سياسة

واشنطن بوست: السيسي منحة سماوية أم قنبلة موقوتة؟

واشنطن بوست: الإرهابيون يستخدمون أعمال السيسي لتجنيد عناصر جديدة

واشنطن بوست – روبرت كاجان، مايكل دان – ترجمة: محمد الصباغ

هل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالفعل حليف لنا في صراعنا الدائر ضد الجهاد الإسلامي والإرهاب في الشرق الأوسط؟ يبدو أن ذلك هو المنطق السائد هذه الأيام.

قال بيرت ستيفنز في “وول ستريت جورنال” عن السيسي إنه ”منحة جيوسياسية من السماء“، واقترح جورج ويل على قناة “فوكس نيوز” إعطاءه جائزة نوبل (للقتل الجماعي و التعذيب، ربما تكون فئة جديدة في جوائز نوبل). وفي الأسبوع الماضي منح أوباما للسيسي دعمه وأعاد المساعدات العسكرية التي تم تعليقها في 2013 في أعقاب إطاحة الجيش بأول رئيس مصري تم انتخابه بحرية واستأنف الدعم رغم حملة صارمة من الحكومة مارست العديد من الانتهاكات في مجال حقوق الانسان. جاء القرار عقب إرسال مصر لأربع سفن حربية لمساعدة السعودية في الحرب ضد المعارضة المدعومة من إيران في اليمن. لذا يبدو أن قرار أوباما باستئناف تقديم المساعدات العسكرية لمصر هو مكافأة لها على إعلان مشاركتها في الحرب الدائرة في اليمن.

لسوء الحظ تبدو فكرة أن يكون السيسي حليفاً مؤثراً في الحرب ضد الإرهابيين الإسلاميين مضللة. في الواقع أصبح السيسي أحد أهم الأدوات المؤثرة التى يستخدمها الجهاديون لتجنيد عناصر جديدة. الحقيقة ببساطة هي ارتفاع معدلات الهجمات الإرهابية في مصر مع وصول السيسي إلى السلطة. كان هناك أكثر من 700 هجوم خلال 22 شهراً في مقابل 90 هجوما فقط في الـ 22 شهراً السابقة.

من الصعب تحديد أرقام الشباب الذين أصبحوا متشددين بسبب قمع السيسي، لكن يمكن أن نقول إن أعدادهم أصبحت كبيرة وفي ازدياد. وقدرت إحدى منظمات حقوق الإنسان المصرية وجود 42 ألف سجين سياسي، ويذكر أن التعذيب والانتهاك الجنسي منتشر في حالات الاحتجاز والاعتقال.

لا يوجد طريقة لحساب القتل الجماعي عام 2013. وقال تقرير لمنظمة العفو الدولية إن مصر تعد ثاني اكبر دولة تصدر أحكاماً بالإعدام بعد أحكام صدرت بحق 509 أشخاص عام 2014.

ويقبع في السجون الآن الكثير من المعارضين السياسيين سواء من شباب العلمانيين أو من الإخوان المسلمين، الذين فازوا بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات 2012، بينما من بقوا خارج السجن يواجهون مضايقات قانونية وغير قانونية، حيث نشطت أجهزة الأمن الداخلي في مصر بشكل جنوني بعد إنقلاب 2013.

عقب مقتل الناشطة شيماء الصباغ بواسطة ضابط ملثم – تم تصوير ذلك – خلال مسيرة صغيرة سلمية في يناير الماضي بالقاهرة، أجبر الغضب العام الحكومة على تحقيق في واقعة القتل والقبض على من ارتكب ذلك. لكن أجهزة الأمن قامت بالثأر لنفسها بعد ذلك وألقت القبض على الشهود الذين قاموا بالإدلاء بشهادتهم.

وسط تلك الظروف، هل تفاجئنا التقارير عن اتجاه الشباب المصري إلى التشدد، ومن بين هؤلاء إسلاميين سلميين سابقين؟ تتحدث أعمال السيسي الوحشية بصوت أعلى من كلماته القليلة عن إصلاح الإسلام. وإنه لأمر غاية في التفاؤل ان نصدق أن السيسي أو المؤسسات الدينية في حكومته يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الشباب المعرض للأفكار المتطرفة. سيكون ذلك أمراً مضحكاً وقد يكون  خداعاً خطيراً للذات.

قد تعتقد أننا تعلمنا من تجاربنا. إن فكرة دعم الديكتاتوريين ليخوضوا حروبا بالوكالة ضد المتطرفين في الشرق الأوسط ليس بالأمر الجديد. ولا يعتبر الفشل الذريع لتلك الإستراتيجية سراً. لقد قمنا بدعم الشاه في إيران، الذي أطاح بالمعارضة المعتدلة وكذلك المتطرفة، حتى أطيح به من قبل الحركة الإسلامية الأكثر تطرفاً في القرن الماضي. ودعمنا أيضاً الديكتاتور العسكري الباكستاني محمد ضياء الحق، الذي شهدت فترة حكمه مرحلة من التطرف الإسلامي لا مثيل لها.

دعمنا أيضاً السعودية والديكتاتور المصري الأكثر اعتدالاً حسني مبارك، حتى رأينا كيف انتج قمعهم تنظيم القاعدة وتفجيرات 11 سبتمبر الإرهابية.

الامر المضحك هو أن السيسي لا يحتاج إلى الأسلحة، فمصر تمتلك مخزوناً كبيراً، وبأي حال فالولايات المتحدة قدمت دعماً طويلاً من المساعدات للحرب على الإرهاب. ما احتاجه السيسي من الولايات المتحدة هو التأييد الكامل لتقوية شرعيته. وبالفعل قدمت إدارة أوباما له تلك الهدية. في مقابل ماذا؟ هل نحن بحاجة لأن ندفع للسيسي مقابل محاربة التطرف؟ هذه حماقة كبيرة أخرى من سياسة الولايات المتحدة الخارجية. فالفكرة هي أننا ندفع مئات الملايين من الدولارات للديكتاتوريات ليفعلوا شيئاً هم بالفعل يريدون القيام به. سيحارب السيسي التطرف بطريقته الخاصة سواء دفعنا له أو لم ندفع. الفرق الوحيد هو مشاركتنا في الأمر. الآن، عندما يحبس ويعذب ”حليفنا“ الشباب المصري، وربما يحولهم إلى إرهابيين، سيكون لديهم هدف أكبر ينشدونه.

نحن نعود إلى الطريقة القديمة مع مصر. إنها عقيدة نيكسون مرة أخرى، ونقع فريسة لتلك الأوهام بأن الديكتاتورية تجلب الاستقرار، وأن القمع الوحشي هو الحل لمواجهة التطرف. نحن ندعم السيسي كما فعلنا مع الشاه، ومبارك، وديكتاتوريات الشرق الأوسط من قبل. هو رجلنا، حتى  اليوم الذي يسقط فيه نظامه.

هو ”منحة جيوسياسية من السماء“ ؟ جرب مصطلح ”قنبلة جيوسياسية موقوتة“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى