ترجماترياضة

نيويورك تايمز: صلاح “الذي لا يخفي إيمانه” في مدينة البيتلز واليسار

بينما تحارب الحكومة الهجرات غير الشرعية فإن الإنجليز صاروا يعشقون مسلما من شمال أفريقيا

نيويورك تايمز- روري سميث

ترجمة ماري مراد ونهال نبيل

 

أصبح روتين محمد صلاح مألوفا الآن، بينما ينفجر ملعب نادي ليفربول لكرة القدم من السعادة حوله احتفالا بهدف آخر من أهداف المصري، يركض صلاح نحو الجمهور القريب منه فاتحا ذراعيه، يقف ثابتا، يستمتع بالمدح العظيم.

بمجرد أن يهنئه زملاؤه، فإنه يسير ببطء إلى دائرة وسط الملعب، يقول نيل أتكينسون، مقدم  بث”آنفيلد راب”،  “ثم يتوقف للحظة”.

يرفع صلاح يديه نحو السماء ثم يركع على ركبتيه في أرض الملعب، يسجد في إظهار عميق لإيمانه الإسلامي، “الجمهور في هذه اللحظة  أصبح هادئا قليلا، يسمح له بفرصة للتأمل”،  يضيف أتكينسون، وتحدث ضجة أخرى حينما يقف، وبعد ذلك يحتفل الجميع مجددا.

 

سجّل محمد صلاح نجم كرة القدم الأوروبية هذا الموسم، 43 هدفًا في 49 مباراة في موسمه الأول في ليفربول، ونقل الفريق إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان، واُختير كأفضل لاعب في إنجلترا لهذا العام من قبل زملائه اللاعبين ومن قبل رابطة كتاب كرة القدم.

كما جعله إيمانه- وإبداؤه  العام لذلك الإيمان- شخصية ذات أهمية اجتماعية وثقافية كبيرة، في الوقت الذي تحارب فيه بريطانيا تصاعد الإسلاموفوبيا، وبينما  كانت سياسة الحكومة خلق “بيئة معادية” للمهاجرين غير الشرعيين، فإن صلاح المسلم الآتي من شمال أفريقيا ليس فقط مقبولا في بريطانيا، بل معشوق.

“هو شخص يجسد قيم الإسلام ويظهر إيمانه” يقول مقداد فيرسى، مساعد الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا، مضيفا: “هو محبوب، وبطل الفريق. ليفربول على وجه التحديد احتشدت حوله بطريقة إيجابية. هو ليس علاجًا للإسلاموفوبيا لكن بإمكانه لعب دور رئيسي”.

صلاح، 25 عاما، اعتاد أن يكون رمزا، ففي مصر تم تأكيده باعتباره كنزا قوميا في أكتوبر العام الماضي، حينما ضمنت ركلة جزاء سددها في الدقيقة الأخيرة لفريقه الوطني مكانا في كأس العالم هذا الصيف، في أول ظهور له في البطولة منذ عام 1990،  وحمل المشجعون، في مدينة الإسكندرية، صلاح على أكتافهم حول الملعب.

وجهه يزين جدران لا حصر لها في القاهرة، وأصبحت لوحة جدارية له خارج مقهى في وسط القاهرة نقطة جذب سياحي، وتعرض أسواق المدينة صوره على كل شيء بداية من أغطية الآسرة إلى الفوانيس، التي تُمنح تقليديا هدايا خلال شهر رمضان، وفي مارس أفيد بأنه حظى بدعم كبير في الانتخابات الرئاسية للبلاد، رغم عدم ترشيحه.

لطالما كان الدوري الإنجليزي الممتاز، والكرة الأوروبية عموما، تحظى بشعبية في مصر، لكن الآلاف الآن يتجمعون بالمقاهي في القاهرة وبارات الشيشة لمشاهدة مباريات ليفربول.

“لم يفعل أى مصري ما فعله محمد صلاح ولهذا السبب فإن صعوده مهم جدا للجمهور” هذا ما قاله أحمد عطا، المحلل المصري في كرة القدم، وأردف قائلأ: “الجميع يراقبون الدوري الإنجليزي الآن. وسائل الإعلام الاجتماعية تغمرها صوره”.

شعبية صلاح ليست فقط نتيجة براعته في الملعب: فتحظى بنفس الأهمية أعماله الخيرية، وقال سعيد الشيشيني، المدرب الذي اكتشف موهبته عندما كان طفلاً في مدينة ناجريج، في دلتا النيل: “هو يتبرع باستمرار بالمال إلى الجمعيات الخيرية وإلى مسقط رأسه. هذا يكفي لجعل أي شخص يعشقه”.

صلاح تبرع بجهاز غسيل الكلى إلى مستشفى في ناجيج، ودفع مقابل أرض لبناء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي وتجديد مركز رياضي عام ومدرسة ومسجد، وقدم أموالا لصندوق استثماري أنشئ لدعم الاقتصاد المصري المتعثر، وفي إبريل شارك في فيديو يدعم حملة حكومية ضد إدمان المخدرات، وفي غضون 3 أيام من إطلاقه، تسبب في زيادة عدد الباحثين عن العلاج بمقدار 4 أضعاف، وفقا لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية.

لهذا لا يرى صلاح أنه في حاجة إلى إخفاء إيمانه الذي لا يفعل إلا أن يزيده شعبية، كما يرى عطا الذي يوضح: “الناس يحبون حقيقة أنه لا يخشى السجود أمام الجميع في بلد غير مسلم وفي زمن يتصاعد فيه الإسلاموفوبيا؛ هذا يبدو نصرًا في نظرهم”.

يبدو الأمر بنفس الشكل للجالية المسلمة بمنطقة مرزيسايد الإنجليزية التي تتضمن مدينة ليفربول، والتي تنحدر من سوريا واليمن وبنجلاديش بالأساس، حيث يعيشون “تحت ضغط” كما يرى أسامة التحابي، إمام مسجد المَسرى بحي توكستيث في ليفربول.

خلال السنوات الأخيرة، أشارت رموز شرطية إنجليزية إلى ارتفاع نسب جرائم الكراهية ضد المسلمين في أنحاء البلاد، مع ارتفاع حاد في جرائم الكراهية التي تتم بدافع ديني بعد الهجمات الإرهابية في باريس وما حولها في 2015، وفي لندن خلال 2016 و2017، وفي مانشستر في 2017. وذكر تقرير صادر في العام الماضي عن المؤسسة الخيرية “Tell MAMA” لمكافحة الجرائم ضد المسلمين أن الجرائم التي تتم بدافع الإسلاموفوبيا ارتفعت بنسبة 47% في 2016.

يضيف فيرسي: “لا يوجد دليل على زيادة نسب هذه الجرائم فحسب، بل يوجد دليل على أنها تتحول إلى أمر عادي أيضًا، ويصبح التعبير عن مشاعر الإسلاموفوبيا مقبولًا في الأوساط العامة. الجو المُسمَّم بالكراهية من الحوار حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والموقف الخبيث لوسائل الإعلام اليمينية ضد المهاجرين، شاركا في تكوين بيئة “يشعر فيها الناس براحة أكبر عند تداول أنباء متعصبة”.

ليفربول واجهت مشكلات من هذا النوع أيضًا، برغم كونها تُعتبر مدينة أكثر ترحابًا بالوافدين ومناهضةً لتوجهات السلطة الحاكم من عدة مدن بريطانية أخرى، بحسب أتكينسون الذي يرى أن هذه المدينة تعرف جيدًا ماذا يعني أن يتم عزلك عمن حولك باعتبارك “آخر”.

هذا هو أحد الأسباب التي جعلت رضوان البربندي، وهو طبيب سوري يعيش في ليفربول منذ 2010، يعتقد أن المسلمين يشعرون “بالأمن والراحة” هناك، فضلًا عن كون ليفربول هي موطن أقدم الجاليات المسلمة في إنجلترا وموضع أول مسجد بالبلاد.

يشير التحاببي إلى أن المدينة “لها تاريخ طويل مع التنوع والاحتفاء بهذا التنوع”، ويذكر أن الكثيرين بالمدينة لا يزالون يرفضون قراءة صحيفة “ذا صن” البريطانية التي قاطعها مشجعو نادي “ليفربول” منذ 1989، بسبب تغطيتها غير المهنية آنذاك لكارثة استاد “هيلزبرة” التي أسفرت عن مقتل 96 من مشجعي النادي، معتبرًا أن المدينة ذات توجهات يسارية.

وبرغم كل هذه السمات، ظلت الشرطة في حاجة إلى زيادة الحراسة على المساجد في ليفربول في أعقاب هجمات 11 سبتمبر بالولايات المتحدة، وبالفعل تم تخريب مسجد في بيركينهيد على الضفة الأخرى المواجهة لليفربول من نهر ميرسي بعد هجوم إرهابي على لندن في 2005. وسجّلت شرطة ميرزيسايد زيادة في معدلات جرائم الكراهية فيما بين عامي 2012 و2016 بنسبة تصل إلى 75%.

لكن صلاح ساعد في “إخماد هذه الضغوط”، وفقًا لرأي الإمام التحاببي، حيث تدوي الأغاني على شرفه في ملعب “أنفيلد”، وهو أرض “ليفربول” المليئة بالحكايات، ويحمل المشجعون أعلامًا تحمل صورته مُتوّجًا بغطاء رأي فرعوني. يتجمهر الناس حوله أينما ذهب، ويطلبون التقاط الصور معه في المطاعم ومحطات الوقود.

هذا أمر طبيعي في مدينة تُعرف بفريقي كرة القدم بها تمامًا كما تُعرف بتراثها الموسيقي كموطن فريق “البيتلز” الغنائي. جيمس ماكينا، من ألتراس Spirit of Shankly المشجع لنادي “ليفربول”، يقول: “نراه الطفل الهادئ المتواضع الذي يرتدي قميص ليفربول ويتحول إلى بطل خارق، إنه تجسيد لحلم كل مشجع”.

لكن حقيقة الاحتفاء بشخص مسلم هامة جدًا أيضًا، بحسب رأي علي عدن البائع أمام مسجد بليفربول، والذي يتابع: “كل مسلم فخور بصلاح، أحيانًا يجعلوننا نشعر أننا مواطنون من الدرجة الثانية، ثم يأتي شخص من الشرق الأوسط إلى مدينتنا ليصبح مصدرا لفخر عظيم”.

يذكر أنور أودين، لاعب سابق وعضو حالي ببرنامج التنوع التابع لاتحاد دعم اللاعبين، أن إحدى الأغنيات التي تكرِّم صلاح تقول كلماتها: “إذا سجّل بضعة أهداف أخرى فسأصبح مسلمًا أنا أيضًا”، وأنها لم تحظَ بالتفات كبير من العالم لكنها جلبت بعض النقد لها؛ لكنه يعتقد أن الكلمات وُضعت بحُسن نية.

ويتابع: “أشياء كهذه يمكنها كسر الحواجز. المشهد البسيط الذي ينحني فيه صلاح داعيًا الله بعد إحراز هدف يمكن أن يساعد في إزالة الوصمة التي يضعها البعض على مشهد المسلمين وهم يصلون”. وهو ما يؤكده التحاببي بقوله: “صلاح يمكنه المساعدة في بناء جسور بين المجتمع المسلم وبقية العناصر بالبلاد، يمكنه أن يُري الناس أننا أقرب إلى محمد صلاح منا إلى الإرهابيين”.

لكن آخرين يرون أن الرسالة التي بعث بها نجاح صلاح إلى المسلمين أنفسهم هي بنفس القدر من أهمية رسائله لغير المسلمين، بعد عودته منتصرًا إلى إنجلترا بعدما كانت موهبته مدفونة في نادي “تشيلسي” الإنجليزي من قبل.

يشير البربندي: “يمكنكم أن تروا التأثير وأن تستشعروه، لقد أصبح المسلمون أكثر نشاطًا وأكثر خروجًا إلى الشوارع وارتفعت روحهم المعنوية. لقد جعلهم يرون كيف أنهم إذا ارتبطوا بعملهم واجتهدوا فيه وآمنوا بأنفسهم فلن يمنعهم أحد من الصلاة أو إطالة لحيتك؛ بل سيحترمك الناس أيًا ما كنت”.

محرر “نيويورك” التقى بشابين قبيل صلاة الجمعة، هما محمد وعبد العزيز، وعبّر الأخير عن حبّه لصلاح طالما أنه لا يحرز أهدافًا في شباك ناديه “إيفرتون” المنافس لـ “ليفربول” بنفس المدينة، لأنه سعيد بما فعله لأجل المجتمع المسلم. وهنا رأى محمد إحدى الفجوات التي رأبها محمد صلاح، حيث أقنع المسلمين أن “الإيمان يأتي أولًا” قبل الميول التشجيعية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى