سياسة

نيويورك تايمز: ريجيني اعتقل لأنه “تحدث بوقاحة”..والشرطة لم تطلب تسجيلات المحلات التجارية

نيويورك تايمز: ريجيني اعتقل لأنه “تحدث بوقاحة”..والشرطة لم تطلب تسجيلات المحلات التجارية

نيويورك تايمز – كريم فهيم – نور يوسف – ديكلان والش – ترجمة: محمد الصباغ

 

في الليلة التي اختفى فيها، غادر جوليو ريجيني منزله ومر بجوار أربع محلات وفقاً لكاميرات مراقبة قد تقدم معلومات حاسمة ، وبعد 10 أيام من الواقعة، ظهرت جثته وعليها كدمات وحروق و كسور، علامات تعذيب لا يمكن الخطأ فيها.

وقال أحد الشهود إن الصور قد أظهرت ريجيني، الطالب الإيطالي، ويقوده رجلان يعتقد أنهم من رجال الأمن المصري. فيما صرّح ثلاثة من مسؤولي الأمن أن ريجيني بالفعل تم احتجازه، مما قد يدعم التكهنات الإيطالية بتورط أيادِ رسمية في مقتله.

لكن الشرطة المصرية لم تطلب تلك التسجيلات إلى الآن، وفقاً لأصحاب المحلات الذين يمتلكون الكاميرات، وهو جانب مما يشير إليه الحقوقيون بأنه ما اعتاد عليه محققو الشرطة –يقصدون الإهمال أو من المحتمل التستر.

لو كان ريجيني مصرياً، فمن المحتمل أن تكون قضيته لا ذكر لها حالياً. قد يكون من بين مئات المصريين الذين اختفوا مع احتجاز السلطات لهم خلال العام الماضي. لكن مصير ريجيني –الذي يدرس للحصول على الدكتوراه بجامعة كامبريدج- قد جذب اهتمام وسائل الإعلام الدولية بالإضافة إلى بدء الحكومة الإيطالية تحقيق رسمي حول الملابسات الغامضة واحتمالية انتهاك الشرطة.

الاهتمام الكبير بالحكومات الأجنبية والقتلى من مواطنيها في الحوادث الأخيرة بمصر –المجزرة التي حدثت بالصدفة ضد السياح المكسيكيين الذين جاؤوا لقضاء عطلة في الصحراء سبتمبر الماضي، وإسقاط الطائرة الروسية في أكتوبر، بجانب مقتل ريجيني- كان له تأثير كبير في تسليط الضوء على التجاهل المعتاد من القاهرة لشعبها.

مع كل تطور في قضية ريجيني يكون هناك لهفة في تناوله من جانب الإعلام الإيطالي، مما يمثل ضغطاً على روما التي بدورها تطالب حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي –شريكها التجاري القوي- بتحقيق شفاف. ونتيجة لذلك، أجبر كبار المسؤلين الأمنيين في مصر على التعامل مع فكرة مقتله بشكل علني. ومن بينهم وزير الداخلية ،مجدي عبد الغفار، الذي عقد مؤتمراً صحفياً نادراً بداية الأسبوع.

لم تعلن السلطات المصرية سواء عن أي مشتبه بهم أو عن إلقاء القبض على أي أشخاص. فيما قال اللواء عبدالغفار إن السلطات حريصة على حل الغموض لكنه نفى أن تكون الشرطة متورطة في مقتل ريجيني.

أما محمد زارع، مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فقال إن القضية تحمل ”بصمات أجهزة الأمن المصرية،“ وربما يؤدي ذلك إلى زيادة التدقيق الدولي على انتهاكاتها المتواصلة.

ويضيف زارع: ”أثناء حديثنا، هناك شخص ما يتعرض للتعذيب أو يواجه معاملة غير آدمية في قسم شرطة. هذا شئ يحدث في كل لحظة. لا اهتمام كبير بموقفهم. لا تلتفت إليهم الحكومة المصرية. يهتمون بالأجانب بسبب الأنظار الدولية المسلطة.“

طالما عانى المصريون لعقود من أجل إنهاء حالة عدم اكتراث الحكام المستبدين من المخاطر التي يواجهونها يومياً، من أجل محاسبة شخص مسؤول عن كل المباني التي تسقط، العبّارات التي تغرق، والقصوربالمستشفيات أو المعاملة السيئة للعمال المصريين بالخارج. أصبحت الحكومة تقاوم أكثر المواجهات مع أجهزتها الأمنية على الرغم من الخوف والغضب المرتفعين من ممارستها المستمرة.

كانت قضية التعذيب الذي تمارسه الشرطة من الأسباب الرئيسية لانتفاضة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. مع ذلك، أصبح التعذيب و الأسلوب المعروف ب”الاختفاء القسري“ بواسطة الأجهزة الأمنية، أكثر انتشاراً في العامين الأخيرين- وفقاً لحقوقيين- مع قيام حكومة السيسي بعملية قمع واسعة للمعارضين السياسيين. لعدة مرات خلال الأشهر الأخيرة، زاد الغضب ضد السلطات بين الرأي العام، فخرجت تظاهرات بعد مقتل محتجزين في الأقضر والإسماعيلية.

وفي يوم الجمعة، تجمع آلاف الأطباء بوسط القاهرة للتظاهر بعد اعتداء رجال شرطة على طبيبين بمستشفى المطرية في الشهر الماضي. كانت إحدى أكبر المظاهرات في مصر منذ منعت الحكومة المدعومة عسكرياً منذ أكثر من عامين  المظاهرات دون ترخيص، ويبدو أن ذلك سيضع السيسي أخيراً تحت الضغط من أجل التصدي لمشكلة انتهاكات الشرطة.

وإضافة إلى هذا الضغط هناك تفاصيل جديدة تشير إلى أن السلطات قد احتجزت ريجيني قبل مقتله.

اختفى يوم25 يناير، ذكرى الانتفاضة ضد مبارك، حينما انتشر رجال الأمن بشكل كبير في أنحاء القاهرة لضمان عدم خروج مظاهرات لإحياء الذكرى. وقال أصدقاء إن آخر ما عرف عن ريجيني هو توجهه إلى مترو الأنفاق بالدقي متجهاً إلى مقابلة أصدقاء له بوسط البلد في القاهرة.

وقال أحمد ناجي ،المحقق الذي يتولى القضية، في لقاء آخر إشارة من هاتف ريجيني كانت من الشارع حيث محطة المترو. وفي حدود نفس التوقيت، قال شاهد، إنه اختفى.

كما قال شهود آخرين إن رجلي أمن بزي مدني كانوا يفتشون عن شباب في الشارع حوالي الساعة السابعة مساءًا، نفس توقيت اختفاء أثار ريجيني. فيما قال أحد الشهودر ،الذي رفض الإفصاح عن اسمه، إنه رأى رجلي الأمن يوقفان الإيطالي. أحدهما قام بتفتيش حقيبته، فيما تفحص الآخر جواز سفره. ثم اصطحباه بعيداً. وأضاف الشاهد أن أحد الضباط تواجد في محيط المكان، في مناسبات عديدة وسأل الناس عن ريجيني.

وقال ثلاثة من مسؤولي الأمن الرسميين في مصر إن ريجيني السلطات قد احتجزت ريجيني لأنه تحدث بشكل وقح مع الضباط. وقال أحد المسؤولين :”كان فظاً جداً وتصرف كشخص قوي.“

وقال الثلاثة –مقابلة كل منهم تمت بشكل منفصل- إن ريجيني الذي كان يقوم ببحث غير رسمي حول الحركات العمالية في مصر، قد دارت حوله الشبهات بسبب الأسماء المسجلة على هاتفه، من بينهم أشخاص من الإخوان وحركة 6إبريل. تعتبر حكومة السيسي كلا المجموعتين أعداءًا للدولة.

قال أحدهم :”اعتقدوا أنه جاسوس. بعد كل شئ، من يأتي إلى مصر لدراسة حول النقابات العمالية؟“

خلال مرات عديدة بعد اختفاء ريجيني، أشار بعض المسؤولين المصريين إلى مقتله في حادث سيارة، أحد ضحايا الجرائم الشائعة، أو ربما بعض الجوانب الغامضة في حياته الشخصية ساهمت في مقتله. نفوا بشكل قاطع كل النظريات التي تربط أجهزة الامن بمقتله.

قال وزير الخارجية سامح شكري، خلال مناقشات القاهرة مع الحكومة الإيطالية، ”لا وجود لمثل تلك التكهنات أو الاتهامات الموجهة“ حول تورط أجهزة الأمن المصرية في الأمر. وأضاف: ”ومن المقلق وجود مثل هذا الانطباع.“

وأكمل شكرى خلال حديثه للراديو الوطني العام: ”لدينا عدد كبير من المصريين المغتربين في إيطاليا، ويتعرضون بشكل يومي لأنشطة إجرامية. لو تكهنت بأن تلك الانشطة مرتبطة بالحكومة الإيطالية، سيكون من الصعب جداً القيام بعلاقات دولية.“

بالرغم من الاهتمام الهائل بالقضية، هناك إشارات قليلة بأن السلطات المصرية تقوم بأي جهود استثنائية للحل. يقول أصحاب المحلات إن أي دليل على الكاميرات الخاصة بهم اختفت بعد أيام من اختفاء ريجيني، لأنها تحذف تلقائياً مع نهاية الشهر.

خلال مؤتمره الصحفي هذا الأسبوع، لم يقم وزير الداخلية المصري بالكثير لطمأنة المتابعين الدوليين حول التحقيقات في مقل ريجيني. قال: ”نحن نتعامل مع القضية، كما لو كان مصرياً.“

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى