ترجمات

مملكة كوش النوبية.. عصر السُلطة والذهب في السودان

زينت مدينة مروي الواقعة على النيل الأثري الأهرامات الطويلة النحيلة مقرًا للعاصمة كوش القديمة

 

nationalgeographic

BY: 

 

ترجمة- غادة قدري

ترتفع قمم الأهرامات النحيلة في سماء مدينة مروي  شمال دولة السودان لتشهد  على أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، فطالما كانت مروي مركزًا لحضارة قوية، فهي عاصمة كوش التي ازدهرت ثقافتها القوية لقرون من الزمن. وظلت هندستها المعمارية الكبرى وأعمالها الفنية علامة دائمة على عظمة الملوك والملكات النوبيين.

تقع تلك المدينة القديمة في النوبة في الرمال الصحراوية بالقرب من النيل في السودان الحديث، وقد لعبت دوراً حاسماً في تشكيل مصر من القرن الثامن قبل الميلاد، في عصر الأسرة الخامسة والعشرين للمملكة في الفترة المتأخرة. بعد أن فقد الفراعنة النوبيون سلطتهم، انسحبوا جنوبًا من مصر لتشكيل مملكة كوش، التي ازدهرت في عزلة رائعة حيث عانت بقية مصر من الغزوات المتكررة من الآشوريين والفرس واليونانيين.

بسبب تلك العزلة، تمكن الكوشيون من الحفاظ على استقلالهم، وطوروا هجينهم النابض بالحياة من الثقافة والدين المصريين حتى القرن الرابع الميلادي. كانوا يمتلكون المناجم والمعادن، وكان المرويون خبراء في صناعة الذهب.

بنوا المعابد والقصور والحمامات الملكية في عاصمتهم. ولعل أعظم إنجازاتهم أكثر من 200 هرمًا تم بناؤهم في مروي، بعدد يتجاوز ما تم بناؤه في أنحاء مصر،  تميزت تلك الأهرامات بطولها ونحافتها، وتشهد هذه الآثار على روعة العاصمة كوش الدائمة.

الأسرة المصرية الخامسة والعشرون

لقد قضى عالم الآثار السويسري تشارلز بونيت في أواخر القرن العشرين، عشرات السنين يحفر الأراضي المحيطة بجنوب النيل. ليعثر على أدلة تؤكد نمو حضارة غنية بالتجارة، وفيرة الحقول والماشية، في مملكة متميزة عن مصر بثقافتها المادية وتقاليدها.

نمت سلطة هذه الحضارة في حين كانت مصر الوسطى تتراجع في عام 1785 قبل الميلاد، وبحلول عام 1500 قبل الميلاد، امتدت الإمبراطورية النوبية تقريبًا من وادي حلفا جنوبًا إلى مروي.

تركزت الأسرة الحاكمة النوبية في مدينة نبتة العاصمة القديمة لمملكة كوش النوبية، ازدهرت عسكريا واقتصاديا خلال القرن التاسع قبل الميلاد، وفي حوالي عام 730 قبل الميلاد، نجح الملك النوبي بيا، في غزو مصر وقهرها، وامتدت سيطرته على وادي النيل بأكمله. أصبح بيا أول الفراعنة السود من الأسرة المصرية الخامسة والعشرين (حوالي 770-656 قبل الميلاد).

أخوات مروي 

كانت الملكات من أهم ملامح الحضارة المروية القوية. في كتابه “الجغرافيا”، كتب المؤرخ اليوناني سترابو عن ملكة تسمى “كانديس” وقّعت معاهدة سلام مع الإمبراطور أوغسطس، اسم كانديس  في الواقع يعني “أخت” ، وكان اللقب يمنح لملكات كوش.

كان هناك العديد من الملكات في مروي، مثل  أمانجي ريناس التي كان يشير إليها  سترابو – وخليفتها أماني شاخيتي، المحاربة التي تم نهب كنزها في عام 1834، وقد درس علماء الآثار مؤخرًا الغرفة الجنائزية لملكة أخرى، وهي الملكة خنوة التي اكتشف غرفتها جورج ريزنر في عام 1922.

توفي الملك بيا في 715 قبل الميلاد، بعد أن حكم 35 عاما، على الرغم من أنه عاد إلى النوبة بعد احتلاله لمصر، وتم دفنه في هرم على الطريقة المصرية بناء على طلبه، كأول فرعون منذ أكثر من 500 عام يتم دفنه بهذه الطريقة.

انتهى عهد الأسرة الخامسة والعشرون بعد حكم دام 75 عامًا لكنه كان مليئا بالاضطرابات انتهى بالغزو الآشوري وسقطت المملكة. ومحى المنتصرون أسماء الأسرة الخامسة والعشرين من المعالم الأثرية في جميع أنحاء مصر  ودمروا ودمروا تماثيلهم لمسحهم من التاريخ.

بعد الهزيمة، تراجع النوبيون إلى نبتة، وفي بداية القرن السادس قبل الميلاد، قام الفرعون بسامتيك الثاني، من الأسرة السادسة والعشرين، بطرد الآشوريين من نبتة وحدد الكوشيون مدينة مروي كعاصمة جديدة،  على طول نهر النيل جنوبا.

تم اختيار الموقع الجديد بعناية فلم تكن مروي ذا موقع استراتيجي على مفترق طرق التجارة الداخلية الأفريقية وممرات القوافل من البحر الأحمر فحسب، بل كانت أيضًا خصبة ومباركة بموارد طبيعية مهمة – مناجم الحديد والذهب التي عززت تطوير صناعة المعادن، وخاصةً صناعة الذهب.

المقابر الملكية

تأثرت ثقافة دفن الكوشيين بتوليفة من الممارسات الدينية والثقافية المصرية والإفريقية. حتى بعد الانتقال جنوبًا ، استمر دفن ملوك كوش في مقابر مدينة نوري، بالقرب من نبتة، مركز عبادة الإله المصري آمون.

ستصبح مروي المقبرة المفضلة في وقت متأخر، في حوالي عام 250 قبل الميلاد،  هناك منطقتان رئيسيتان للدفن: المقبرة الجنوبية وأرض الدفن الشمالي، المقبرة الجنوبية كانت الأقدم فيما تحتوي المنطقة الشمالية على أفضل ما تم الحفاظ عليه من الأهرامات في مروي. بعض المقابر الأكثر إثارة للإعجاب هنا هي أماكن الراحة النهائية لـ 30 ملكا وثمانية ملكات وثلاثة أمراء.

تأثرت أهرامات مروي بالشكل الواضح للتصميم المصري الكلاسيكي ، لكنها  كانت أصغر حجما بشكل ملحوظ تشبه  في تصميمها أهرامات الكنيسة الصغيرة التي بنيت في دير المدينة بالقرب من الأقصر، تم بناءها خلال فترة المملكة الحديثة في مصر (1539 – 1075 قبل الميلاد) ، وهي فترة بدأت تظهر فيها العديد من العادات المصرية في ثقافة الكوشي.

تم وضع الحجارة في مكانها باستخدام جهاز تم استخدامه كأداة لرفع الكتل الحجرية. مغطى مغطي بجص مطلي بألوان زاهية.

تم نحت سلالم في الصخر شرق كل هرم يؤدي إلى مدخل مغلق. خلفه توجد غرف تحت الأرض بأسقف مقببة: ثلاثة للملك واثنتان للملكة.

في أقدم الأهرامات، تم تزيين غرفة الدفن بمناظر من كتاب الموتى المصري وتم وضع تابوت خشبي يصور وجه الميت في حجرة الدفن، وتم وضع جثث الحيوانات التي تم التضحية بها كقرابين، وسنجد أحيانا مومياوات الخدم في مكان قريب.

جانب واحد من هرم مروي استخدم للعبادة، كان من الشائع وضع لوحة، وطاولة قريبة، وتمثال يعتقد أنه يعطي المتوفى فرديته – يصور جسم طائر ورأس الإنسان.

 

ازدهرت كوش لعدة قرون، ولكن وفاة الملكة كليوباترا في 30 قبل الميلاد أحدث تغييراً كبيرًا، أصبحت مصر مقاطعة للإمبراطورية الرومانية الناشئة، مما أفشل الهدنة بين الكوشيين مع روما.

أدت الثورات الضريبية في صعيد مصر إلى توغلات رومانية في أراضي كوش، مما هدد مناجم الذهب المربحة، وهاجمت القوات المروية القوات الرومانية في أسوان – وهي أقصى حدود العالم الروماني – بقيادة الملكة أمانيناس من مروي.

كنوز المملكة

سُرقت جواهر مملكة مروي في القرن الأول قبل الميلاد، تلك المجوهرات معروضة الآن ​​في متحف الدولة للفن المصري بميونيخ والمتحف المصري في برلين.

انتشرت الشائعات عن آثار  والذهب الذي تحتويه مروي، ووصلت الاخبار إلى سارق القبور الإيطالي جوزيبي فرليني. في عام 1834 ، حيث شرع في نهب القبور وأفسدها. لكن الآثار القليلة الرائعة التي تبقيت فتحت أعين العلماء الأوروبيين على هذه الثقافة الغامضة التي كشفت عن التقاليد المصرية القديمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى