مجتمع

مشروبات خفيفة.. وأسئلة صعبة

مشروبات خفيفة.. وأسئلة صعبة

soft-drinks

آدم بريجز- مايك راينر- بيتر سكاربورو

ترجمة: مايسة كامل        

أكسفورد- في شهر مارس/ آذار، أعلنت الحكومة البريطانية أنها تعتزم فرض ضريبة على المشروبات السكرية في عام 2018 لوقف انتشار البدانة في مرحلة الطفولة. ويعتمد نجاح هذه الضريبة، التي ستجري مناقشتها هذا الصيف، في تحقيق أهداف الصحة العامة المرجوة منها، على التفاصيل والتقييم الدقيق لآثارها.

والمملكة المتحدة ليست وحدها في القلق بشأن ارتفاع المعدلات العالمية للإصابة بالأمراض المرتبطة بالسِمنة مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية -وهي الحالات المرضية المكلفة التي قد تؤدي إلى إعاقة كبيرة والوفاة المبكرة. وقد فرضت دول عديدة، أو تفكر في فرض، الضرائب على الأطعمة والمشروبات غير الصحية- وخاصة تلك التي يضاف إليها السكر.

على سبيل المثال، تفرض شيلي ضريبة بنسبة 18% على المشروبات الغنية بالسكر؛ وتفرض فرنسا ضريبة على المشروبات التي يضاف إليها السكر والمحليات الاصطناعية؛ وتفرض المجر الضرائب على الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على مقادير عالية من السكر، والملح، والكافيين. ومؤخرا، أصبحت فيلادلفيا في بنسلفانيا أكبر مدينة في الولايات المتحدة تفرض ضريبة على المشروبات المحلاة.

تعمل هذه الضرائب الغذائية على أكثر مستويات التغير السلوكي المتاحة فعالية لدى صناع السياسات: الأسعار. ولكن من السابق للأوان أن نجزم بأن رفع الأسعار يؤدي بالضرورة إلى انخفاض الاستهلاك وبالتالي تمكين نتائج صحية أفضل. إذ تعتمد فعالية أي ضريبة على تصميمها واستجابة المستهلكين والصناعات الغذائية للحوافز التي تخلقها.

أظهر فرض الضرائب على المشروبات السكرية في المكسيك وبيركلي في كاليفورنيا استعداد الصناعة لمقاومة التشريع الذي ربما يؤدي إلى انخفاض أرباحها. وتشير الدلائل إلى أن هذه الضرائب أسفرت بالفعل بمجرد فرضها عن تغير في السعر للمستهلكين الذين أصبحوا نتيجة لذلك يشترون كميات أقل من المشروبات السكرية.

ولكن من المؤسف أننا لا نعرف إلا القليل عن تأثير هذه الضرائب على الصحة العامة. ذلك أن تطور السِمنة والأمراض المرتبطة بها يستغرق وقتا طويلا، ومن الصعب للغاية عزل تأثير الضرائب على المواد الغذائية عن التغيرات الناجمة عن سياسات صحية واتجاهات ثقافية أخرى. ولكن التنميط الحسابي والمنطق البسيط يشيران إلى أن هذه الضرائب سوف تعمل على تحسين الصحة. وقد جرى إطلاق تقييمات مفصلة في المكسيك وأماكن أخرى لقياس التأثيرات كميا.

من المثير للاهتمام أن كل الضرائب المفروضة على المشروبات السكرية، سواء في فرنسا، أو المجر، أو المسكيك، أو شيلي، هي ضرائب مبيعات؛ وهي تؤدي بشكل مباشر إلى زيادات في الأسعار عند نقاط البيع، وغالبا بما يتناسب مع حجم المشروب. ففي المكسيك على سبيل المثال، تبلغ الضريبة بيزو لكل لتر، وهذا يعني ارتفاع السعر بنحو 10%.

هنا يختلف مخطط المملكة المتحدة المقترح. فقد أعلن وزير الخزانة السابق جورج أوزبورن عن ضريبة من مستويين، بهدف واضح يتلخص في تشجيع الصناعة، وليس المستهلكين، على تغيير السلوك.

بموجب خطة أوزبورن، سوف تتقاضى السلطات من صناعة المشروبات السكرية نحو 18 بنسا (0.24 من الدولار الأميركي) لكل لتر من المنتجات التي تحتوي على 5 إلى 8 جرامات من السكر في كل 100 مليلتر من السائل، ونحو 24 سنتا لكل ليتر من المشروبات التي تحتوي على أكثر من 8 جرامات من السكر لكل 100 مليليتر. أي أن الضريبة على سبرايت على سبيل المثال، والتي تحتوي على 6.6 جرامات لكل 100 مليلتر، ستكون عند حدها الأدنى؛ أما الضريبة على كوكاكولا، التي تحتوي على 10.6 جرامات لكل 100 مليلتر، فسوف تكون عند حدها الأعلى. وسوف تستخدم الإيرادات لدعم البرامج في المدارس وتوسيع أندية الإفطار.

في بيان الميزانية، تحدى أوزبورن صناعة المشروبات السكرية أن تستجيب لاقتراحه بإعادة صياغة منتجاتها، وأن تشجع المستهلكين على التحول إلى المشروبات التي تحتوي على كميات أقل من السكر، وخفض أحجام الوجبات.

وقد لاقت الضريبة المقترحة ترحيبا واسع النطاق من قِبَل منظمات الصحة العامة والنشطاء. ولكن لأن إلقاء العبء على الصناعة نهج مختلف عن ما يجري تنفيذه في أماكن أخرى، فمن غير الممكن التكهن بالتأثيرات بشكل كامل. على سبيل المثال، لا شيء قد يمنع أي شركة من رفع الأسعار عبر نطاق منتجاتها، وبالتالي محو أي فارق في السعر بين المشروبات الغنية بالسكر والبدائل المنخفضة السكر.

وتشكل إمكانية إعادة صياغة المقترحات الحالية والداخلين الجدد إلى السوق المزيد من أسباب عدم اليقين المهمة. ففي عام 2014، قدمت كوكاكولا بديلها الجديد المنخفض السكر، تحت مسمى كوكاكولا لايف. ومن خلال تعليبه المتميز الأخضر وصورته الناصعة التي اكتسبها من خلال الحملات الإعلانية، استولى المنتج الجديد على أكثر من 2% من إجمالي مبيعات كوكاكولا في العام الأول بعد تقديمه. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه المبيعات الإضافية راجعة إلى مستهلكين كانوا ليتناولوا لولا ذلك كوكاكولا كاملة المحتوى من السكر، أو نسخة الدايت من المشروب الغازي، أو مشروبات أخرى مثل عصير الفواكه أو الماء.

في بيانه، استبعد أوزبورن صِغار المنتجين من التشريع، ولكنه لم يحدد ماذا يعني بصِغار المنتجين. وقد يشجع هذا توسع وتنويع منتجات صغار المنتجين مع ميزة السوق، كما حدث مع الجعة المحلية.

وأخيرا، اقترحت الحكومة أن الصناعة ينبغي لها أن تنظر في تقديم حصص أصغر، ولكن البنية الأساسية لعمليات البيع والتخزين القائمة مصممة لعبوات معدنية سعة 330 مللي وقوارير سعة 500 مللي. وأي تغيير كبير يتطلب تحولا يشمل الصناعة بالكامل في ما يتعلق بالتعبئة والتوزيع.

وقد بدأت المناقشة بالفعل. إذ تفكر صناعة المشروبات الخفيفة في المملكة المتحدة في اتخاذ إجراء قانوني، بدعوى أن الضريبة مخالفة لقواعد المنافسة، لأن عصائر الفاكهة النقية والحليب المحلى مستبعدة من التشريع (على سبيل المثال، تحتوي مارس وميلك شيك على 12.8 جراما من السكر لكل 100 مليلتر). ومن ناحية أخرى، يريد بعض النشطاء ضم الأطعمة الغنية بالسكر، مثل الحلويات والكعك، إلى التشريع المقترح.

سوف يراقب العالم المملكة المتحدة باهتمام، لأن تبني نهجها من قِبَل دول أخرى سيكون أسهل على المستوى السياسي. ومؤخرا، أصبحت أيرلندا آخر دولة تعلن اعتزامها فرض ضريبة على المشروبات السكرية.

إذا استجابت الصناعة للضريبة بإعادة صياغة منتجاتها وتغيير استراتيجيات التسويق، وإذا أدى هذا إلى انخفاض معدلات استهلاك السكر في المملكة المتحدة، فإن هذا يعني نجاح الضريبة. ولكن تحقيق هذا سوف يتطلب حرص صناع السياسات على الإعداد الجيد للتشريع وضمان تقييم آثاره على النحو اللائق.

آدم بريجز زميل تدريب بحوث ويلكوم ترست لدى مركز مؤسسة القلب البريطانية للأساليب السكانية في الوقاية من الأمراض غير المعدية. مايك راينر أستاذ صحة السكان لدى قسم نوفيلد لصحة السكان ومدير مركز مؤسسة القلب البريطانية للأساليب السكانية في الوقاية من الأمراض غير المعدية. بيتر سكاربورو كبير باحثين لدى مركز مؤسسة القلب البريطانية للأساليب السكانية في الوقاية من الأمراض غير المعدية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2016. ينشر بالاتفاق مع زحمة دوت كوم

www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى