ترجماتمنوعات

موعد مع الموت.. هكذا نفكر قبل وفاتنا

  • يعتقد بعض الباحثين إننا نتمسك بمعتقدات معينة لتجنب خوفنا من الموت

 

المصدر: BBC Culture – By Rachel Nuwer

ترجمة: رنا ياسر

سوف تموت أنت وكل شخص عرفته في يوم من الأيام، ووفقًا لبعض علماء النفس، فإن هذه الحقيقة المُزعجة تكمن دومًا في مؤخرة أذهاننا، إلا إنها وفي النهاية تؤدي إلى كل ما نقوم به، بداية من اختيار ذهابنا إلى المسجد أو الكنيسة، وتناول أنواع معينة من الطعام  والذهاب لصالة الألعاب الرياضية أو تحفيز ذاتنا لإنجاب الأطفال وكتابة الكتب أو إنشاء شركات أعمال.

وبالنسبة للأشخاص الأصحاء، فإن الموت يكمن في الجزء الخلفي من عقولهم، ويمارس تأثيره على مستوى اللاوعي. “ومعظم الوقت، نحن نمضي أيامنا دون إدراك، ولا نفكر في وفاتنا”، حسبما يقول  كريس فيودنتر، طبيب الأطفال وخبير الأخلاق في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا وجامعة بنسلفانيا، مؤكدًا “نحن نتكيف بالتركيز أكثر على الأشياء التي أمامنا بشكل مباشر”.

ولكن ماذا سيحدث  لو أن هذا الغموض الذي يحيطنا صار إلى زوال؟ وماذا لو تم إبلاغنا بالموعد المحدد والطرق التي سنتوفى بها؟

على الرغم أن هذا مستحيل بكل تأكيد، إلا أن النظر المتأني في هذا السيناريو الافتراضي يمكن أن يلقي الضوء على دوافعنا كأفراد ومجتمعات، وأن  يعطي إشارة إلى كيفية قضاء وقتنا المحدود على هذه الأرض، هذا ما طرحه تقرير شبكة “بي بي سي” البريطانية.

أولاً، دعنا نوطد ما نعرفه حول كيف يُشكل الموت السلوك في العالم الحقيقي. ففي عام 1980، أصبح علماء النفس مهتمين بمعرفة كيف نتعامل مع الخوف والقلق الهائل على نحو محتمل، مع إدراك إننا لسنا أكثر من “أجساد تتنفس، وتقضي حاجتها، وأن الوعي الذاتي لها يمكن أن يموت في أي وقت”، تبعًا لما قاله شيلدون سولومون، أستاذ علم النفس في كلية سكيدمور في نيويورك.

إذ يعتقد بعض الباحثين إننا نتمسك بمعتقدات معينة لتجنب خوفنا من الموت، ووفقًا لـ”نظرية إدارة الخوف”، وهو المصطلح الذي صاغه سولومون وزملاؤه للنتائج التي توصلوا إليها، والتي تفترض من خلال هذه النتائج أن البشر يتبنون المعتقدات المبنية ثقافيًا، وأن للعالم معنى، وأن لحياتنا قيمة لتجنب ما يمكن أن يؤدي إلى الخوف الوجودي.

ففي أكثر من ألف تجربة تمت مراجعتها من خلال الباحثين، وُجد أنه عندما يتم تذكيرنا بأننا سنموت، فإننا نتشبث بالمعتقدات الثقافية التأسيسية ونسعى جاهدين لتعزيز إحساسنا بقيمة الذات، كما نصبح أكثر دفاعًا عن تلك المعتقدات، ورغم ذلك فإننا نصبح  أحيانًا أكثر ازدراءً وعنفًا تجاه أشخاص آخرين لا يفكرون بنفس النهج.

ولكن على إثر ذلك، كيف تبدو بعض هذه التغيرات؟

عندما نتذكر الموت، نتعامل  بشكل أفضل مع أولئك الذي يشبهوننا  من الناحية السياسية والأصل الجغرافي والمعتقدات الدينية، ونصبح أكثر عنفًا تجاه الأشخاص الذين لا يشاركوننا هذا التشابه، ونتمسك بشركائنا الذين يثبتون وجهة نظرنا حول العالم ونميل إلى الأفراد الذين يتمتعون بشعبيتهم  ويعملون على طرد هذا الخوف.

أفكارنا في الموت تزيدنا حماسة ووطنية
يُمكن لأفكارنا في الموت أن تجعلنا أكثر وطنية، في الوقت الذي تشهد علاقتنا تعاطفًا أكثر مع الغرباء ونصبح  أكثر عدمية – أي رؤية الحياة بلا جدوى- وأكثر ميلاً للتسوق والتدخين وتناول الطعام والشراب، وأقل اهتمامًا بالبيئة المحيطة.

فإذا علم الجميع فجأة موعد وفترات زوالهم، فيمكن للمجتمع أن يصبح أكثر عنصرية وكرهًا للأجانب، وأكثر ميلاً للترويج للحرب، ويصير مدمرًا للبيئة أكثر مما هي عليه بالفعل، ولكن لأن هذا لم يتم تحديده مسبقًا، يأمل الباحثون مثل سولومون، من خلال الإلمام بالتأثيرات السلبية الهائلة التي يثيرها اضطراب الموت، إلى كيف أننا نتصدى لهذه التأثيرات.

فقط  يسعى الباحثون للبحث عن طريقة تفكير تسمى “انعكاس الموت”، ووجدوا سبيلاً بأن يطلبوا من الناس بألا يفكروا في الموت بطريقة عامة بل أن يفكروا في كيفية موتهم وكيف يؤثر على عائلاتهم.

وفي هذه الحالة سيصبح الناس أكثر إيثارًا وإرادة للتبرع بالدم مثلاُ،  بغض النظر عما إذا كان هناك حاجة اجتماعية لذلك أم لا، ويكونوا أكثر انفتاحًا للتفكير في الأحداث الإيجابية والسلبية التي تُشكل حياتهم، ومن ثم فإن النظر إلى هذه النتائج قد يؤدي إلى التركيز أكثر على أهداف الحياة والروابط الاجتماعية  بدلاً من الاستجابة للعزلة.

الأشخاص المهووسين
يلقي تقرير الشبكة البريطانية الضوء على أنه بغض النظر عما إذا كان المجتمع ككل يقوم بدور سيء أو جيد  من هذه الناحية، فإن كيفية تفاعلنا على المستوى الفردي مع وفاتنا قد يختلف باختلاف الشخصية وخصائص الحدث

وتقول لورا بلاكي، أستاذة مساعد في علم النفس بجامعة نوتنغهام البريطانية: “كلما كنت أكثر عصبية وقلقًا ، كلما كنت مشغولاً أكثر بالموت، وغير قادر على التركيز على التغييرات الحياتية، أما إذا قيل لك في أثناء نومك أنك ستموت عند 90 عامًا، قد لا يكون لديك الدافع للتفاعل مع الحدث، بل ستتقبله بهدوء تام”.

ومن ناحية أخرى، فإن أولئك الذين يختارون محاولة إحباط موتهم قد يصبحون مهووسين بتجنبه، فمثلاُ إذا عرف الشخص أنه مُقدر له أن يغرق، فأنه سيظل يمارس السباحة دون توقف حتى يتمكن من الحصول على فرصة  للبقاء على قيد الحياة وقت الغرق، وأن الشخص الذي يعرف أنه سيموت في حادث مروري قد يختار تجنب السيارات بأي ثمن وبكافة الطرق.

ويُذكر  أن هناك أدلة واعدة من الناجين من الصدمات النفسية – كمثل الذين حُكم عليهم بالإعدام- وقت شعورهم بمحدودية الوقت، أصر الكثيرون على أن هذه التجارب تحفز التحسن الذاتي، وتسبب تغيرات إيجابية وعميقة وربما أكثر روحانية وتجعلهم أقوى، حيث يقول سولومون إن “معرفة تاريخ وفاتنا سيخرج أفضل ما بداخلنا، وربما يمنحنا القدرة لنكون قادرين على فعل المزيد لأنفسنا ولأسرنا ومجتمعاتنا”.

نتيجة معرفتنا بموعد الموت من الناحية العملية
من الناحية العملية ، بغض النظر عن المكان الذي نعيش فيه في العالم، فإن حياتنا اليومية ستتغير بشكل أساسي كنتيجة علمنا متى وكيف سنموت، ربما قد يتطور الطب حد الوصول إلى علاجات خاصة بالوفاة أو تظهر طقوس جديدة كالاحتفال بمواعيد الوفاة مثل أعياد الميلاد ويبحث كل شخص عن شريك رومانسي موعد وفاته قريب من موعد وفاة الآخر.

وأخيرًا لا يخفي أنه إذا جئنا لمعرفة وقت وطريقة زوالنا الفردية، فإن أساليب حياتنا ستتغير بشكل عميق.




مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى