مجتمع

مَخرج واحد من الاكتئاب.. روس ويليامسون

مَخرج واحد من الاكتئاب.. روس ويليامسون

depr

One Road Out of Depression

روس ويليامسون

ترجمة نورهان ثروت – بإذن خاص من الكاتب

حسنا، أنا أفهمكم. أغلب الناس لا يفهمون.

عندما يقول أغلب الناس “أنا لا أنتمي إلى هنا”، فهم يقصدون موقفا ما أو مكانا ما. ربما التحقوا بكلية لا تناسبهم، أو بعمل لا يناسبهم.

هم لا يدركون أنك حين تقول ذلك فأنت تقصد أنك لا تنتمي لحياتك.

أنت لم تختر المجيء إلى هذا العالم، تشعر كأنك لا تنتمي لجنس البشر على كوكب الأرض. تحس بالاستياء إذ أحضرتك قوة ما إلى هنا دون موافقتك، والآن أنت عالق هنا. ولا تعلم لماذا.

ربما تمضي الوقت وأنت تفكر في أشياء تدعو إلى الحزن. الحديث أو التفكير في موتك عادة ما يسترعي انتباها غير مرغوب. سيخبرك الناس أنك مكتئب وتحتاج إلى علاج. يا للمفارقة، فالجميع سيموتون يوما.

أعرف ماهية الإحساس بأنك تحيا جحيما شعوريا أغلب الوقت.

لكنني هنا لأعطيك الأمل. هناك مَخرج من كل هذا.

—————————————

“عذرا على الاقتحام، لكنني ظننت أنني أحفر الحائط باتجاه الخارج”، قالها “أبي فاريا” قبل أن ينفجر ضحكا إذ أدرك أنه أمضى السنوات الخمس الأخيرة يحفر للهروب من السجن في الاتجاه الخطأ – كونت دي مونت كريستو

كنت أتلاشى.

كانت السنتان الأخيرتان ضبابيتين. تركت عملي في جوجل، وأنهيت علاقة دامت ثلاث سنوات مع فتاتي التي ظننت أنني سأتزوجها. كنت أُفني طاقتي في شركة تكنولوجيا ناشئة ساهمت في تأسيسها. لم تكن الأمور تجري على ما يرام.

كانت المبيعات صعبة، واجهنا عقبات تقنية لا يمكن التغلب عليها، كنا نبني الكثير معتمدين على موارد قليلة.

كنت أتمشى كثيرا في المنطقة، أشعر أنني أفاوض رجلا مجنونا: “لو أستطيع التماسك لبضعة أشهر أخرى فحسب” خاطبت نفسي، ربما نستطيع بعدها أن نخرج شركتنا من مأزقها، وقد أبدأ بعدها في التحسن.

لكن يبدو أن القانون الراسخ للكون هو أنك إذا أردت شيئا بقوة، فإنك ستظل تبعده عنك. لا شيء يصبح أسهل مع الوقت. لن تظهر فجأة شركة تكنولوجيا كبيرة وتعرض أن تشترينا. قرأت عن الاستحواذ مرات عديدة، وبدا لي أنه سيحدث لنا نحن أيضا من دون شك، إلا أنه لم يحدث. لم يصل أحد لإنقاذنا. كنا وحدنا.

كنت قد هجرت العمل في كبرى الشركات الهندسية سعيا لتحقيق الشهرة والثروة، فلم أحصل إلا على مشاعر الوحدة والاكتئاب والفشل، والقلق المستمر بشأن المستقبل.

الأسوأ من ذلك أنني كنت أعيش حياة غير متوازنة. لم يكن لدي أصدقاء لكوني وافدا جديدا، وقضيت أياما طويلة أتحدث إلى كلبي. لم أكن أذهب إلى العمل، حيث كنت أعمل من البيت، والاتصال البشري الوحيد كان مع شركائي في تأسيس الشركة بضع مرات في الأسبوع.

كنت أقرأ عن تراجع مستوى الذكاء لدى السجناء الذين يودعون الحبس الانفرادي، وفي الوقت نفسه أجلد نفسي على إحساسي العميق بالوحدة معظم الوقت. أخبرت نفسي أني عديم القيمة إذ ليس لي أصدقاء أو حبيبة.

على الرغم من معرفتي أن حياتي غير متوازنة، قلت لنفسي إنني لا أستطع الخروج والاختلاط، فالالتحاق بناد من أجل الجري، أو الانضمام إلى مجموعة من عشاق ألعاب الطاولة سوف يشغلني كثيرا عن شركتي العزيزة. كنت أغذي شيطان الطموح. تشغيل الشركة كان أهم شيء أفعله. لم أعد جيدا بما فيه الكفاية كما كنت، ربطت زوال جميع مشاكلي بنجاح الشركة.

لم أستطع النجاح في المواعدة. إذا حدث إعجاب متبادل، كانت تصيبني نوبة ذعر لشعوري بالسعادة بحصولي على اتصال اجتماعي مجددا. كنت أتعلق بالفتاة مثل رجل وجد ماء في ما كان يهيم في الصحراء يكاد يموت من العطش، وهكذا كنت أدفع أي امرأة بعيدا عني بسبب هذا التطلب.

كانت النساء تتوقف ببطء عن التحدث معي دون أي تفسير. لاحقا، اتضح التفسير الذي كان غامضا.

بعد الموعد الرابع أو الخامس دون تحقيق أي تقدم، أتذكر أنني أغرقت وسادتي بالبكاء مفكرا أني لا أستطيع مواصلة حياتي. كيف أوصلت نفسي لهذا الوضع؟ هنا حيث أحيا في أغنى بلاد العالم في أغنى زمن مر على تاريخ البشرية، وبالرغم من ذلك، وجدت نفسي غير قادر على التعامل مع حياتي بالمرة.

أكره الاعتراف، لكن هذه ليست المرة الأولى التي تراودني فيها الأفكار المظلمة. كان الاكتئاب والأفكار الانتحارية قصة حياتي لحوالي عقد من الزمن خلال مراهقتي وفي أوائل عشرينياتي.

——————————————–

 

التاريخ

أعتقد أن كل شيء بدأ مع اضطراب الوسواس القهري حين كنت في العاشرة.

اضطررت إلى قفل الأبواب في جميع أنحاء المنزل مرات عدة. وكان العدد مهما. إذا نسيت قفله أو قفلت بأكثر منه، سيقتحم شخص ما منزلي ويقتل عائلتي بأكملها، وسيكون هذا خطأي.

على متن الطائرات التي استقليتها، كان يجب أن أنقر على كرسي الطائرة بنمط محدد، وإلا ستتحطم الطائرة ويموت الجميع، ومجددا، سيكون هذا خطأي.

كانت لدي أيضا سلوكيات الوسواس القهري النمطية. كنت أغسل يدي بإلحاح شديد، مقتنعا بأن البكتيريا في كل مكان تحاول قتلي. حتى لو لمست القذارة  قدمي فقط، كنت أعتقد أنها ستزحف على كل الأنسجة التي تربط جسدي وتلتهمني.

في نهاية المطاف جفت يداي ونزفتُ بغزارة لأنني كنت أغسلها عدة مرات يوميا. وكأن ذلك لم يكن كافيا، بدأ جميع من حولي يلاحظون هوس غسل اليدين. قال لي والدي وأصدقائي إن ما أفعله ليس عقلانيا.

ولكن، صدقوني، كنت أدرك أنه ليس عقلانيا. هذه هي المشكلة مع الوسواس القهري. جزء من الدماغ يعلم أنك تتجه للجنون ويكرهك بسبب ذلك، لكن الجزء الآخر مقتنع بأن الأشياء الفظيعة ستحدث وأن لا شئ يمكنك فعله حيال ذلك. في كل مرة  يراودك الوسواس، يتغلغل نمط هذه الأفكار المجنونة بشكل أعمق في عقلك.

توهم القدرة على السيطرة على مصير عائلتك أو طائرة بأكملها هو جحيم من المسئولية ملقى على عاتق فتى في العاشرة. كنتيجة طبيعية لذلك كنت -وأنا بين سن العاشرة والثالثة عشرة- واحدا من الأطفال الأكثر توترا وإرهاقا الذين يمكن أن تقابلهم. إلا أنك لن تستشف ذلك من مجرد الكلام معي.

بعد ذلك بسنوات، قرأت مقالا عن مريض الوسواس القهري ابن التاسعة عشر الذي حاول الانتحار بإطلاق الرصاص على رأسه، فشفاه ذلك من وسواسه القهري.

وكنت أعرف شعوره.

لحسن الحظ، لم أكن مضطرا لتجربة شيء متطرف بهذا القدر لحل أزمتي.

لكن بعد عامين من ذلك، هاجمني الاكتئاب. أتذكر كيف بدأ وأنا في الخامسة عشر، واستمر حتى بلوغي الثانية والعشرين.

لم أعلن أبدا عن اكتئابي بصوت عال. لو كنت تعرفني حينها، لرأيتني شابا سعيدا متفائلا، دائم الابتسام، وظاهريا في مزاج جيد دائما. لم “أنفعل” أبدا، ولم أكن طفلا مشاغبا. لم أتعاط المخدرات أو أهرب من المدرسة. حصلت على درجات جيدة في الثانوية، وحصدت بطولات في السباحة.

لكن في داخلي، كنت أترنح. انتقلت ب”هموم المراهقة” إلى مستوى آخر.

كنت أكرر الاستماع إلى الأغاني الكئيبة:

لم أظن أبدا، أنني سأموت وحيدا.

كنت أضحك بأعلى صوت، فمن كان يتصور.

أنا مكتئب جدا، وغير قادر على الاستمرار.

وستأسفون حين أرحل.

“أغنية آدم” – غناء فريق بلينك 182

لم أخبر أحدا عن شعوري. لا عائلتي، ولا أصدقائي. بصراحة، كنت أخجل من إخبار أي شخص. ظننت أنني مثير للشفقة.

كنت ممن تسلموا مفاتيح ملكوت الحياة. انحدرت من عائلة ميسورة الحال. كان والداي لا يزالان معا، لم أتعرض لأي مآسي عندما كنت طفلا. نشأت في الطبقة الوسطى العليا حيث لا أحد ضربني، لا أحد توفي أو عانى مرضا خطيرا. لم أتعاطى المخدرات، والحي الذي كان نسكنه لم يكن منطقة معارك أو حروب.

وعلى الرغم من كل هذه المزايا، لم أستطع أن أشعر أنني بخير ولا أن أكون سعيدا لبعض الوقت. فكيف لي أن أخبر أحدا بذلك؟ كرهت نفسي لذلك. كان والداي عظيمين، يغدقان علي بمحبتهما، ويحاولان دائما أن يفعلا الشيء الصحيح لأجلي. وعلى الرغم من هذه الأسرة الداعمة، كنت بائسا.

لم أرغب أبدا أن أجعل والدي يشعران بأنهما والدان سيئان، لذلك احتفظت بكل شيء لنفسي. ظنا مني أنني بهذه الطريقة أتصرف “بمسؤولية” أكبر، طالما أنني الوحيد الذي عليه أن يتعامل مع هذا الوضع.

كنت أسمع أسرتي وهم يتحدثون عن الاكتئاب، وعن أشخاص يعانون من “اضطرابات نفسية”، وكأنها أشياء تحدث فقط للآخرين، ولن تحدث أبدا لعائلتنا المثالية. قلما أدركوا أن هناك كاذبا وسطهم. هذا ما كنت عليه، كاذب. كذبت على نفسي حول حقيقتي. كذبت في كل مرة قدمت فيها نفسي لأحد. كذبت على عائلتي وأصدقائي.

“أكره عدم قدرتي على التعامل مع وحدتي”

-مستر روبوت

مرة أخرى، علاقاتي في تلك الفترة لم تكن عميقة. كيف يمكن أن يكون لديك علاقات وأنت منفصل عن حقيقتك؟ وأنت تكره نفسك، تبحث عن الحب خارج ذاتك بدلا من داخلها.

كان الشعور بالوحدة الشديدة رفيقي الدائم. لم يسبق لي أن أخبرت أحدا عن تفاصيل الوسواس القهري، أو الاكتئاب. كنت خائفا جدا أن يروني على حقيقتي، شابا مزقته الجروح. وكرهت هذا الجزء من نفسي. كنت أحتاج إلى الظهور سعيدا وناجحا بأي ثمن.

كنت أنتقل من البكاء، إلى الشعور بالوحدة، إلى الشعور بالغضب، إلى الشعور بالنقص وكره نفسي لذلك.

كنت أنجذب إلى الموسيقيين مثل “إمينيم”. كنت أنجذب إلى أي شيء مظلم وكئيب. أي شيء يتحدث عن الجنون أو الغضب غير المبرر.

أثناء دراستي الجامعية، كانت تراودني أحلام يقظة عن سيارات تصدمني وأنا أعبر الشارع. عن رحلات العودة إلى “سانت لويس”، حيث  كنت أتخيل الطائرة تسقط. وبطريقة أو أخرى سينجو الجميع، وسأكون الضحية الوحيدة.

بتلك الطريقة، تنتهي حياتي، دون أن يكون ذلك خطأي. سيكون الأمر خارج سيطرتي. ولن يتأذى أحد.

كل عام كنت أغدو أكثر تشاؤما، أكثر يأسا، وأكثر وحدة. كنت لا أزال أخفي حقيقتي عن الجميع. ولم أسعَ إلى العلاج إلا بعد مرور سنوات – ظنا مني أن العلاج “للضعفاء”، رغم أنني كنت سأستفيد منه.

———————————

حسنا، كفى حديثا عني. أردت فقط أن أثبت أنني أعلم تماما من أين أتيتم. إذا كنتم مكتئبين أو حتى ذوي ميول انتحارية، فقد مررت بذلك أنا أيضا.

بالنظر للماضي، غالبا ما أشعر بالدهشة كوني ما زلت هنا. كنت عالقا في هوة نفسية عميقة لزمن طويل، ولم أمتلك قط الوسائل اللازمة لطلب المساعدة، لا أحد من أصدقائي ولا عائلتي كان على علم بأن ثمة مشكلة.

يدفعني ذلك للتساؤل كيف استطعتُ الخروج من ذلك الوضع. لدي أصدقاء كانوا على قارب مماثل، لكن بعد عقد من الزمان، أجدهم إلى حد كبير مازالوا كما كانوا، أشخاصا مكتئبين ومتشائمين بذات القدر الذي كانوا عليه قبل عشر سنوات. فلماذا أنا لست كذلك؟

أنا لا أعتبر نفسي صاحب أي قدرات خاصة في هذا المجال؛ بل أن اشمئزازي من نفسي استهلكني لمعظم سنين حياتي.

إلا أني فعلت بعض الأشياء التي لم يفعلها الآخرون، وتعلمت حيلا نفسية قد تساعد من يعاني من نفس الوضع.

لذلك، أقدمها لكم:

الاختيار

لا تأخذ الحياة على محمل الجد، فهي لا تفعل ذلك. الكون يسخر منك

-“ما وراء المطلق”، دافيد جولد

عند هذه المرحلة، كنت كرست آلاف الساعات لكتب المساعدة الذاتية، والعلاج، في تجربة علاجات العصر الجديد مثل “أحواض الطفو” والتأمل، وتعلم كيفية التفاعل مع الناس، حتى أستطيع الدخول في علاقة ناجحة. في وقت لاحق، بدا لي أنني أبذل الكثير من الجهد لمجرد التمتع بحياة معظم الناس ليسوا مضطرين للعمل من أجلها.

فلماذا الانزعاج إذن؟ هل عيش حياة طبيعية يستحق التكلفة والجهد؟

حين كنت في العشرين من عمري، كنت في قاع واحدة من حلقات الكآبة، وحددت خياري.

أتذكر كيف نظرت في المرآة أحد أيام ذلك الصيف، وأخبرت نفسي أنني سأجرب. لم أعد قادرا على الاستمرار في الحياة بنفس الطريقة، لذلك كان أمامي إما الانتحار، أو محاولة تغيير شيء ما، خيار الانتحار أشعرني بالذنب- إذ كنت أعرف أن ذلك سيدمر أسرتي، لذلك انحزت للخيار الأخر. واعتبرت أنه إذا كان والداي قد كرسا الوقت والجهد لتربيتي، فعليَّ أن أثق بنفسي، على الأقل لفترة من الوقت. وعزمت على أن أبذل كل جهدي لأتمكن من أن أعيش حياة أفضل من الناحية النفسية.

لِمَ لا؟ كلنا سنموت قريبا على أي حال. ما الفارق الذي ستحدثه إذا قضيت الوقت في محاولة تغيير الأشياء؟

مع ذلك فقد استغرقت سنوات لاتخاذ خطوة إيجابية حقيقية، وسنوات بعد ذلك حتى بدأت أرى النتائج. ولكن هذا الخيار الواحد أعطاني الوقود الذي كنت أحتاجه للاستمرار عبر كل الظروف. لأنه لِمَ لا؟

فلنفترض أنكم قررتم المحاولة. ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث؟ في رأيي، الأسوأ هو أن تموت. ولكن الجميع سيموتون على أي حال، لذلك فأنت لا تنقذ نفسك من أي شيء.

معظم الناس عالقون في تساؤل “لماذا نحاول؟” وضعهم يبدو صعبا للغاية ويتطلب الكثير من الجهد، ولا يعتقدون أن لديهم أي أمل في النجاح.

لكن السؤال المنطقي بالقدر نفسه هو “لماذا لا نحاول؟”، ماذا ستفعل بوقتك؟

منظور يحرر الروح

الحياة صعبة. هذه حقيقة كبرى، واحدة من أكبر الحقائق. وهي حقيقة كبرى لأننا بمجرد إدراكها، نتجاوزها. بمجرد أن ندرك صعوبة الحياة – بمجرد أن نفهم ونتقبل هذه الحقيقة فعلا-لا تغدو الحياة بذات الصعوبة. فبمجرد تقبلها، لا يعود لمسألة صعوبة الحياة ذات الأهمية.

– “الطريق الذي لم يقطعه كثيرون” تأليف م. سكوت بيك.

كانت واحدة من أكبر مشكلاتي أنني قضيت سنوات بوصفي ضحية، شاعرا بالأسف تجاه نفسي، رافضا بذل أدنى جهد في محاولة تغيير وضعي.

بمرور السنين، أثبتت هذه الاستراتيجية عدم فاعليتها إلى حد كبير.

كنت أهدر التجارب يمينا ويسارا. علاقة في المدرسة الثانوية؟ كلا، لم أخض تلك التجربة. علاقة في الكلية؟ كلا، لم أجرب ذلك أيضا. وبدا الزواج أمرا بعيد المنال. أما الوقوع في الحب، فمستحيل.

بعدها، عندما فكرت في هذه الأمور، طفت كراهية الذات على السطح. بأي حق أشكو من نقص العلاقات وأنا أحيا في وضع متميز؟

معظم الأيام، كنت أشعر عادة بالحزن، ولكن في بعض الأحيان يتدفق الغضب لدرجة الغليان كذلك. لم أكن أدرك السبب ظاهريا، كان يسيطر علي بشكل لا يصدق، ألا أفقد أعصابي لأي سبب. سوف أسمح له فقط بالظهور عندما أكون وحيدا أستمع للموسيقى.

كنت غاضبا على الوسواس القهري عندما كنت أصغر سنا. كنت غاضبا من وجود القلق الدائم. كنت غاضبا من أن أمضى معظم حياة المراهقة والنضج في مأساة عاطفية. كنت غاضبا من عدم قدرتي على إخبار أحد بأي شيء. كنت غاضبا من ذلك الشعور الجارف بالوحدة معظم الوقت.

ولكن في صميم الغضب كان ثمة إحساس بأنني لا أستحق ذلك. ظننت أنني أستحق حياة سعيدة وسليمة. ولم يمضي وقت طويل حتى بدأت أفكر أن الكون ليس مدينا لي بأي شيء، أنني كنت فعلا قادرا على التغير.

أدركت أنه لا يوجد سبب لاستحقاقي حياة”جيدة”. فمن الذي يضع القواعد؟ من الذي يحدد ما هو المنظور الصحيح؟ ربما لم أكن استحق إلا حياة القلق والحزن.

عندما اعتمدت منظور أنني لست “دائنا” لأي شيء، حررني ذلك. وسمح لي بتقبل ما أنا عليه، وتحمل مسؤوليته، ومن ثم المضي قدما. أفكار مثل “لست مضطرا لفعل شيء” لأنني “أستحق أن أكون سعيدا” كانت تعترض سبيلي فيما مضى. وفور أن أزحتها جانبا، وجدتني قادرا على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتغيير الأمور.

أحد أبطالي، ويليام جيمس، “أبو علم النفس الأمريكي” توصل لاستنتاج مماثل. في أواخر عشرينيات القرن الماضي، بعد أن فشل في كل شيء، وأمسى على حافة الانتحار، قرر جيمس أنه قبل أن ينتحر، سيقضي عاما في تحمل المسؤولية كاملة عن كل شيء. كان ذلك بمثابة الأساس لكل ما استطاع تحقيقه، والباقي تاريخ.

لن يمكنك أن تفعل شيئا دون الاعتراف أن هناك مشكلة ما. وبمجرد أن تدرك المشكلة، عليك أن تتحمل مسؤوليتها، قد لا تكون غلطتك ولكنها جزء من وضعك الحالي، لذلك فإن مسؤوليتها تقع على عاتقك. وبمجرد أن تتحمل مسؤوليتها تستطيع التحرك لحلها. وبمجرد أن تبدأ في التحرك ستبدأ الأمور بالتحسن.

 

قوة الإيمان

تحول تعبير “الإيمان” في ثقافتنا المهووسة بالعلم والتكنولوجيا إلى كلمة قذرة. إلا أنني لا أتحدث هنا عن أي شيء مرتبط بالدين. بل أعني قدرة الإنسان على اختيار ما يؤمن به.

فالوسواس القهري نابع من تصوراتنا الخاطئة. أنت تتصور- على عكس الحقيقة- أن لديك القدرة للسيطرة على الأشياء. تعتقد أن الاطمئنان على إغلاق أقفال المنزل مرارا وتكرارا يؤثر في مصير أسرتك. تعتقد أن عدد المرات التي تغسل فيها يديك سيمنع عنك الموت. تعتقد أن النقر على مقعدك بالطائرة سيمنع تحطمها. أنت عالق في تصديق أشياء لا أساس لها من الصحة.

هذه المعتقدات الزائفة قادرة على جعل حياتك بائسة، ويمكن لاختيار معتقدات صالحة أن يغير كل شئ.

واحدة من أكبر المعضلات النفسية التي واجهتني هي كيفية تصديق أنني قادر على التغيير دون امتلاك دليل على أن التغيير ممكن.

على سبيل المثال، كيف يمكن أن أصدق أنني سأصبح سعيدا بينما أمضيت الجزء الأكبر من شبابي المبكر، ما يقرب من عشر سنوات، أعيش حالة من الاضطراب النفسي؟ لم يكن لدي أي دليل على أن أي شئ سيتحسن. بل إن النظر إلى الأمور يشير إلى أن الأوضاع تتجه دائما إلى الأسوأ. لقد ظلت تسوء لسنوات. الشيء نفسه ينطبق على العلاقات: كيف يمكن لي تصديق أنني سأنجح في إقامة علاقة بينما تثبت كل خبرتي السابقة العكس؟

الجواب هو أنني قمت بقفزة ثقة. قررت الإيمان بأن سعادتي أمر ممكن، رغم عدم وجود أدلة تدعم ذلك. قررت الإيمان بأن علاقة غرامية ممكنة، أيضا دون وجود دليل على إمكانية ذلك.

اتضح لي أن هذا كان تطورا مذهلا للأمور. إذا استطعت إقناع نفسي بأن النتيجة الجيدة ممكنة، سيكون بإمكاني إيجاد مبرر لبذل جهد تجاه هدفي. المتفاح هنا هو أنني لا أحتاج إلى أية بيانات أو حقائق لدعم التصورات الجديدة التي أحاول بناءها عن نفسي. فإذا أفادتني وأسعدتني سوف أبقي عليها، وإذا سببت لي البؤس سأتخلى عنها.

فمن يعرف إن كنت حقا قادرا على فعل شئ مثل بناء العلاقات؟ الإيمان باستحالة ذلك مساو للإيمان بإمكانيته. لا تستطيع إثبات أيهما صحيح بشكل موضوعي، لذلك فبإمكانك اختيار ما سيفيدك أكثر. من تجربتي، حين سمحت لنفسي بالإيمان، تبين أن كل ما آمنت به وجد طريقه للظهور في الواقع.

الإيمان قادر على خلق دائرة رائعة.

faith

تؤمن بأنك قادر على إنجاز شيء ما، فتبذل الجهد في سبيله. هذا الجهد يقود إلى بعض النجاح، والنجاح يعزز ثقتك بنفسك.

في حالتي بدأت أدرك أنني لست بالسوء الذي أظنه، وأنني أستطيع الحصول على قدر من السعادة، بما يعني أنني قادر على بناء العلاقات في النهاية.

أن تحيا حياة الآخرين

الجحيم، في رأيي، هو ألا تعثر على ذاتك الحقيقية وألا تحيا حياتك الخاصة وألا تدرك حقا من أنت.

– “مداواة الخزي الذي يعيقك”، تأليف جون برادشو.

نشأت في عائلة تنشغل بالإنجازات. حياتي كلها كانت تدور حول الإنجازات. حصلت على درجات جيدة في مراحل الدراسة الابتدائية، الإعدادية، الثانوية. أبليت بلاء حسنا في امتحاناتي المختلفة. وكنت بطلا في السباحة. ذهبت إلى كلية جيدة، حيث أصبحت مدمنا على العمل. كانت تلك إحدى الطرق التي أتعامل بها مع كل شي. تخرجت خلال ثلاث سنوات ونصف حاملا شهادتين بينما كنت أعمل بدوام جزئي.

كان العمل والإنجاز يمثلان البقعة المضيئة في حياتي. انغمست في دراساتي، وكانت لحظة حصولي على درجات جيدة من اللحظات النادرة التي أسمح فيها لنفسي بالشعور بالسعادة.

بعد التخرج، ذهبت إلى جوجل، حيث عملت ما بين عشرة واثنتي عشرة ساعة يوميا. لم تكن جوجل كافية بالنسبة لي، لذلك أسست شركتي الخاصة. وكان نجاحي كرائد أعمال في مجال التكنولوجيا هو ذروة الإنجاز في نظري.

تركت الرغبة في  الإنجاز تستنزفني، لدرجة أنني منعت نفسي من الاختلاط بالناس لأنني اعتبرت ذلك مضيعة للوقت. في الواقع، كان الاختلاط بالناس مضيعة للوقت في نظام يعلي من قيمة تكديس الأموال وجمع النياشين.

أتذكر نظرتي المتعالية لعمال المقاهي التي اعتدت ارتيادها. لم يكونوا يشغلون وظائف لامعة كوظيفتي، وفي الغالب لم يكن لديهم أية ممتلكات. وقياسا على ما يصدره الحلم الأمريكي، كانوا مجرد خاسرين، وكنت أنا الرابح.

لكنني أدركت بمرور السنوات أن هذا التصور أصبح بمثابة سجن بالنسبة لي. هؤلاء كانوا أكثر سعادة مني. لم يأخذوا الأمور بذات القدر من الجدية. كانوا أحرارا.

بعدها أدركت أن منظور الإنجازات لا يمثلني. كنت أظنه كذلك، إلا أن ذلك لم يكن صحيحا.

كان التخلي عن شركتي الناشئة والعودة على عقبي إلى الشركات الكبرى في أمريكا واحدا من أكثر القرارات صعوبة. أرعبني القرار لأنه مثل ارتدادا عن معتقداتي وذهنيتي التي تقودها الإنجازات. وبدلا من مطاردة الأحلام اخترت الركون لراتب آمن وساعات عمل عادية.

للمفارقة، أسعدني ذلك بشكل مثير للسخرية. أدركت أنه ليس علي مطاردة شغفي لأكون سعيدا، العمل في وظيفة والحصول على الراتب جعلاني كذلك. كانا كافيين بالنسبة لي، بالنسبة لـ”أنا” الحقيقي، وليس “أنا” الذي يجبرني على العمل لعدد سخيف من الساعات على حساب بقية تفاصيل حياتي.

أدركت أنني أقدِّر الدخل الثابت والآمن للعمل كموظف أكثر مما أقدِّر عدم اليقين الذي صاحب مطاردتي للإنجازات كرائد أعمال في التكنولوجيا.

قبل إدراك قيمي الخاصة، كنت أفتش خارجي عن خارطة طريق. استمعت لخطب “ستيف جوبز”، وقرأت كتبا تحمل عناوين مثل “كيف تعثر على شغفك” لم يكن لدي أدنى فكرة عما أريد حقا. نظرت للمقاييس الـ”موضوعية” للنجاح على أنها ما أريده لحياتي.

أما حين فهمت نفسي أفضل، فقد أدركت أنني لست في حاجة إلى شهادة من الآخرين لتبرير ما أفعله. من يهتم إذا كان العمل لشركات كبيرة يثير سخرية مجتمع “رأس المال المغامر” بأسره، ومؤسسي الشركات الناشئة، وذوي الحيثية في عالم صناعة التكنولوجيا؟

العمل في شركة كبيرة يرحمني من الإجهاد، ويسعدني، وهذا كاف.

على الأغلب سأظل شخصا دائم الطموح، بالمعنى الطبيعي للكلمة، لكنني أتمنى ألا أسمح للطموح بأن يصير عقبة في طريق حياة طبيعية لي.

—————————————

الآن، قد تكون أدركت أنني لا أستطيع إخبارك بالضبط كيف تجد طريقك للخروج من الاكتئاب. ليس هناك مسار ثابت. بالنسبة لي كان أشبه بالضياع في الغابة لسنوات، صارخا دون أن يستطيع أحد سماعي، ولا أحد كان سيأتي لإنقاذي.

ما جعلني بائسا يختلف على الأرجح عن ما يجعلك بائس، وأنا لا أستطيع أن أعرف ما تمر به. ربما كنت تتعامل مع شيء أبعد من مخيلتي. من الممكن أن يكون قصم ظهرك. لدى كل منا شياطينه الخاصة، ما يعني أنها تحتاج إلى أنواع مختلفة من الأسلحة لقتلها.

إن وظيفتي ليست رسم طريق لك، ولكن إعطاؤك الأمل. لدي العشرات من الـ”ناصحين” جاؤوا على هيئة كتاب وموسيقيين رافقوني في رحلتي، حين لم يكن أحد يدرك ما أعانيه، أثناء إحساسي العميق بالوحدة. تلقفت الكتب المناسبة على “اللاب توب”، في الوقت المناسب لحاجتي. كان لدي أشخاص وصلوا في اللحظة المناسبة. كان لدي الأفلام والموسيقى التي تريحني وتمنعني من الجنون.

إذا كنت تحس بالوحدة وأن لا أحد يفهمك، تذكر أنك لست وحدك أبدا.

لا يجتاز الجميع “أزمة الروح” هذه، وأنا لن أشعرك بالخزي وأدفعك إلى أن تعيش حياتك. أنا واثق من كونك حاولت بالفعل، قد تكون وصلت إلى نقطة لا تجدي معها مثل هذه الحجج العقلانية.

ولكن إذا قررت أنك ستحاول تغيير حياتك، كل ما سأخبرك به أن تمضي قدما. فأسوأ شئ يمكن أن تفعله هو الكف عن المحاولة.

لا تفهمني بشكل خاطيء، فأنا لا أتهمك بأي شيء. أنا نفسي “توقفت عن ذلك” لسنين، غارقا في رثاء نفسي، حين لم أكن أصدق أن لدي القوة لجعل أي شئ أفضل. إذا واصلت التقدم، ستشعر بنفسك تتغير جذريا خلال فترة وجيزة، وأتمنى أن تكون رحلتك إلى خارج الظلام أقصر من رحلتي.

اختر شيئا واحدا تعتقد أن بإمكانه تحسين وضعك، وافعل شيئا بشأنه. تلك الخطوة الصغيرة قد تفضي إلى أخرى، مما سيقودك إلى ألف خطوة إلى خارج الظلام.

———————————————-

لا حلاوة بلا مرارة

– “فانيلا سكاي”

قد لا أكون شهيرا، ولا رجل أعمال ثري، ناهيك عن بطل رياضي أو من المشاهير. ولكن أستطيع أن أقول إنني كنت حزينا لوقت طويل، واليوم، أنا بخير. لقد ظللت بخير لسنوات، ولم أعد أشعر بالوحدة.

لا زلت أمر بأيام سيئة، كالجميع، وأنا متواضع كفاية ولا أقول إن هذا الوضع سيستمر للأبد، إلا أنني لن أزحف عبر حياتي ثانيةً، للابتعاد عن حافة اليأس. كل الأمور لم تعد تبدو صعبة ولا مستحيلة، ومقارنة بحالتي قبل عشر سنوات، فإن حياتي سهلة. لا أشعر بأنني أجرجر خلفي جبلا نفسيا أينما ذهبت.

أكثر ما يدهشني هو الشعور الهائل بالسرور الذي أحس به عدة مرات كل أسبوع عند النظر إلى الجبال، السماء الزرقاء الكبيرة، أو نجوم الليل. كذلك أجد سعادة في أكثر الأشياء اعتيادية. أجد نفسي أحيانا معجبا بالنظام الذي تفرضه إشارة المرور، أو كيف يسير طابور الدفع في السوبرماكت بانتظام لا تشوبه شائبة.

تملأ الدموع عيني، وأنا أشعر الامتنان يختمر في صدري. ممتن لدرجة أن الدماء ما زالت تجري في عروقي، وأنا محظوظ جدا لوجودي هنا في خضم هذه التجربة البشرية الغريبة، مهما كانت مقتضبة. ربما لن أختار بشكل واعي أن أختبر حياتي من بدايتها من جديد، ناهيك عن حياة شخص آخر بمجموعة جديدة من المشاكل التي لا أستطيع حتى أن أتخيلها، ولكن يمكنني الاستمتاع بمرور شريط حياتي في رأسي للحظة.

يمكنني أن أقول لك أيضا إن الكليشيهات صحيحة. الظلام قطعا يجعل الضوء أكثر إشراقا. إذا واصلت طريقك، قد تجد نفسك مصدوما باستيقاظك في عالم ساطع بالنور، حيث لا تخيفك كل الآلام والمعاناة كالسابق. ومن الممكن أن تركع امتنانا لدرجة قد ينفجر قلبك معها من السرور.

بعدها قد تجد نفسك تتأمل في أن الحياة تستحق بالرغم من كل شئ.

تذكر فقدان الأمل، تذكر الإحباط، تذكر كل تلك الأحاسيس واليوم الذي توقَّفَت فيه.

-“براءة”، غناء “أور ليدي بيس”

حظا موفقا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى