سياسة

هآرتس: بورنوجرافيا الطعن

 

هآرتس: أريانا ملفيد: بورنوجرافيا الطعن

إجراءات إسرائيلية لتشديد الأمن بعد انطلاق “انتفاضة السكاكين”

بورنو جرافيا الطعن
أريانا مِلَميد –  هآرتس الإسرائيلية

ترجمهُ عن العبرية: محمد عبد الدايم
الموضع الدقيق لكل طعنة بمفك براغي، تقارير مثيرة للمارة، بيانات متكررة ومختلفة لمسئولي نجمة داود الحمراء واتحاد الإنقاذ والإغاثة، قصة أول مُسعف وصل، بث متكرر لإدارة وحدة الرضوض، بيانات فارغة للجميع، من قائد الميدان وحتى وزير الدفاع، الإعلام المذاع والرقمي يعملان بجهد متواصل ليقدما للمستهلك كل المعلومات، حتى عمليات رتق الطحال أو الأمعاء لآخر ضحية طعن. وتراكم تأثير مواصلة المشاهدة والاستماع للتقارير- ومن لا يشاهد أو يستمع في هذه الأيام الصعبة- هو حِمل بورنوجرافي زائد لتفاصيل لا تُطاق.
هل المعرفة قوة؟ ليس دائما. خمس نشرات عاجلة في البث، على مدى ساعة واحدة، لوصف حادثة طعن واحدة، لن تضيف شيئا أو نصف شيء للمشاهدين الأسرى أمام الشاشة: على العكس. فالتقارير المسعورة من شأنها فقط أن تدمر، كما يفسر باحثون في مجالات الصحة النفسية: منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة؛ أجُريت عشرات الأبحاث التي أثبتت أن العرض المكثف لحوادث الإرهاب بالصوت والصورة يربك هرمون الفزع لدى الخاضعين للفحص، ويعرضهم لخطر متزايد من ردود فعل “ما بعد الصدمة”. فبدلا من أن يمنحهم الأدوات للتعاطي مع الأوضاع المقلقة والمخيفة، يزيد لديهم نسبة الخوف فحسب.
للخوف نتائج ثانوية: الكراهية على سبيل المثال. التي تتوهج وتتقد حتى تصل لرغبة في الانتقام بداعي “الدفاع عن النفس” وهو ليس سوى إحباط مستمر، فالشاشات تمتلئ بمشاهد رعب، طيلة الوقت. ووسائل التواصل الاجتماعي تزيد الرعب وتنشره على أوسع نطاق، والمخ المُنهك يُطوِق نفسه أمام أفلام رعب في دائرة البث المتكرر، دون أن يدرك أنه قد مرت بالفعل أيام أسوأ من هذه، ضحاياها أكثر، وإحساسنا بالخوف فيها كان أقل.

من يقدم المعرفة الإباحية، والتكرار اللانهائي لتفاصيل الأحداث والانشغال الحصري للإعلام بكل حادثة كهذه؟

إنهم فقط من يرغبون في إنتاج مسلسل يومي قائم على الخوف، ومبرراتهم معهم: جمهور مرعوب هو جمهور أسير وهم أن القوة وحدها ومزيد من القوة سيحلان “المشكلة”. جمهور مرعوب يجنح للجمود والانضواء تحت شوكة “زعيم قوي”. و هذا ما يحدث حتى إذا لم يكن الإعلام راغبا في إدراك تأثير كهذا بالتقارير الكثيفة، والتاريخ زاخر بنماذج غير مداهنة أبدا للعلاقة بين الخوف والتخويف والنصر السياسي لليمين المتطرف.
الصحفيون في إسرائيل جزء من الجمهور المرعوب، في ظروف غياب السلطة يخلقون أيضا لأنفسهم وهم التشبث بالواقع من خلال التقرير الدقيق والمفَصّل الذي ينجحون في إنتاجه سريعا، رغم المصاعب التقنية. هم أيضا يعرفون أنه في أيام كهذه تحارب وسائل الإعلام كلها من أجل وميض التقييم (الترافيك)، وللاعتداءات تقييم عال في إسرائيل، حتى أنه أكبر من برامج الواقع، فالخوف يسوِق كثيرا.
حتى إذا لم يكن التحفظ ميزة إسرائيلية رائجة، فهو ضروري وبخاصة الاعتدال الإعلامي بالنسبة للواقع حاليا، فيمكن ويجب أن نطلبه من الصحفيين، ويمكن ويجب كذلك أن ندرك أن الإفراط في التقرير يؤذي كل من يدمنه، الصحة العقلية المدنية والسياسية والشخصية في هذه الأيام تبدأ بزر الإطفاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى