مجتمع

“البقرة..الشخص”..تطوّر كرامة الحيوان

“البقرة..الشخص”..تطوّر كرامة الحيوان

cow

بيتر سِنجر

ترجمة: إبراهيم محمد علي        

 

 

ملبورن ــ في الشهر الماضي، أفلت عِجل من مجزر في حي كوينز بمدينة نيويورك. وسرعان ما ظهر مقطع فيديو للحيوان نُشِر في العديد من المنافذ الإعلامية. وكانت نهاية القصة سعيدة بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بالحيوانات: فقد أُمسِك بالعِجل وأُخِذ إلى مأوى للحيوانات، حيث سيعيش ما تبقى من حياته الطبيعية.

ولكن في نظري، كان الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في هذه القصة هو اللغة التي استخدمتها وسائل الإعلام في الإشارة إلى الحيوان. فكان العنوان الرئيسي للتقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز عن القصة كالتالي: “Cow Who Escaped New York Slaughterhouse Finds Sanctuary.” (البقرة التي فرت من المجزر في نيويورك تجد لنفسها مأوى). ظَلّ المدافعون عن الحيوان يناضلون لفترة طويلة ضد استخدام الاسم الموصول who في الإشارة إلى البشر فقط، واستخدام that أو which في الإشارة إلى الحيوانات (أو غير العاقل في عموم الأمر). لا تُنشئ كل اللغات هذا التمييز، ولكن في اللغة الإنجليزية، تبدو الإشارة إلى the cow that escaped (البقرة التي فرت) وكأنها تنكر على الحيوان شخصيته. فنحن جميعاً نقولthe prisoner who escaped (السجين الذي هرب)، ولكن نقول the rock that rolled down the hill (الصخرة التي تدحرجت إلى أسفل التل).

من السابق لأوانه أن نستنج أن مقال صحيفة نيويورك تايمز يشير إلى تحول في الاستخدام. بل يُظهِر هذا المقال حالة من عدم اليقين في واقع الأمر، ذلك أن السطر الأول من المقال يشير إلى A cow that was captured by police (بقرة أمسكت بها الشرطة).

وقد سألت فيليب كوربيت، محرر المعايير لدى صحيفة نيويورك تايمز ما إذا كان استخدام الاسم الموصول who في الإشارة إلى البقرة يعكس تغييراً في السياسة، فقال لي إن دليل أسلوب صحيفة نيويورك تايمز، مثله في ذلك كمثل اسوشيتد برس، يقترح استخدام who فقط في حالة الإشارة إلى حيوان يحمل اسماً أو حيوان مشخص. ويورِد دليل أسلوب الصحيفة المثال: The dog which was lost, howled (الكلب الذي كان مفقوداً عوى)، ويجعل في مقابله Adelaide, who was lost, howled (أديلايد الذي كان مفقوداً عوى).

وأضاف كوربيت أن المحررين ربما التبس عليهم الأمر بين المثالين. فالعِجل في حالتنا لم يكن يحمل اسماً عندما فَرّ من المجزر، ولكن بعد ذلك أُطلِق عليه مسمى “فريدي” من قِبَل مايك ستورا الذي وجد له مأواه الجديد لدى “سكايلاند لإيواء وإنقاذ الحيوانات”.

وبين وسائل الإعلام التي تناولت الخبر، استخدم بعضها who واستخدم بعضها الآخر that، كما يُظهِر البحث البسيط بالاستعانة بمحرك البحث جوجل استخداماً مختلطا. فإذا بحثت عن cow who فسوف تحصل على ما يقرب من 400 ألف عنوان، مقارنة بما يقرب من 600 ألف عنوان إذا بحثت عن cow that. وإذا وضعت كلمة dog في محل cow فإن الأرقام تصبح أكثر تقاربا ــ أكثر من ثمانية ملايين عنوان كنتيجة للبحث عن dog who، وأكثر من عشرة ملايين عنوان كنتيجة للبحث عن dog that.

وقد يكون هذا لأن أغلب قصص الكلاب تتحدث عن حيوانات أليفة يقتنيها البشر، وتحمل أسماءً بالتالي. ولكن إذا كان لنا أن نسترشد بجوجل، فإن حيوانات الشمبانزي، وهي نادراً ما تقتنى كحيوانات أليفة، يُشار إليها باستخدام الاسم الموصول who مرتين تقريباً أكثر من الإشارة إليها باستخدام الاسم الموصول that. ولابد أن تشابهها مع البشر ــ فضلاً عن فرديتها التي لا ينكرها أحد ــ يلعب دوراً في هذا الأمر. وفي الإشارة إلى حيوانات الغوريلا والأورانج أوتان أيضاً يُستَخدَم الاسم الموصول who بشكل أكثر شيوعاً من استخدام الاسم الموصول that.

ويزودنا محرك بحث جوجل نجرام، الذين يستخدم رسوماً بيانية لتحديد مدى تكرار استخدام كلمات أو عبارات في المصادر المطبوعة في سنوات مختلفة، منظوراً آخر مثيراً للاهتمام. ففي حين كان هناك أكثر من عشر إشارات إلى cow that في مقابل كل إشارة إلى cow who في عام 1920، انخفضت النسبة إلى أقل من خمسة إلى واحد بحلول عام 2000. ويبدو أننا أصبحنا نشخص الأبقار بشكل أكبر، برغم حقيقة مفادها أن العديد من مزارع الألبان التي تديرها الأسر، حيث يعرف المزارع كل بقرة، أصبح في محلها الآن مزارع صناعية تديرها شركات وتحتوي على الآلاف من الحيوانات المجهولة الاسم.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن استخدام الاسم الموصول who أصبح على ما يبدو أكثر قبولاً حتى في الإشارة إلى حيوانات ليست مستأنسة ومن غير المرجح أن تعتبر ذات شخصية منفردة مثل القِرَدة العليا. فمن الصعب أن نربط بين أسماك التونة المعلبة وأسماك فردية، ناهيك عن تصور السمكة باعتبارها شخصا، ولكن الكاتب شين توماسون تحدث في تغريدة له مؤخراً عن “the tuna who died to get put in a can that wound up in the back of my cabinet until past expiration and which I just threw away.” (سمكة التونة التي ماتت لكي توضع في علبة من الصفيح انتهت بها الحال إلى مؤخرة خزانة الطعام إلى أن انتهى تاريخ صلاحيتها والتي تخلصت منها للتو).

الواقع أن العديد من الحركات الاجتماعية تدرك مدى أهمية اللغة لأنها تعكس وتعزز المظالم التي تحتاج إلى علاج. وقد ساقت الحركات النسوية الأدلة التي تشير إلى أن الاستخدام المحايد جنسياً المفترض لكلمة man، وكلمة  he على نحو يشمل الإناث كان أشبه بجعل النساء غير مرئيات.

وهناك العديد من العلاجات المقترحة، والتي ربما كان أكثرها نجاحاً استخدام صيغة الجمع في سياقات مثل Each person should collect their belongings (ينبغي لكل شخص أن يجمع متعلقاته). كما كانت المصطلحات المستخدمة في الإشارة إلى أفراد ينتمون إلى أقليات عِرقية، والأشخاص من ذوي الإعاقة، موضع طعن أيضا، إلى الحد الذي بات من الصعب معه ملاحقة المصطلحات المفضلة بين أولئك المنتمين إلى هذه الفئات.

ويحتل استخدام الاسم الموصول في الإشارة إلى الحيوانات نفس درجة الأهمية كمثل إصلاحات لغوية أخرى. ففي أغلب الأنظمة القانونية اليوم، تُعَد الحيوانات من المِلكية الخاصة، تماماً كما الموائد والكراسي. وربما تحظى الحيوانات بالحماية بموجب تشريعات رعاية الحيوان، ولكن هذا لا يكفي لمنع اعتبارها مجرد أشياء، لأن الآثار والمناطق ذات الجمال الطبيعي تحظى أيضاً بالحماية. ولابد أن يتغير استخدام اللغة الإنجليزية بحيث يصبح من الواضح أن الحيوانات أقرب إلى البشر وليس الموائد والكراسي واللوحات والجبال.

وقد بدأ القانون يُظهِر بوادر التغيير. ففي عام 1992، أصبحت سويسرا أول دولة تدرج في دستورها بياناً عن حماية كرامة الحيوان؛ ثم تلتها ألمانيا بعد عشر سنوات. في عام 2009، أجرى الاتحاد الأوروبي تعديلاً لمعاهدته الأساسية لكي تضم بياناً يعترف بأن الحيوانات كائنات حساسة واعية، وبالتالي يقضي بإلزام الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء في صياغة السياسات الخاصة بالزراعة، والثروة السمكية، والبحوث، وغير ذلك العديد من المجالات، “باحترام متطلبات رعاية الحيوانات بشكل كامل”.

في لغة مثل اللغة الإنجليزية، التي تصنف الحيوانات ضِمناً باعتبارها أشياءً وليست شخوصا، يُعَد تبني الضمير الشخصي تجسيداً لنفس الاعتراف ــ ووسيلة لتذكيرنا من تكون الحيوانات حقا.

بيتر سِنجر أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري بجامعة ملبورن. ومن بين مؤلفاته كتاب “تحرير الحيوان”، وكتاب “الحياة التي يمكنك إنقاذها”، وكتاب “أعظم الخير الذي يمكنك تقديمه”، ومؤخراً كتاب “المجاعة: الثراء والأخلاق”.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2016. ينشر بالاتفاق مع زحمة دوت كوم
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى