم تقريبًا أولئك الذين سيشعرون بالقلق من القيام بانقلاب”.

وإذا لم يكن كذلك، فإن المتظاهرين لا يزالون يتعهدون بالعودة إلى الشوارع. وقال صلاح شعيب، الناطق باسم المنظمة الرئيسية التي تقود الاحتجاجات: “الخطوة الأخيرة للبشير ليست سوى محاولة للبقاء في السلطة لتجنب المحاكمة على الجرائم التي ارتكبها. سنستمر في الكفاح من أجل التخلص من النظام وإعادة بناء البلاد بمؤسسات ديمقراطية جديدة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى