سياسة

نيويورك تايمز: مصر “الكئيبة”.. يتلاشى نفوذها

نيويورك تايمز: مصر “الكئيبة”.. يتلاشى نفوذها

نيويورك تايمز- ليام ستاك

ترجمة محمد الصباغ

حذر عبد الفتاح السيسي -الجنرال الذي أصبح رئيسا- المصريين في خطاب تليفزيوني من أنهم يعيشون في دولة محطمة محاطة بأعداء لن يدعوها وشأنها أبدا.

وقال السيسي في خطابه الذي أذيع في مايو “انظروا إلى بلدكم.. هي شبه دولة وليست دولة حقيقية.”

وتابع أن مصر تحتاج إلى قانون ونظام ومؤسسات قوية لو أرادت قلب هذا الوضع وأن تصبح “دولة تحترم نفسها والعالم يحترمها.”

ومع حدة هذه العبارات إلا أن نطاق واسع من المصريين يشاركون السيسي هذا الرأي.

بعد خمس سنوات من الاضطرابات السياسية والاقتصادية، يخيم على البلاد شعور بالكآبة. فمصر زعيمة العالم العربي التقليدية سياسيا وثقافيا، وموطن ربع سكانه، أصبحت تنظر داخليا فقط وصارت مهمشة سياسيا على مستوى المنطقة بطريقة لم تشهدها منذ أجيال.

وقال نبيل فهمي، سفير مصر السابق إلى الأمم المتحدة، في إشارة إلى الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات “في الماضي كان عبد الناصر يقرر الحرب أو السلام. وكان السادات يقرر السلام أو الحرب.. كان العرب يلحقون بنا عندما نقرر القيام بشيء ما.”

وأضاف فهمي الذي شغل منصب وزارة الخارجية بعد الإطاحة بمحمد مرسي عام 2013، إن ذلك لم يعد يحدث. “مصر يطغى عليها الاهتمام بالوضع الداخلي.”

مع الأزمات الإقليمية في العراق وسوريا واليمن والمعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، يبدو أن مصر لا تمتلك إلا دورا صغيرا مثمرا لتلعبه. اتجهت السعودية وإيران سريعا لملء هذا الفراغ، وبدأتا في منافسة خطيرة حول الهيمنة الإقليمية.

ويعد ذلك تراجعا حادا، مع عدم وجود أي بوادر لإصلاح موقف البلاد الحالي.

منذ عقد معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، عملت مصر كركيزة للنفوذ الأمريكي في العالم العربي. وتعاون الجيشان الأمريكي والمصري بشدة لعقود، وحاربت مصر مع الولايات المتحدة ضد صدام حسين في العراق عام 1991. كما قامت مصر بدور مهم كوسيط بين الإسرائيليين والفصائل الفلسطينية، بالرغم من تخليها عن هذا الدور عبر دعم إسرائيل ضد حركة حماس عام 2014.

لكن تراجع دور مصر الإقليمي قلل من قيمتها للولايات المتحدة، والتي زودتها بما يزيد على 76 مليار دولار كمساعدات أجنبية منذ عام 1948.

وقال، أيساندر العمراني، مدير مشروع إدارة الأزمات الدولية بشمال إفريقيا: “ترى واشنطن مصر كمشكلة وليست مصدرا لإيجاد حل. فالأمر يتعلق بالمساعدات العسكرية وتفضيل البنتاجون التحرك السريع عبر قناة السويس. كما يبدو واضحا أن عناصر من إدارة أوباما لا يهتمون كثيرا بالسيسي ونظامه وعمليات القمع الداخلية وانتهاكات حقوق الإنسان.”

طالما كان النفوذ المصري مستمدا من قدرتها العسكرية والثقافية. كانت مرشدة للوحدة العربية بعد انحسار الاستعمار الأوروبي في القرن العشرين، وساعدت في بناء جيرانها وإنشاء جامعة الدول العربية، وهي الجهود الرائدة في مجال التعاون الإقليمي التي قلما نجدها الآن. أصبح كتابها وفنانوها ومخرجوها أيقونات في المنطقة. وحسم دعاتها وقضاتها مسائل هامة في الشريعة الإسلامية.

وعلّق وزير الخارجية وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، عمرو موسى، والمرشح الرئاسي في انتخابات 2012، قائلا إنه يتشكك في القيام بأي “مغامرات خارجية” مع وجود هذه “المشاكل الكبيرة التي نواجهها.”

وأضاف أن ذلك يجب أن يتغير، وتابع “الدور المصري واجب. ضروري لبناء توازن بين إيران وتركيا.” لكن الطريقة الوحيدة لفعل ذلك “هو إصلاح مصر نفسها وإعادة بناء قوتها الناعمة.”

وقبل أن تستطيع إعادة البناء، على مصر أن تواجه قائمة طويلة من المشاكل. فهي في حرب مع المناصرين لتنظيم الدولة الإسلامية بشبه جزيرة سيناء. كما أن الاقتصاد يتأرجح من أزمة إلى أخرى، مع انهيار السياحة.

تراجع عدد السياح القادمين إلى مصر بنسبة 59.9% منذ يونيو الماضي، وفقا للأرقام الحكومية. كما أغلقت أكثر من نصف الفنادق في شرم الشيخ أبوابها، وهو المنتجع الذي طالما فضله العاملون في السياحة وصناع السلام على حد سواء.

ظلت مصر صامدة جزئيا بفضل الدعم المادي من دول الخليج مثل السعودية التي منحت القاهرة أكثر من 25 مليار دولار، على الرغم من المخاطر التي تواجهها المملكة حاليا بتراجع أسعار النفط العالمية. وتوترت علاقة مصر بالولايات المتحدة وشهدت خلافات حول انتهاكات حقوق الإنسان تحت حكم السيسي، وبسبب الإطاحة بمرسي.

وقال نبيل فهمي، إن تهدئة المخاوف الغربية بسبب الإطاحة بمرسي، هي أحد نجاحات السياسة الخارجية المصرية.

علاقة مصر بإسرائيل قوية أيضا. لكن لم تقم بشيء يذكر في ما يخص الأزمات الإقليمية المتزايدة.

وصرح العمراني: “على مستوى القيادة العليا، لم تمتلك مصر ترف التركيز على الشؤون الإقليمية.” وأضاف أن كبار المسؤولين ركزوا على التهديدات الفورية، مثل الفوضى في الجارة ليبيا وبناء سد النهضة في إثيوبيا.

وبينما ترى واشنطن بشكل عام توقعات قليلة بالنسبة لدور مصر في الأزمات الإقليمية، إلا أنها تعتقد بأن القاهرة قد تكون ذات نفوذ في الجارة ليبيا، حيث تريدها إدارة السيسي دولة مستقرة وغير إسلامية من أجل الخروج من المشهد السياسي الفوضوي والهش. كما أن هناك فائدة من وراء سماح مصر للسفن والطائرات الأمريكية بالعبور بشكل سريع من قناة السويس والأجواء المصرية.

وأعرب عمرو موسى عن اعتقاده بأن العلاقات المصرية السعودية ستشهد مرحلة التقارب الأكبر على الإطلاق، وبالرغم من الضغوط الاقتصادية التي يواجهها المتبرعون إلى مصر بعد قرارهم بأنه “يجب إنقاذ مصر،” وفقا لقول موسى.

وقال موسى إنه مع فراغ مقعد القيادة في منطقة تملؤها الفوضى، ربما تكون مصر والسعودية قادرتين على إبقاء دول كإيران وتركيا أو إسرائيل بعيدة عنه.

وقال “لا أعتقد أنه بعد -لا أريد تسميتها تراجع مصر- عدم توريث الدور المصري، أن هناك دولة واحدة قادرة على الظهور والقول (أنا أستطيع قيادة المنطقة).”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى