منوعات

مسرح المخنثين في بيروت يتحدى الشرق الأوسط المُحافظ

يخاطر مالكو الموقع الذي تُقام فيه العروض بتراخيصهم.

washington post

ترجمة وإعداد: ماري مراد

تجلس أنيسة كرانا- مركز الاهتمام الآن- هادئة، واضعة إحدى قدميها على الأخرى في وسط الغرفة، فقد بدأت العاصفة في الضجيج، والحفلة قد بدأت للتو من حولها.

الأصدقاء يثرثرون ويدندون خلال رسم شفتيها ووجنتيها، فالجميع عيونهم على الساعة، الأبواب تُفتح الساعة التاسعة، وتخرج أنيسة على المسرح الساعة الحادية عشرة.

 نجمة العرض تأخذ نفسًا عميقًا

أهلًا بكم في مسرح دراج كوينز بيروت (هم في الغالب من الرجال يرتدون الملابس النسائية ويتصرفون بأنوثة مبالغ فيها وفي أدوار نسائية لغرض الترفيه والتأثير الدرامي الكوميدي الساخر) وليلة “Grand Ball”، و(هي حفلة راقصة كبيرة).

وبالنسبة للكثيرين، فإن هذا المساء سيكون أول ظهور ومقدمة لمجتمع يفخر بموهبته، لكن بالنسبة لأنيسة كرانا- الاسم المسرحي لأنيس عز الدين البالغ 22 عامًا- فهذا ذروة أداء عامها الأول، بحضور أكبر عدد من الجمهور.

ويشتهر الشرق الأوسط بمذهبه المحافظ، لكن مع الحياة الليلية الحماسية والأعراف الأكثر ليبرالية، لطالما رُحب ببيروت كملاذ نسبي لمجتمع “LGBTQ” (أصاحب الميول الجنسية المثلية، والمزدوجة، والمتحولة، والمتسائلين عن ميولهم) في المنطقة، ولكن ليس دون تحديات، فغالبًا ما تكون العروض مرتجلة وتجري في ظل إجراءات أمنية مشددة، وستجد أن بعض النشرات لا تشير إلى مكان العرض، لذلك تنتقل المعلومات شفهيًا.

وعادة ما يظهر المؤدون بملابس الشارع، ويتحولون إلى شخصية جديدة بالكامل، ثم يرتدون ملابسهم مرة أخرى قبل أن يخرجون مجددًا. مع ذلك، ستدخل أنيسة هذه الليلة بطريقة مميزة. وقد تم تجهيز سيارة في المكان، وتريد أنيسة التمتع بردود فعل زملائها.

ولدراج كوينز جذور أكثر عمقا من أي مكان آخر في العالم العربي، وخلال العام الماضي، بدأ المشهد يزدهر.

ونشأ الكثيرون- الذين أصبحوا من فناني الدراج كوينز- على مشاهدة باسم فغالي، وهو فنان كوميدي اكتسب شعبية في أوائل عام 2000 بتقمص شخصية المطربات، وفي عام 2015، جذبت إيفيتا كيدافرا، الدراج كوين الأرمانية الفلسطينية، الانتباه، ومن ثم نمت الدائرة.

ومع اتهاج العشرات لهذا المسار منذ “Grand Ball” في العام الماضي، فإن الفنانين يفضلون أحد المشاهير في المقام الأول: روبول وعرضه الناجح للمواهب “RuPaul’s Drag Race”.

وقالت نارسيسا، دراج كوين، عن البرنامج التلفزيوني الأمريكي الحائز على جائزة إيمي: “لقد أحدث ذلك فرقًا كبيرًا، فجأة كان الجميع يشاهدونه، وفكرت للتو في إمكانية قيامي بذلك أيضًا، هؤلاء الفنانين علمونا الكثير”.

أما الآن في موسمه العاشر، فقد أصبح البرنامج إلزاميًا لمعظم دراج كوينز بيروت، إما بتحميله أو مشاهدة مباشرة عبر الإنترنت في المدينة الشهيرة باتصال الإنترنت السيئ.

وقالت أنيسة: “لقد وقعت في حبه، عندما تضع شعرا مستعارا لأول مرة، ثم الماكياج، يمكنك فقط الوصول إلى تلك الشخصية بسرعة كبيرة”.

والناشئ عن كل هذه التأثيرات هو مشهد يمزج بين إجلال ثقافة الدراج الأمريكية بشيء لبناني مميز وغير محترم.

ويشع من أنيسة كرانا ونرسيسا سحر هوليوود: بشعرهما الكيرلي وملابسهما ومجوهراتهما، كما يضع المؤدون الكحل على رموشهم للقيام بأداء تمثيلي مع موسيقى عربية أو قول نكات حادة عن النظام السياسي اللبناني المتدهور.

مشهد الدراج في المدينة انطلق فقط خلال العام الماضي، حسب ما هو معروف، مع أحداث تقام في حفنة من الأندية الموثوق بها.

وكان الـ”Grand Ball” في وقت سابق من أضخم العروض، حيث يتنافس حوالي 30 متسابقين أمام حشد غفير ومليئ بالحيوية. تضخمت الطاقة أثناء قيام فناني بالراب والرقص الشرقي، إذ ارتدوا فساتين مثلت العناصر الأربعة الكلاسيكية: الأرض والماء والهواء والنار.

وفي بعض الأحيان تصطدم العوالم. ففي أكتوبر، في مفاجأة للجميع تقريبا، نجحت ساشا فيلور، نجمة ” RuPaul’s Drag Race” ، في اجتياز أحد أشهر معالم الحرب الأهلية في بيروت، وهي سينما على الطراز الوحشي، وهو نمط معماري ازدهر في فترة الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات، وتظهر مقاطع الفيديو من تلك الحفلة، المغنية مرتدية الترتر القرمزي، تترنح أمام الجمهور، وتقف أمام الكاميرا، في حين يتجاهلها الآخرون بتعمُد.

وقال إيلي رزق الله، مؤسس ومدير الإبداع في مجلة “Plastik ” التي نظمت الحدث: “لم يكن أحد يعلم أن هذا سيحدث. وأوضح أنه عندما بدأت الموسيقي، كان الحشد مفتونًا، “لقد كانت واحدة من أكثر اللحظات سحرًا في حياتي”.

وقبل الأداء، قد يقضي الفنانون أسابيع لإعداد ملابس تناسب شخصيتهم. وذكر أحد الفنانين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته: “ارتدائي للملابس النسائية هو ما لم أتمكن من فعله عندما كنت صغيرا”. مشيرا إلى أنه كان يرتدي الكعب العالي الخاص بأمه ويضع مكياجها سرًا قبل سنوات من اتضاح مثليته. وعندما اكتشف والديه منعوه من دخول منزلهما، وانقلب عليه زملاؤه.

والآن، يعيش مع “دراج كوينز” آخرين. وقال: “إنهم مثل عائلتي. نحن نساعد بعضنا البعض في الطعام والمكياج والمال كل شيء”. وقد واجه آخرون تجارب مماثلة، وطردوا من منازلهم ونبذتهم المجتمعات التي نشأوا فيها.

ورغم أن الدولة اللبنانية أكثر تسامحًا مع المثلية الجنسية من الحكومات العربية الأخرى، فإنه لا يزال من الممكن التذرع بقانون العقوبات للاعتقال. وفي مايو، اعتُقل منظِّم أسبوع الكبرياء بيروت بتهمة “التحريض على الفجور”، قبل الضغط عليه لإلغاء قراءة شعر ومناقشة حول الصحة الجنسية وورشة عمل محو الأمية القانونية، ويقول نرسيسا: “نحن لا نمتلك قوانين ثابتة هنا”.

والفنانون الذي يختارون السفر إلى عرضهم، يُمكن أن يتم إيقافهم عند نقاط التفتيش. ويخاطر مالكو الموقع الذي تُقام فيه العروض بتراخيصهم. ويتم اعتبار عدد صغير فقط من الأماكن “مساحات آمنة” للدراج ومجتمع الـ “LGBTQ” الأوسع، ويجب أن يكون لدى المالكين روابط قوية مع السلطات المحلية لضمان أن الشرطة لن تظهر وتضايق الحضور.

ويذكر رزق الله: “إذا كنت أفعل هذا في نيويورك، فلن أفكر مرتين، سأفعله فقط، لكن في لبنان يجب أن تتوقف، يجب أن تناقش كل شيء”. ومع ذلك تستمر العروض، عادة دون توقف.

وقال رزق الله: “أريد من الناس أن يحلموا بأن هذا أمر طبيعي، وأن هذا يمكن أن يحدث في لبنان، دون معرفة ما مررنا به لإيصالهم إلى هذه النتيجة”. “لا أريد أن يشعر الناس بالنضال. أردت فقط أن يستمتع الناس”.

وبحلول الثامنة من هذا المساء، كانت أنيسة كرانا جاهزة، مرتدية كورسيه أزرق وبوت طويل حتى الفخذين وكعب عالي قوي بما يكفي لتحمل الليلة، وما ميز إطلالتها شعرها الأشقر البلاتيني المستعار. “سنستمتع الليلة” قالت أنيسة للأصدقاء.

وبينما كانت تضع يدها على فخذيها، كانت الشخصية الأكثر إثارة للاهتمام في الغرفة، وارتدت البوت العالي الخاص بها متجهة ناحية الحشود.

والآن: السيارة جاهزة، وحان وقت بدء الـ”Grand Ball”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى