ثقافة و فنمنوعات

هآرتس: حجاب المصريات ..قليل من الدين ..كثير من الموضة

مراسل هآرتس الإسرائيلية يصف مشاهداته حول الحجاب في القاهرة ويلاحظ أن انتشار الحجاب لا يعني بالضرورة أن النساء يطبقن التعاليم المرتبطة به

عن Haaretz – إيال ساجي

ترجمة – ملكة بدر

خلال 10 سنوات، بين زيارتين للقاهرة، لم تتغير العاصمة المصرية كثيرًا، بشوارعها المليئة بالضجيج ومنطقة وسط البلد التي تتسم بالعمارة على الطريقة الأوروبية، والزحام في الأسواق، والأرصفة العالية والمساجد والكنائس القبطية والمطاعم والمقاهي. كان التغيير الوحيد الواضح والبارز هو زيادة عدد النساء اللاتي يرتدين الحجاب ويغطين شعرهن. فقد كان يندر في الثمانينات أن تجد مجموعة محجبة من النساء في شوارع وسط القاهرة مثلا، لكن في التسعينات، استطالت الأكمام وتضاعف عدد مرتديات الحجاب حتى أصبحت أغلبية المصريات ترتدينه.

يلاحظ أي زائر لمصر هيمنة الحجاب والأكمام الطويلة

لا شيء غريب هنا في ارتداء معظم نساء مصر الحجاب، لأن دور الدين يزداد قوة في المجتمع العربي عمومًا وفي المجتمع المصري خصوصًا. وكل مسافر يزور القاهرة من وقت إلى آخر خلال هذه السنوات يمكنه بسهولة أن يلاحظ التغيير في ملابس النساء المصريات وعاداتهن في ارتداء أزياء بعينها وانتشار الحجاب وحتى انتشار النقاب.

وكعادة معظم السائحين الذين يزورون دولا مسلمة لا يعيشون فيها، نظرت إلى هذه الظاهرة بحزن وأنا أربط بينها وبين زيادة التشدد وعودة النساء إلى دورهن التقليدي في المجتمع الذكوري، بالنسبة لي كان الحجاب رمزًا لتدني مكانة المرأة في المجتمع المصري، رمزًا لاستعباد النساء وممارسة القمع عليهن بشكل عام.

لكن في بعض المناسبات، رأيت بعض الأشياء التي لم تنطبق على نظريتي، منها مثلا فاترينة سلسلة متاجر اسمها “المتحجبة” التي تعرض مجموعة كبيرة من الحجاب وأغطية الرأس الملونة وبجوارها مجموعة كبيرة مميزة من إكسسوارت النساء وملابس النوم المثيرة والجلدية وغيرها. عندها سألت نفسي كيف يمكن أن يجتمع الشيئان معًا، وفكرت أن المجتمع المصري مازال يفضل أن تغطي النساء أنفسهن وألا يرى منهن شيئًا، لكن في بيوتهن، يفضل أن ترتدي كل ماهو مثير وجذاب ومغوي لعيون زوجها فقط.

كثيرا ما تظهر ملابس المحجبات في مصر جمال النساء وهو ما يتناقض مع الهدف منه طبقا للشريعة الإسلامية

رأيت فتيات مراهقات يرتدين الحجاب ويرقصن مع رفاقهن من الذكور في فلوكة بالنيل، كما رأيت نساء مصريات في أماكن عملهن يرتدين الحجاب وعليه بلوزات ضيقة صغيرة ويضعن الكثير من مساحيق التجميل ويرتدين الكعب العالي، لكنني لم أفكر في الأمر بطريقة مختلفة إلا عندما كنت أقف أمام أحد النوادي الليلية المعروفة في القاهرة منتظرًا دوري بالدخول، وكانت أمامي شابة ترتدي الحجاب، أخبرها الحارس أنها لا يمكن أن تدخل بغطاء رأسها لأن المكان يقدم خمورًا وممنوع دخول المحجبات إليه، فما كان منها إلا أن خلعت طرحتها ودخلت لتنضم إلى مجموعة من زميلاتها بالداخل، بعضهن يرتدين الحجاب وبعضهن كن يحتسين مشروبات كحولية. لم تكن حقيقة أن الدين يمنعها من التواجد داخل هذا النادي لتمنعها عن تنفيذ خطتها لذلك المساء.

لكن المصريات يمارسن حياتهن بأشكال متنوعة رغم الحجاب

وفي زياراتي التالية للقاهرة، التقيت ببعض الناشطات النسويات اللاتي يرتدين الحجاب، وبدا أنه بالنسبة لكثير من النساء، أصبح الحجاب ليس فقط قطعة من القماش التي تشير إلى رمز ديني معين، لكنه أصبح أيضًا محددًا للهوية. وفي كثير من الأوقات، تكون هذه الهوية مُعارضِة: محلية وليست عالمية، “شرقية” وليست “غربية”، بمعنى أدق، إنهن يحاولن القول: هل تردن يا نساء الغرب أن تكشفن أجسادكن؟ نحن على العكس نريد أن نغطي أجسادنا؟ هل تفرض أمريكا شكل موضتها عليكن؟ موضتنا تأتي من السعودية! الأكثر من ذلك أن كثير من النساء أصبحوا يرون في الحجاب رمزًا للنسوية الإسلامية، بعد أن قمن بتحويله إلى مصدر للتمكين.

دليل على ذلك وجود مجلة موضة للمحجبات فقط، رغم أنها تشمل مواضيع مختلفة أخرى عن حياة النساء والعمل والصحة، وأسبوع موضة الحجاب السنوي في لندن الذي يتجمع فيه مدونين من الرجال والنساء عن الموضة ومصممي أزياء “موضة محتشمة” من جميع أنحاء العالم لعرض إنتاجهم الجديد، ليس فقط لتشتريه دور الأزياء الشهيرة وإنما لكي تصبح موضة الحجاب وملابسه عصرية وشرعية، ولتغيير وجهة النظر السلبية المتعلقة بالأمر في العالم الغربي، الذي يرى الحجاب رمزًا للقمع والخضوع.

وتشمل الأزياء، سواء الموجودة في مجلة حجاب أو أسبوع الموضة في لندن، ملابس ذات ألوان جريئة، وبلوزات ضيقة وفساتين تظهر شكل الجسم الأنثوي، وهو ما يتعارض غالبًا مع المعروف عن الشريعة الإسلامية التي تفرض على النساء أزياء واسعة فضفاضة تخفي شكل أجسادهن وتتجنب الألوان التي تجذب الأنظار.

إذن ما الذي يعنيه كل ذلك؟ أن الحجاب شيء ممتع وأن كل النساء المسلمات اللاتي ترتدينه يشعرن بالسعادة؟ لا طبعًا، فكثير من الشابات في مصر يتحدثن عن القمع الاجتماعي الذي يفرض عليهن ارتداء غطاء الرأس فقط لأنهن يرغبن في تجنب النظرات التي يحدجهن الجميع بها من الرجال والنساء في عائلاتهن، والجيران وفي المدرسة أو في مكان العمل، وكثير من الرجال يفضلون الزواج بامرأة محجبة أو يشترطون عليها أن تغطي شعرها بعد الزواج، فيما يجبر الأهل المتدينيين بناتهم على ارتدائه من سن صغيرة دون حتى أن يكون للبنات أي رأي أو قرار في ذلك الشأن.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى