سياسةفيديو

موقع فايس: إغلاق مقاهي البورصة ..الثورة لن تخرج من هنا

موقع فايس الأمريكي يحقق: لماذا تحولت منطقة مقاهي البورصة إلى منطقة أشباح؟

Photos by Aly Hazzaa

Vice  – لورينا ريوس – ترجمة: محمد الصباغ

في الساعات الأولى من صباح الجمعة 13 مارس، قامت السلطات المصرية  “بتحضر” غير مسبوق بالتحرك إلى منطقة البورصة المليئة بالمقاهي بوسط البلد من أجل إغلاقها. وقف ملاك 36 مقهى، و 21 محل، مع أصحاب عدد قليل من الأكشاك دون القدرة على فعل شئ إزاء قيام السلطات بإنهاء مصادر رزقهم، كل ذلك حدث قبل أن تستيقظ المدينة و تشهد على ما حدث.

جمعت المئات من الكراسي البلاستيكية و صارت مكسوة بالغبار، بعد أن كان يجلس عليها في الليلة السابقة أنماط مختلفة من الزبائن،  بداية من محبي كرة القدم، و الشباب الذي لا يجد عملاً، و المرتبطون المتحفظون، و الممثلون، و الرجال في بذلاتهم  والسيدات بالحجاب. أثناء الإزالة،  أطلقت النساء الزغاريد من شرفات منازلهن.

الإغلاق المفاجئ لمقاهي البورصة كان له أثر اقتصادي على كل من مجتمع وسط البلد و طبيعة منطقة وسط القاهرة. جاء هذا التحرك كجزء من قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ”تنظيف“ وسط البلد من مستنقع الأعمال غير الرسمية الذي نما عقب ثورة 2011. إزالة مقاهي الشوارع ليست الخطوة الوحيدة تجاه إنفاذ القانون، كما صرح رسمياً، بل كإشارة إلى أن النظام يستعيد مناطقه المفقودة و يفرض سيطرته على الاماكن العامة بالمدينة، مقاهي الشوارع.

خالد، صاحب مقهى بمنطقة البورصة- Photos by Aly Hazzaa

منذ شهرين أصبح  خالد ،28 عاماً، لا يملك دخلاً. شاب من أسيوط بصعيد مصر –من القرية التي أنجبت المحبوب جمال عبد الناصر- و يعد خالد واحداً ضمن 30 مالكاً لمقاهي تأثرت بالإغلاق. و من العش الكئيب، الملئ بالصراصير و الظلام يلوح بالأفق، يحاول خالد أن يفهم الحتميات التي أدت إلى سقوط أكبر شارع للمقاهي في القاهرة.

افتتح خالد مقهاه عام 2002، و ناور مع القانون بخطورة حتى حصل على تصريحه عام 2009. و قال مظهراً ترخيصه الذي لم يحمه ”الأمر جدّي هذه المرة“. في السنوات الأخيرة، تميز الاقتصاد المصري المتعثر بفترة من النمو البطئ، و زيادة عجز الموازنة و نقص العملة الأجنبية بالإضافة إلى زيادة البطالة. و نتيجة لذلك اتجه الناس إلى الاقتصاد غير الرسمي، و هو مصدر لعشرة ملايين وظيفة في مصر، أو 85% من المؤسسات المتوسطة و الصغيرة.

يقول عم محمد ،صاحب مقهى البلد، ”الحكومة توقفت عن تقديم تراخيص الشيشة في التسعينيات“. كل ما يحتاجه تحويل رصيف على الطريق إلى ”قهوة“ هو وضع  كراسي بلاستيكية. لكن إدارة أماكن اللقاءات الأكثر شهرة و مساواة في مصر هي جزء من نظام مبهم، إذ يتطلب تقديم الشيشة ترخيص خاص – مثل الطعام و الشراب- و فيه أيضاً يتعلم ملاك المقاهي السير عبر حقل ألغام.

يضيف عم محمد  ”هي فقط فكرة خطرت للحكومة“، مشيرا إلى إغلاق المقاهي. تعمل إلى حد ما معظم مقاهي الشارع بالقاهرة بدون ترخيص، مما يجعل ملاك مقاهي البورصة يتشككون في مبرر الحكومة الرسمي للإغلاق. و يقول أيضاً ”منطقة وسط البلد تأثرت بالكامل، لكنهم لم يعطونا أي طريقة لنقنن أوضاعنا، ما المفترض أن نفعله؟“

بعد انتفاضة 2011، أصبحت منطقة البورصة مركزاً للشباب بسبب قربها من ميدان التحرير، و بالخصوص الشباب الثوري. هذه المجموعات من الكراسي بالشوارع حددت ملامح المناخ العام في القاهرة. فمع لعب الطاولة و شرب الشيشة كان التخطيط لثورة أو الابتعاد عنها. خلال السنوات الأربع الماضية شهدت مقاهي البورصة حملات أمنية لدورها في دعم الثورة، و أيضاً بسبب سمعتها السيئة بوجود مروجي المخدرات، و بائعات الهوى و المثليين.

يقول خالد ”مع حملات القبض الأولى  توقف الثوريون عن القدوم.  كانوا يقولون ( احنا الثوار ) أو (إخوان). قد يقولون حتى  (إننا موتى).“

و يضيف خالد ”أنا ميت، ولم أعد أبالي.“

Photos by Aly Hazzaa

ثقافة تلك المقاهي تعكس حقيقة مصر المعاصرة. يقول أحمد ”كل مقهى في وسط البلد لديه طابعه الخاص.“ و هو المتعطش للمقاهي و المعروف بتواجده كثيراً في مقاهي وسط البلد. فبينما بعض المقاهي المزدحمة مثل (سوق الحميدية، و الندوة، و التكعيبة)  معروفة بجذبها للفنانين و الراقصات و النشطاء و المغتربين، جعلت أرصفة المشاة بمنطقة البورصة المقاهي  أكثر شمولا وتنوعا.

تهيمن الذكورية على ثقافة المقهى في مصر. فيقضي الرجال ساعات يومياً على المقاهي، قبل و بعد العمل، وسواء عاملين أو عاطلين. لكن منطقة البورصة كانت مكاناً ابتُكر فيه جلوس النساء مع أصدقائهم و تدخين الشيشة، و هو الفعل الذي يعتبر تحد ما. يريح حجم و موقع و أجواء مقاهي البورصة الشباب المصري من شدة الوضع الحالي.

و تتباين مشاعر ملاك مقاهي البورصة بين اللامبالاة و الخوف إلى الغضب من إغلاق المقاهي التي كانوا قريبين منها.  أما بالنسبة لخالد فالأمر ”أكل عيش“، ويفسر الإغلاق المفاجئ قائلاً ”يعتقدون أن الثورة القادمة ستخرج من البورصة“.

و بالقرب من المنطقة يروي أحمد بأسنانه القليلة المفقودة القصة من وجهة نظره فيقول ”هددتني الشرطة بالإغلاق حتى لو وضعت كرسييا احدا خارج المقهى“. مثل كل مقهى في المنطقة المحيطة تأثر أحمد بشدة من الأمر و أصبح يراقف بحذر زبائنه الشباب. يضيف ”المشكلة في الشباب، مقاهي البورصة كانت غبية  لتركها الزبائن يفعلون ما يريدون.“

أما طارق عطية ،ناشر جريدة منطقتي التي تغطي منطقة وسط البلد، فيقول ”كانت مقاهي البورصة محط اهتمام الحكومة لمدة 4 سنوات و كان هناك جهد قانوني لإغلاقها“. تشمل المنطقة مزيجا من المباني السكنية و المالية بطريقة غير مدروسة. و في السنوات التي تبعت انتفاضة 2011، فقدت السلطات السيطرة على المقاهي، و بدأت المقاهي باحتلال الشوارع و أعاقت حياة السكان و العاملين بالمنطقة. و يضيف عطية ”المقاهي أرادت كل الحصول على كل شئ“. و كان عطية متدخلاً في جهود تنظيم الأمر و الوصول إلى حلول وسط بين كل من السكان و المقاهي و الحكومة. و تم توقيع عرائض كمحاولة لإشراك المجتمع في الأمر و الوصول إلى إجماع لكن الأمر لم يتحقق.

و من داخل مقر جريدة منطقتي أكمل عطية حديثه ”أساس المشكلة هو التخطيط السيئ من جانب الحكومة“. يظهر انعدام كل من الشفافية و المشاركة الديمقراطية للمجتمع في عملية اتخاذ القرار الحكومي.  و أضاف عطية أن الآن ضاعت ثقافة منطقة البورصة النابضة بالحياة  فأصبحت مجرد منطقة لركن السيارات، و أضاف أن تلك القرارات –الحكومية- يتم اتخاذها ”في الغرف المغلقة“.

أما رئيس تحرير جريدة منطقتي يحيي وجدي ،الذي يتابع الأزمة منذ يناير، فيقول إن الإغلاق لم يكن بالأمر المفاجئ. فبسبب الموقف غير القانوني لأغلب تلك المقاهي،  التي قام ملاكها بمساندة السلطات خلال حملات النظام الأمنية. و يقول وجدي ”بعد أن فقدت البورصة زبائنها الرئيسيين، اجتذبت نوعا من الناس يستمتع بالموسيقى المرتفعة و مباريات كرة القدم.“ و مع الوقت حدثت الاحتكاكات بين السكان و أصحاب المقاهي مما جعل السلطات تتخذ هذا القرار الصارم بالإغلاق بدلاً من التنظيم.

لم يستطع أطراف المشكلة في البورصة  التوصل إلى اتفاق، و الآن قامت الحكومة بإغلاق المقاهي التي كانت  تحقق أموالا (يتابع وجدي ساخرا)   أكثر من ”البورصة المصرية“ نفسها.

حتى مع رفض ملاك المقاهي التحدث في الأمور السياسية، فإن تنفيذ الحكومة الصارم  للقانون جعل الملاك مثل عم محمد يتساءلون ”لماذا تغلق مقاهيهم الآن بعد أن عمل بعضها لمدة 18 عاماً؟“.  بينما يعتبر البعض قرار الإغلاق  نقمة  ويعتبره آخرون  نعمة،  فإن منطقة البورصة صارت الآن مدينة أشباح و نموذجاً مأسوياً على نهج في بناء المجتمع فيهيجعل ما يكسبه طرف هو ما يخسره الطرف الآخر. يقول خالد ”الرئيس شخص جيد، لكن الحكومة سيئة“. هذا التصريح يجسد مأزق المصريين في التعامل مع قرارات حكومتهم.

سنرى هل ستعود  البورصة كمنطقة لقاءات شرائح كبيرة من المصريين أم لا،  يقول عم محمد ” أقم نظاماً لكن لا تغلق المقاهي.“

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى