إعلامسياسة

من بيتر جريست إلى السيسي: لقد وعدت بالعفو عنا

صحفي الجزيرة يكتب لـ”الجارديان”: فقدت الصحافة المصرية حريتها عندما خسرت وزملائي حريتنا

الجارديان – بيتر جريست – ترجمة: محمد الصباغ

ما معنى الصحافة؟ هو سؤال جوهري بالتأكيد، والإجابة كانت  بشكل كبير  مركزا لنقاش حاد، مع جعل وسائل التواصل الاجتماعي للخطوط الفاصلة بين الصحفي التقليدي والمواطن العادي ضبابية. لكن من المؤكد أن التعريف الذي لا خلاف عليه أن الصحفي هو شخص ما معتمد من مؤسسة إخبارية معترف بها، وينتج أعمالا ذات مصداقية ومتوازنة ودقيقة –سواء مطبوعة أو مرئية- بشكل عام تعرف بالصحافة.

رأت محكمة مصرية مؤخراً أنني وزميلي في العمل لسنا صحفيين وفقاً للقانون. وفي نهاية الشهر الماضي، قررت المحكمة بأنه لا يجب وصفنا كصحفيين لأننا لسنا معتمدين من نقابة الصحفيين المصرية. ولم تهتم إلى أن محامي النقابة قد أخبر المحكمة نفسها بأن القانون لا يتطلب من المراسلين الأجانب التسجيل لديها، وأنها –النقابة-  رغم ذلك مستعدة بكل سعادة أن تسجلنا لديها للتأكيد على أنه من وجهة نظرها أننا كنا بالفعل ”صحفيين“.

كما وجدت المحكمة أننا قد خالفنا لوائح متعلقة برخصة المعدات، وأننا قمنا ببث أخباراً كاذبة من أجل زعزعة الأمن القومي. ثم حكمت عليّ وزميلي محمد فهمي بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وأضافت ستة أشهر أخرى الزميل الثالث في الفريق باهر محمد لحيازته طلقة واحدة، كان قد احتفظ بها كتذكار من أرض المعركة في ليبيا.

وفي رد فعل على الانتقادات التي وجهت للحكم، قال وزير الداخلية إن إدانتهم كانت بسبب انتهاكات للقانون ولا علاقة لذلك بحرية الصحافة. ولتوضيح تلك النقطة، قامت الوزارة بإبراز أن الآلاف من الصحفيين الأجانب والمصريين يعملون بحرية داخل الدولة.

بالطبع الحقيقة الأخيرة صحيحة بشكل ما. يعمل آلاف الصحفيين في مصر دون الزج بهم في السجون. لكن لنقف لحظة ونتسائل ماذا تعني قضيتنا لهؤلاء.

وكما أشار كل المتابعين المستقلين للقضية، فإن النيابة فشلت في تقديم دليل واحد لإثبات الإدعاءات ضدنا. تذكروا أن الأخبار التي قمنا ببثها، والكاذبة وفقاً لحكم المحكمة، بحكم طبيعتها هي مادة عامة. موجودة بحرية على الإنترنت ومتاحة لأي شخص يريد فحصها. وكأي مراسل كان يعمل على نقل الحقائق، أعرف جيداً أن مواقع التواصل الاجتماعي جعلت من المستحيل النجاة لفترة طويلة بعد نشر أخبار ”كاذبة“. ناهيك أيضاً عن مرور 20 شهراً منذ إلقاء القبض علينا في ديسمبر 2013. وإلى الآن لم يكن أي شخص، من بينهم النيابة، قادراً على إظهار أي مادة انتجناها وكانت تتضمن كذبا أو تزويرا بأي معنى من معاني تلك الكلمتين.

ومع غياب الدليل، استنتج أغلب المراقبين أن إدانتنا كانت بدافع سياسي، وأن القبض علينا ومحاكمتنا وسجننا كان بهدف إرسال رسالة. لا نعرف صراحة ما هي تلك الرسالة، لكن من الواضح أن أي صحفي تابع المحاكمة سيفسرها.

قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها ”قلقة بشدة“ من الحكم، الذي ”يقوض حرية التعبير المطلوبة من أجل الاستقرار والتنمية“.

فيما قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان: ”نحن في غاية القلق تجاه تلك الأحكام الثلاثة والضغط الهائل الموضوع على الصحفيين في مصر الذين يحاولون فقط أداء عملهم“ ووفقاً للاتحاد الأوروبي، مثّل الحكم ”انتكاسة لحرية التعبير في مصر“.

تواجه مصر بالطبع مشكلة مع الأمن. فهي تحارب المتطرفين في شبه جزيرة سيناء الذين أعلنوا عن ولائهم لتنظيم للدولة الإسلامية. وينفذون بشكل اعتيادي بالتفجيرات والهجمات على قوات الأمن. وفي أحد أيام جلساتنا الأخيرة، تم اغتيال النائب العام في تفجير سيارة. لكن السؤال يجب أن يكون هل إسكات الصحافة يساعد أم يعرقل الحرب من أجل السيطرة على التطرف العنيف؟

كي أكون واضحاً، لا أدعو لحق نشر أي شئ يحرض على العنف. لا أقول إننا في حاجة إلى إعطاء الحرية لأي شخص يريد بث مواد تنظيم الدولة الإسلامية. لا اقترح بأنه يجب السماح لنا بإعطاء بوق مفتوح لأي شخص يدعو للكراهية والتعصب.

لكننا تعلمنا أيضاً بالطريق الصعب أن الاستقرار والديمقراطيات التي تعمل بشكل صحيح، في حاجة إلى صحافة غير مقيدة وقادرة على تقصي آراء المتطرفين بأي شكل، بنفس القوة والحماس الذي تعمل به الحكومات التي تتحدث بأسمائنا.

وحتى الدستور المصري يعترف بتلك الوظيفة الضرورية. فتضمن المادة 70 ”حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى“. كما تحظر المادة 71 الرقابة وتنص بشكل واضح على ”لا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية“.

والآن، عاد باهر وفهمي إلى السجن مرة أخرى، وتمت إدانتي وستة آخرين من صحفيي الجزيرة غيابياً خلال المحاكمة الأولى، وأصبحنا معرضين لخطر إعادتنا إلى مصر لتنفيذ تلك الأحكام عند عبورنا للحدود الدولية.

كل مراسل آخر يعمل في مصر مع تلك الحقيقة غير المريحة ويفكر كثيراً في كل مرة يبدأ بكتابة شئ. لا يستدعي الأمر تفكيراً كثيراً لإدراك تأثير ذلك على حرية التعبير.

قال الرئيس عبدالفتاح السيسي في مرات عديدة، إنه لو تمت إدانتنا فسيدرس العفو. صنعت المحكمة خطأ فادحا في الحكم بمقدوره أن يؤثر سلبياً على حرية الصحافة، ويعيق الديموقراطية المصرية. نحن نحثه على استخدام سلطاته لرفع الظلم، وتحرير الرجال الأبرياء الذين سجنوا، وإخلاء سبيل أسماء كل الأشخاص في تلك القضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى