إعلامسياسة

من المحاماة إلى منصة الإعدام .. حكاية المتهم 309

 

 

smh

نشرت  صحيفة “The Sydney morning herald”  الاسترالية تقريرًا عن المتهم رقم 309 من بين الـ529 متهم المحكوم عليهم بالاعدام في “محاكمة المنيا”، وهو المحامي أحمد عيد أحمد طلب، الذي كان يتولى الدفاع عن المعتقلين فأصبح زميلهم في قفص وحكم واحد.

راث بولارد ـ The Sydney morning herald

ترجمة: منة حسام الدين

إنه رقم 309 على قائمة الـ529 شخصًا المحكوم عليهم بالإعدام، وهو المحامي الذي تم سجنه مع المتهمين الذين وقف بجوارهم لشهورعدة، لمساعدتهم في التخفيف من حدة الملاحقات الأمنية التي تطال أي شخص يجرؤ على تحدي الحكومة التي يدعمها الجيش في مصر.

كواحد من أبناء قرية “مطاي” بمدينة المنيا، لا يواجه أحمد عيد أحمد طلب (36 عامًا) ذلك المصير منفردًا، ففي قريته المتواضعة ذات الـ50 ألف نسمة، يصبح شخص من بين كل 100 شخص في مطاي محكومًا عليه بالإعدام، بعد حكم محكمة الجنايات يوم الاثنين الماضي.

سمح قاضي المحاكمة بجلستين قصيرتين استغرقت أحداهما 30 دقيقة، في حين استغرقت الأخرى ساعة كاملة للنظر في القضية التي لم يتم تقديم أي أدلة فيها، وتم الحكم  فيها على الكثير من المتهمين، فضلا عن منع العديد من محاميي الدفاع من حضور المحاكمة.

وعلى بعد حوالي 220 كيلو مترًا جنوب القاهرة، تبدو مطاي قرية صغيرة، الفاكهة والخضروات الطازجة متاحة في الأسواق، شوارعها الرئيسية تضج بأطفال المدارس، والمستهلكين والمارة، سائقو الـ”توك توك” يقومون بتزيينه للتنافس على العمل مع سائقي الميني باص، والسيارات والحافلات.

لكن خلال العام الماضي، وبعد 6 أسابيع من إجبار الجيش الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين على التخلي عن سلطته، وبعد أن استخدمت الشرطة القوة المميتة لتفريق الاعتصامات، تحولت محافظة المنيا التي تقع بها مطاي إلى مسرح لعدد من أسوأ أعمال العنف التي شهدتها البلاد.

وتعتبر المنيا موطنًا لأكبر تجمع قبطي في البلاد، كما أنها تحتوي على عدد كبير من أنصار جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا غاضبين من الاطاحة بمرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيًا. وفي أعقاب الإطاحة به، قتل أكثر من 1000 من المحتجين عندما أخلت قوات الأمن ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة بالقوة.

وفي رد فعل غاضب، قام أنصار مرسي بالاعتداء على عدد من مراكزالشرطة، ودمروا الكنائس في المنيا، متهمين الأقلية المسيحية في البلاد بدعم عمليات السيطرة التي يقودها الجيش.

ويتهم الـ529 شخصًا الذين حُكم عليهم بالإعدام، بالهجوم على مركز شرطة مطاي يوم 14 أغسطس الماضي، والتسبب في مقتل نائب مأمور المركز، العقيد مصطفى رجب، فضلا عن محاولة قتل ضابطين آخرين.

يقول الممثلون القانونيون وأسر المتهمين إنه ليس هناك شك في أن هجومًا قد وقع على مركز شرطة مطاي وأسفر عن مقتل نائب مأمور المركز، لكن هناك شكوكًا جديدة حول ما إذا كان الـ529 متهمًا متواجدين فعليًا أثناء ذلك ارتكاب الواقعة.

من جانبه، نفى المحامي أحمد طلب تواجده في أي مكان قريب من مركز الشرطة خلال ذلك اليوم، وكان قد كرر مرارًا في أقواله للشرطة أنه شارك لاحقًا في التمثيل القانوني عن الأشخاص المتهمين بالمشاركة في جرائم متعلقة بذلك الهجوم، وذلك حسبما قالت زوجته، مها سيد، التي تعمل في وكالة ” Fairfax Media” الإعلامية الاسترالية.

مها  سيد زوجة المحكوم عليه بالإعدام أحمد طلب

كان الخوف واضحًا في منزل أحمد طلب، الذي ينتظره ابن يبلغ من العمر 5 سنوات، وابنة في السابعة من عمرها.

أمضى المحامي عدة شهور في العمل على حالات أولئك الذين تم اعتقالهم خلال أشهر الاحتجاجات وحملات القمع العنيفة التي تبعتها. وتقول زوجته (32 عامًا) “فجأة أصبح أحمد طلب، المحامي المسلم الوحيد الذي يعمل في مكتب قبطي للمحاماة، تحت أنظار الأجهزة الأمنية”.

كانوا مصدومين، فلم يتعاون أي شخص من العائلة مع جماعة الإخوان المسلمين، كما أنهم ليسوا منضمين لأي أحزاب سياسية، تقول زوجته”كان يتصرف مثل أي محامي، يمثل أي عميل يحتاج مساعدته”، لكن عند الساعة الثانية فجرًا في الثاني والعشرين من يناير، وخلال هجمة مرعبة، أيقظ 40 ضابط شرطة الأسرة ومزقوا محتويات منزلهم من أجل البحث عن أدلة اتهام. خرجوا وأيديهم خاوية، لكن بعد يومين عادوا مرة أخرى عندما كان الزوج عائدًا إلى منزله بعد مرافعته في أحد محاكم البلدة المجاورة.

اعتقد أحمد طلب أن العقل هو الذي ستسود كلمته في النهاية، رتب للذهاب إلى مركز الشرطة للحديث معهم، وكانت تلك المرة الأخيرة التي شاهدته فيها أسرته، بصرف النظر عن زيارتهم له في السجن قبل شهر. الآن يعملون دون كلل مع زملائه في مكتب المحاماة من أجل الحصول على حكم بالافراج عنه.

يوم الإثنين، فوجيءأصدقاؤه  بوجود اسم طلب ضمن قائمة المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام.

تساءل والده بانكسار “كيف يقتل 529 شخصًا إنسانًا واحدًا؟”، موضحًا أن “الأمر لا معنى له. ففي دقيقة كان يمثل العملاء، ثم الآن هو في السجن محكومًا عليه بالإعدام”.

أصبحت القضية شهيرة ومثيرة للجدل في مجتمع عانى بالفعل من موجات العنف والانتقام. ويضيف والد أحمد “اليوم إذا كان هناك شخص لديه مشكلة معك، سيذهبون إلى الشرطة ويقولون إنك شاركت في الهجوم على مركز الشرطة”.

وقال “كل الناس خائفة من أن يتم القاء القبض عليها، لا أحد يناقش القضية في الشوارع، لكن خلف الأبواب المغلقة تتحدث جميع العائلات عن القضية”.

خبر الحكم بالاعدام الجماعي توارى قليلا بجلوس عدد من وسائل الإعلام الدولية في قاعة محاكمة ضخمة في مجمع  سجون طرة بالقاهرة يشاهدون زملائهم الثلاثة من قناة الجزيرة، الصحفي الأسترالي بيتر جريستي، ومدير المكتب الصحفي الكندي – المصري محمد فهمي، والمنتج باهر محمد، وهم محبوسين داخل القفص، يواجهون اتهامات بالتآمر مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل بث أخبار تصور زورًا بأن مصر تعيش حالة “حرب أهلية”.

أنكروا جميعًا الاتهامات وقالوا إنهم كانوا يؤدون عملهم فحسب، وذلك بإعطاء الفرصة لتوصيل جميع أصوات وأطراف المشهد السياسي المعقد والفوضوي في مصر. أمسكوا بسلك القفص، صرخوا حتى يسمع صوتهم، احتجوا على أن الادعاء لم يقدم أي دليل لاثبات التهم عليهم، كانت كلماتهم دون فائدة، رفض القاضي الافراج عنهم بكفالة.

صحفيو الجزيرة والـ529 شخصًا المحكوم عليهم بالاعدام، ليسوا سوى أكثر المعتقلين شهرة من بين 16 ألف معتقل تم القاء القبض عليهم منذ تولى الحكومة المدعومة من الجيش السلطة في الثالث من يوليو.

وعلى موجة من الشعبوية التي نمت فقط بعد الاطاحة بمحمد مرسي، وسعت الحكومة حملات الاعتقال والاحتجاز لتتجاوز أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها إلى اعتقال المحتجين العلمانيين، وقادة ثورة 25 يناير، والملحدين، والطلاب والنقابيين و الأكاديميين والصحفيين. وبينما حظت أحكام الإعدام بإدانة دولية، أعرب بعض سكان المنيا عن تأيدهم لقرار المحكمة، قائلين إنهم قد تعرضوا للترويع على يد أنصار الإخوان المسلمين منذ الإطاحة بمرسي من السلطة، كما أشادت الكثير من وسائل الإعلام المحلية في مصر بالقرار، إذ تعمل وسائل الإعلام الموالية للدولة الآن كأداة للترويج لحملة القمع التي شنتها الحكومة ضد المحتجين، أو كما قال المذيع أحمد موسى على قناة “صدى البلد” الخاصة “اجعلوهم 10 آلاف أو 20 ألف محكوم عليهم بالاعدام، وليس فقط 500”.

من ناحية أخرى، أشعل حكم الإعدام الجماعي في المنيا موجة أخرى من الاحتجاجات في الجامعات. وفي حملة للشرطة الأربعاء اشتبكت فيها مع طلاب، قُتل طالب واحد، وكان عدد المصابين والمعتقلين لا يحصى.

ومن المنتظر أن يجلب هذا الأسبوع مزيدًا من الاحتجاجات، وبدورها ستكثف الشرطة وقوات الأمن من إطلاق الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي في مواجهة حشود الشباب، حيث أن الثامن والعشرين من أبريل هو الموعد النهائي لتأكيد قرار المحكمة.

أما في المنيا، وأمام القاضي نفسه، فقد بدأت الثلاثاء محاكمة جماعية أخرى لـ683 شخصًا، من بينهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع.

وقاطع المحامون الجلسة، وقالوا إن هناك أملا ضئيلا في العدالة في إطار المناخ القضائي الحالي. ويقول عادل علي، محامي يمثل المتهمين في محاكمتي المنيا إن “فريق الدفاع قد انسحب من جلسة الثلاثاء بعدما بدأ القاضي في تهديد وترويع المحامين”.

ويضيف “لا يمكننا التعميم فيما يخص النظام القضائي في مصر ككل، لكن لدينا حالة أمامنا الآن ولا يتم النظر فيها في حدود القانون، فهم لا يستمعون للأدلة، ولا يسمحون باستجواب الشهود،  كما أنهم لا يستمعون للدفاع”.

وفي الواقع يبدو أن ما يحدث في مصر دائرة لا تظهر أي بوادر لانفراجها. وقد أشارت استطلاعات حديثة إلى أن المصريين قد عانوا من أسوأ انتهاكات في مجال حقوق الإنسان في تاريخهم الحديث منذ أن استولت الحكومة المدعومة من الجيش على السلطة.

“تشير التقديرات إلى أن 2500 مصريًا قتلوا، وأن أكثر من 17 ألف أصيبوا، وأكثر من 16 ألف تم اعتقالهم في المظاهرات والاشتباكات منذ 3 يوليو”، هذا ما كتبه ميشيل دن وسكوت وليامسون الاثنين الماضي لصالح معهد كارنيجي للسلام الدولي.

من ناحية أخرى، قتل عدة مئات أخرى من ضباط الشرطة والجنود في هجمات إرهابية يبدو أن الحكومة عاجزة عن وقفها.  و”هذه الأرقام تتجاوز تلك التي ظهرت خلال أحلك الفترات التي شهدتها مصر، منذ الثورة التي قادها الجيش عام 1952 من أجل  وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة، مما يعكس استخدام العنف بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ السياسي الحديث لمصر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى