منوعات

مفاجأة.. الوقت مجرد وهم

الوقت شيء يحدث داخل رؤوسنا

المصدر: QUARTZ– Ephrat Livni

ترجمة: ماري مراد

بحسب فيزياء الكم، الوقت يبدو حقيقًا للناس، لكنه غير موجود. ويقول عالم الفيزياء النظرية كارلو روفيلي لـ”كوارتز”: “لا يوجد متغير زمني في المعادلات الأساسية التي تصف العالم”.

إذا قابلت روفيلي اجتماعيًا، فلن يهاجمك بالمجردات والرياضيات لإثبات هذه النقطة، سيقول إنه ربما يفضل عدم إفساد الحفل بالفيزياء، مضيفا: “الوقت موضوع رائع لأنه يلمس عواطفنا العميقة. الوقت يفتح الحياة ويبعد كل شيء. التساؤل عن الوقت تساؤل عن معنى حياتنا. لهذا قضيت حياتي في دراسة الوقت”.

ويروي روفيلي في كتابه الجديد “The Order of Time”، المنشور في شهر أبريل، تجربتنا الخاصة بمرور الوقت كبشر، وحقيقة غيابه على نطاق صغير وكبير. ويقدم روفيلي حجّة مقنعة بأن التسلسل الزمني والاستمرارية هما مجرد قصة نخبر أنفسنا بها لنجعل لحياتنا معنى.

الوقت كخدعة:

يوضح روفيلي أن الوقت مجرد منظور وليس حقيقة شاملة، ووجهة نظر يتشارك فيها البشر كنتيجة لبيولوجيتنا وتطورنا، ومكاننا على الأرض، ومكان الكوكب في الكون.

ويكتب الفيزيائي: “من وجهة نظرنا- وجهة نظر المخلوقات الذين يشكلون جزءًا صغيرًا من العالم- نحن نرى أن العالم يتدفق في الوقت”، وعلى المستوى الكمي فإن الفترات قصيرة جدًا بحيث لا يمكن تقسيمها ولا يوجد شيء مثل الوقت.

ويشرح عالم الفيزياء أنه لا توجد في الواقع أي أشياء على الإطلاق، وبدلا من ذلك، يتكون الكون من أحداث لا حصر لها. حتى ما قد يبدو وكأنه شيء- حجر- هو في الواقع حدث يحدث بمعدل لا يمكننا تسجيله. الحجر في حالة تحول مستمر، وعلى جدول زمني طويل بما فيه الكفاية، حتى إن كان سريع، يميل إلى اتخاذ شكل آخر.

ويشير العالم إلى أنه “في القواعد الأساسية بالعالم، لا توجد مساحة ولا وقت، فقط العمليات التي تحول الكميات الفيزيائية من واحدة إلى أخرى، والتي من خلالها يمكن حساب الاحتمالات والعلاقات”.

روفيللي يجادل بأن الوقت يبدو وكأنه يمر بطريقة مرتبة لأننا على الأرض، التي لها علاقة تفاعلية فريدة من نوعها مع بقية الكون. أساسا، الطريقة التي يتحرك بها كوكبنا تخلق إحساسا بالترتيب بالنسبة لنا، وهذا ليس بالضرورة هو الحال في كل مكان في الكون. مثلما تنمو زهرة الأوركيد في مستنقعات فلوريدا وليس في صحارى كاليفورنيا، لذا فإن الوقت نتاج لكوكبنا الذي نعيش فيه وعلاقته بالمحيط، وليس أصيلا في الكون.

يبدو أن العالم مرتبًا، يسير من الماضي إلى الحاضر ويربط بين السبب والنتيجة، بسبب وجهة نظرنا. نحن نفرض عليه النظام، مع تثبيت الأحداث في سلسلة خطية معينة. نحن نربط الأحداث بالنتائج، وهذا يعطينا إحساسًا بالوقت.

لكن بحسب روفيلي، فإن الكون أكثر تعقيدا وفوضوي مما يمكننا السماح به، ويعتمد البشر على أوصاف تقريبية تتجاهل في الواقع معظم الأحداث والعلاقات والإمكانيات الأخرى. حدودنا تخلق شعورًا كاذبًا أو غير مكتمل بالترتيب مما لا يخبر القصة بأكملها.

ويجادل الفيزيائي بأننا في الواقع “نشوه” العالم للتركيز عليه، ونخدع أنفسنا، ولهذا السبب، معتبرًا أن “الوقت هو الجهل”.

إذا كان كل هذا يبدو مجردًا بشكل رهيب، فهذا لأنّه كذلك. ولكن هناك برهان بسيط نسبيًا يدعم فكرة أن الوقت مفهوم مائع إنساني وليست متأصل في الكون.

تخيل، على سبيل المثال، أنك على الأرض، حيث ترى كوكبًا بعيدًا يسمى “بروكسيما بي”، من خلال تلسكوب. يشرح روفيلي أن “الآن” لا تصف نفس الحاضر على الأرض وهذا الكوكب. فالضوء الذي ترونه على الأرض عند النظر إلى “بروكسيما بي” هو خبر قديم، ينقل ما كان على هذا الكوكب قبل أربع سنوات، موضحا أنه “لا توجد لحظة خاصة من “بروكسيما بي” تتوافق مع الحاضر هنا والآن”.

قد يبدو هذا غريبًا، حتى تفكر في شيء عادي كإجراء مكالمة دولية. أنت في نيويورك، تتحدث إلى الأصدقاء في لندن. عندما تصل كلماتهم إلى أذنيك، مرت ملي ثانية، و”الآن” لم تعد هي نفسها “الآن” عندما أجاب الشخص الآخر على الخط “يمكنني سماعك الآن”.

فكر أيضًا في أننا لا نشارك الوقت نفسه في أماكن مختلفة. فمساؤك في نيويورك هو منتصف الليل في مكان آخر، وكذلك صباحك هو عصر لآخرين. أنت تشارك فقط نفس الوقت مع الأشخاص في مكان محدود، وحتى هذا هو اختراع جديد نسبيًا.

لم يكن الأمر كذلك حتى القرن التاسع عشر، عندما تطلب السفر بالقطار التماثل، فقد حلت”الظهيرة” في نفس الوقت في نيويورك وبوسطن. قبل أن نحتاج إلى الاتفاق على الوقت بدقة، فكان كل مكان – حتى القرى القريبة نسبيًا- له أوقاتًا مختلفة قليلًا. وبحلول القرن العشرين، اتفقنا على المناطق الزمنية، لكنه كان قرارًا تجاريًا وليس حقيقة كونية.

ويقول روفيلي إن الوقت يمر بمعدلات مختلفة من مكان إلى آخر. فعلى قمة الجبل يمر الوقت بشكل أسرع من على مستوى البحر. وبشكل مماثل، فإن عقارب الساعة على الأرض ستتحرك بشكل أبطأ قليلًا من عقارب الساعة على سطح الطاولة.

وبالمثل، يبدو أن الوقت يمر ببطء أو أسرع بناءً على ما تفعله. قد يزحف الزمان في فصل فيزياء الكم ويبدو أنه لا نهاية له، في حين أن ساعات حفلة ما تمر سريعًا.

ويكتب روفيلي: “الزمن مفهوم متعدد المستويات ومعقد مع خصائص متعددة ومتميزة مستمدة من تقديرات تقريبية مختلفة. الهيكل الزمني للعالم يختلف عن الصورة الساذجة التي نمتلكها. الشعور البسيط بالوقت الذي نشارك فيه يعمل أكثر أو أقل في حياتنا. ولكنها ليست دقيقة فقط عند وصف الكون “في طياته الصغيرة جدا أو في اتساعه”.

الوقت هو القصة التي نخبرها لأنفسنا دائمًا:

يجادل روفيلي بأن ما نعتبره مرور للوقت هو عملية ذهنية تحدث في الفضاء بين الذاكرة والتوقعات، مضيفا: “الوقت هو الشكل الذي نعيش فيه نحن البشر الذي تتكون أدمغتنا أساسًا من الذاكرة والبصيرة تتفاعلان مع عالمنا. إنه مصدر هويتنا”.

في الأساس، يعتقد روفيلي أن الوقت قصة نخبر أنفسنا بها دائمًا في الزمن الحاضر، بشكل فردي وجماعي. إنه عمل جماعي من التفكير الباطني والسرد، وحفظ السجلات والتوقعات، وهذا يعتمد على علاقتنا بالأحداث السابقة والإحساس بأن الأحداث وشيكة. هذه الحكاية هي التي تعطينا إحساسنا بالذات أيضًا، وهو شعور يجادل العديد من علماء الأعصاب، والمتصوفين بأنه وهم كبير.

ويقول روفيلي إنه “دون وجود سجل- أو ذاكرة- وتوقعات بالاستمرار، لن نمر بمرور الوقت أو حتى نعرف من نحن، وأن الوقت تجربة عاطفية ونفسية، مرتبط بشكل وثيق بالواقع الخارجي، لكنه في الغالب شيء يحدث الآن في رأسنا”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى