إعلامسياسة

محمد فهمي: “الجزيرة” أهملتنا وكانت أداة في حرب قطر على مصر

 الجارديان: الجزيرة تجاهلت تحذيرات طاقمها حول وضعها القانوني.. وعدم مهنية “مباشر مصر” أضرت بالصحفيين

الجارديان – باتريك كينجسلي و إيان بلاك – ترجمة: محمد الصباغ

اتهم محمد فهمي، قناة الجزيرة بالإهمال الكبير، وقال إنها كانت جزءا  من أسباب القبض عليه وحبسه. وينتظر فهمي إعادة محاكمته بعد أن أمضى أكثر من عام في السجن.

وأضاف أنه من السذاجة والتضليل أن ننظر للقضية فقط على أنها تضييق على حرية الرأي والتعبير لأن قطر، التى تمول شبكة الجزيرة، استخدمتها في ”خوض حرب إعلامية“ ضد القاهرة.

كان فهمي الذي يحمل الجنسيتين المصرية والكندية قد تخلى عن جواز سفره المصري كمحاولة لإسراع عملية ترحيله في ديسمبر. وسيعود برفقة باهر محمد إلى قفص المحاكمة الأسبوع المقبل عقب الإفراج عن زميلهما الأسترالي بيتر جريست في بداية هذا الشهر. كانت السلطات قد حبست الصحفيين الثلاثة العاملين في قناة الجزيرة الإنجليزية في يونيو الماضي لاتهامهم بمساعدة الإرهاب ونشر الأخبار الكاذبة.

وتأتي تصريحات فهمي عقب عدة محاولات لتسليط الضوء على قضيته أمام السلطات المصرية في الشهور الأخيرة، وشمل ذلك مقال رأي نشره في جريدة مصرية خاصة كبيرة عبر فيها عن دعمه لإطاحة الجيش بالرئيس السابق محمد مرسي.

تتفق انتقادات فهمي لـ”الجزيرة” مع ما قاله العديد من محرري القناة لـ”الجارديان”. ورغم ذلك قال فهمي للأسوشيتد برس: ”لن أنسى من وضعني في السجن”،  وأضاف: “إهمال الجزيرة الكبير لنا صعب من موقفنا. وإخراس ثلاثة أبرياء معروف أنهم صحفيين هو انتهاك لحرية الرأي والتعبير. لكن يبقى جانب آخر للقضية وهو استغلال قطر لقناة الجزيرة العربية في شن حرب إعلامية ضد مصر”.

وقال باقي طاقم الجزيرة الإنجليزية للجارديان إنه رغم أن إجراءات القناة ساهمت في توجيه انتقادات دولية للحكم، إلا إنها فشلت في حماية صحفييها من التهديد بالحبس وتسببت في خطورة أكبر عليهم بعد احتجازهم.

وقال العديد من العاملين في القناة الإنجليزية إنها تجاهلت الإشارات المتكررة والتحذيرات بأن طاقمها هو الأكثر عرضة للخطورة من باقي الصحفيين الدوليين، ففشلت في تسوية وضع العاملين بها قانونياً مع الحكومة المصرية أثناء بقائهم أحرار. واستعانت بمحامين غير مؤهلين وغير قادرين على تقديم دفاع فعال.

يقول أحد العاملين في القناة: ”كان هناك العديد والعديد من الإشارات“ ، وكان قد حذر مديريه من الضغط المتزايد من السلطات المصرية في الأشهر التي سبقت القبض على الثلاثة صحفيين في ديسمبر 2013.  وأضاف: ”لكنهم استجابوا باستبدال المعروفين بمراسلين آخرين لا يمتلكون خبرة العمل في مصر. كان إهمالاً شديد الوضوح. كل ما اهتموا به هو أن يتم تغطية الأخبار مهما كان الثمن”.

شعر صحفيو الجزيرة الإنجليزية بالخطر القادم عقب إغلاق قناة ”الجزيرة مباشر مصر“ في يوليو 2013. ثم إخلاء مكتب قناة الجزيرة العربية في أغسطس، والقبض على الصحفيين من كلتا القناتين خلال الصيف.

عقب الإطاحة بمرسي في يوليو، سبب النظام الجديد المدعوم من المؤسسة العسكرية المشاكل للعديد من الجهات الاعلامية ومن ضمنها الجارديان، التى حاولت مواجهة الرواية الرسمية الجديدة للأحداث. وكانت قناة الجزيرة الانجليزية بالأخص في خطر بسبب دعم الجزيرة العربية الصريح لمرسي، وبالنسبة لكثير من المصريين فالقناة الإنجليزية مشبوهة أيضا.

 كان العاملون في القناة مستائين من هذا التحيز. وتقول شيرين تادروس مراسلة الجزيرة الإنجليزية عقب استقالتها الربيع الماضي: ”الجزيرة العربية كانت قوة هائلة لكنهم وجهوها نحو رؤوسهم. إنها تقود الأحداث بدلاً من نقلها. لقد شعرت بعدم الارتياح تجاه القناة العربية بالتحديد“، وتضيف: ”كانت جيدة عندما كان الإخوان هم المظلومون لكن عندما أصبحوا مستبدين لم تتغير القناة مع تغير الزمن. وفشلت في رؤية أن المظلومين أصبحوا ظالمين“.

ودافع مصدر داخل إدارة القناة عن قرار استمرار عمل الجزيرة الإنجليزية، وقال التهديدات للجزيرة كانت مشابهة لتلك التهديدات التى تلقتها كل وسائل الاعلام الناطقة بالانجليزية في مصر. لكن أحد العاملين قال: ”لم نكن مجرد صحفيين آخرين، و كان يجب على الجزيرة أن تفهم ذلك. أعتقد أنهم ظنوا أن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو الترحيل أو الإحتجاز لمدة أسبوع“.

جاء التحذير الأكبر للجزيرة الإنجليزية في 2 سبتمبر 2013، عندما داهم الأمن مكاتبها في القاهرة. في ذلك الوقت احتجز اثنان من العاملين لفترة قصيرة وتم الإستيلاء على بعض المعدات. لكن المكتب أصبح في متاهة قانونية، فلم يغلق كما حدث مع الجزيرة العربية والجزيرة مباشر مصر وأيضاً لم تعتمد الحكومة التصاريح للصحفيين.

يقول نادر جوهر، مدير شركة القاهرة للإخبار، إنه من تلك اللحظة كان على إدارة الجزيرة أن توضح موقفها القانوني في البلاد. وتنقل شركة القاهرة المواد المصورة من قناتي الجزيرة العربية والجزيرة الإنجليزية إلى مكاتبهما في قطر. ولأن القناة الإنجليزية تم تسجيلها كشركة مستقلة عن شقيقاتها العربية فمازالت تمتلك بعض المساحة القانونية.

لكن القناة قامت بعد ذلك بتغيير مكان الاستوديو إلى فندق الماريوت بالقاهرة، ولم تحاول أن تسجل ذلك رسمياً عند الحكومة. ولم يتعامل مع الموقف مدير مكتب القناة الإنجليزية في القاهرة، عبد الله موسى، بل غادر إلى الدوحة دون رجعة. ويقول جوهر: ”عندما انتقلوا إلى الماريوت لم يتصرفوا بالشكل الصحيح مع الأوراق المطلوبة. ولم يذهبوا إلى المركز الإعلامي لإخبارهم بقرار الانتقال.. وقاموا بالعمل دون إبلاغ السلطات”.

في ذلك الأسبوع، حذر مرة أخرى بعض العاملين في القناة المسؤولين في قطر من الخطر المتعاظم. وكتبت الصحفية هبة فهمي في رسالة عبر البريد الإليكتروني إلى إدارة الجزيرة في 5 سبتمبر، تقول: ”أعتقد أن هناك مشكلة نقص معلومات والدوحة لا تدرك مدى خطورة الموقف الأمني في القاهرة. أريد أن أؤكد أن الجزيرة الإنجليزية لا تعمل في القاهرة بحرية“ وحصلنا على هذه الرسالة من مصدر في القناة.

في 7 سبتمبر، تم تعيين محمد فهمي مديرا للمكتب بدلا من موسى، وأدى عمله من فندق الماريوت. وفي يومه الأول سأل فهمي بلغة مهذبة عبر البريد الإلكتروني عن الموقف القانوني للجزيرة الإنجليزية. وفي اليوم التالي، ردت عليه عفاف سعودي، نائبة المدير التنفيذي لقسم الأخبار، وقالت: ”أقدر اهتمامك بالموقف القانوني لكن الإدارة بالدوحة ستتعامل مع الأمر من هنا. من فضلك ركز على جانب الإنتاج من تلك اللحظة“.

لم توضح الدوحة الموقف القانوني لمكتب القاهرة. وعلى عكس طاقم الجزيرة العربية، لم يتم ترحيل طاقم القناة الإنجليزية. ولم يتم تسجيل ستوديو الماريوت قانونياً. ودافع مصدر من الدوحة عن القرار قائلاً إن إنشاء مكتب في فندق غربي هو إجراء متعارف عليه في المناطق المضطربة ”التقييم القانوني من جانبنا هو أننا كنا نعمل بشكل قانوني“.

أبلغ المراسلون الأجانب كجريست، الذي وصل مصر قبل 15 يوماً من القبض عليه، بأن يدخلوا مصر بتأشيرة سفر سياحية وأن يعملوا دون تصاريح رسمية. وفي ديسمبر مع قرب إنتهاء تصاريح عمل الصحفيين المقيمين في مصر، طلبت الجزيرة تجديد تصاريح العمل لأربعة منهم، ولم يكن من ضمنهم فهمي أو جريست أو باهر.

خلال فترة ما بعد الثورة في مصر، أجبرت الإضطرابات السياسية والبيروقراطية الصحفيين الزائرين على العمل دون تصاريح رسمية لفترات قصيرة. ويعتقد العاملون أن الظروف والمشاكل المتعلقة بالجزيرة الإنجليزية جعلت هذا التصرف غير حكيم جزئياً.  كان عمل القناة في القاهرة واسعا و دائما. وأصبح ملاك القناة، وهى دولة قطر، على الطرف الآخر من الحكومة المصرية بسبب الدعم القوي لمرسي والإخوان المسلمين. وهاجم المدنيون كثيراً أي صحفي يشكون في عمله لصالح الجزيرة.

وتأزم الموقف أكثر في الأسابيع التى سبقت القبض على الصحفيين الثلاثة بسبب بث مواد الجزيرة الإنجليزية على الجزيرة مباشر مصر. ولضمان أمن مراسليه طلب نادر جوهر وطاقم الجزيرة الإنجليزية من الإدارة التوقف عن بث لقاءات أجرتها القناة الإنجليزية على الجزيرة مباشر مصر. ويقول جوهر: ”أخبرت الدوحة أنني  سأقطع الإرسال لو استمرت في استخدام مواد القناة الإنجليزية على شاشة مباشر مصر. الأمر ليس خطراً على فقط بل عليكم أيضاً”.

ورغم ذلك، استمرت مباشر مصر في استخدام مواد القناة الإنجليزية ما أغضب المراسلين والمصادر أيضاً. وفي 27 سبتمبر، اشتكى فهمي إلى ثلاثة من المديرين الرئيسيين أن مواداً عن الأطفال المحتجزين تم ترجمتها إلى العربية و بثها على الجزيرة مباشر مصر. وأشار إلى ”التوتر الزائد في مصر تجاه القناة العربية“، وحذر أنه “بسبب الموقف الأمني ستنقلب علينا هذه الأفعال وتؤذينا”.

ورد عليه مدير قسم الأخبار بالقناة الإنجليزية، صلاح نجم: ”سأتعامل مع هذا الأمر“، بينما قال مصدر قطري أن إدارة الجزيرة الإنجليزية ”قامت بما تستطيع فعله“ لكن المشكلة استمرت في ديسمبر. وخلال محاكمة فهمي، استندت النيابة إلى بث مباشر مصر لمواد من الجزيرة الإنجليزية في محاولة ناجحة لإثبات أن الصحفيين الثلاثة المحتجزين كانوا بالفعل يعملون لصالح قناة الجزيرة مباشر مصرالداعمة لمرسي، وبالتالي هم عملاء لجماعة الإخوان المسلمين التى أصبحت جماعة محظورة.

وقد أثارت طريقة تعامل الجزيرة الإنجليزية أثناء المحاكمة الكثير من الأسئلة. واستمرت القناة في دفع مرتبات الثلاثة ودفعت تكاليف سفر وإقامة عائلاتهم في مصر أثناء المحاكمة. لكن المحامين، فتحي فراج ويسري السيد، اللذين عينتهما الجزيرة للدفاع  عن صحفييها، ظهرا وكأنهما غير قادرين على تقديم دفاع مؤثر تجاه اتهامات مسيسة واضحة ومزيفة. وازداد القلق حول احترافية فراج قبل إلقاء القبض على الثلاثة، وتم تحذير إدارة الجزيرة على الأقل مرتين لتكليف محامي آخر.

وقال مصدر بالدوحة إن إدارة الجزيرة كلفت فراج وسعيد بحسن نية اعتماداً على ”المعلومات التى كانت موجودة في ذلك الوقت”. لكن إدارة الجزيرة اعترفت أنها كان يجب أن تختار محامين آخرين، وقالت إنه كان هناك احباط كبير بين الإدارة التحريرية تجاه الجانب القانوني. وأضاف: ”لا أعتقد أن أحداً سعيد بالقرار. لقد شعرنا بذلك جميعاً. لا أعتقد أنك ستجد من يدافع عن ذلك هنا”.

 وقال مطلعون إن إجراءات قانونية كانت تتخذ عادة بواسطة شخصيات رئيسية داخل الشبكة العربية، وتتجاوز إدارة الجزيرة الانجليزية، وكان هناك انقسام مع الإدارة حول الإستراتيجية.

لا يتشارك كل العاملين في الجزيرة الإنجليزية شعور القلق حول تعامل الشبكة مع مصر. ويقول أحد أعضاء طاقم القناة من المقيمين في مصر، الذي مازال يحصل على راتبه رغم توقف القناة الإنجليزية عن العمل، ”اهتمامهم بموظفيهم فاق كل التوقعات. فتأميني الصحي مازال سارياً حتى الآن. ومازالوا يدفعون راتبي، وإذا طلبوا منى عمل شىء سأقوم به”.

وأكدت كل اللقاءات على أنه سواء فشلت الجزيرة في واجب الرعاية أم لا، فإن مسؤولية حبس الصحفيين الثلاثة سياسياً تقع على الحكومة المصرية. يقول نادر جوهر: ”يجب توجيه اللوم إلى مصر، كان يجب على الحكومة أن تكون متأكدة من عدم وصول القضية إلى المحكمة”.

وقال المتحدث باسم الجزيرة في بيان: ”نريد صحفيينا خارج السجن ونملك فريقا قانونيا من الدرجة الأولى. لقد تصرفنا دائماً بأفضل طريقة ممكنة حسب المعلومات والنصائح المتاحة. وسوف نستمر أيضاً في فعل كل شئ نستطيعه من أجل حملة دولية كبيرة لإطلاق سراحهم“.

ويضيف: ”كأكثر قناة عربية يتم متابعتها في الشرق الأوسط، والشبكة العربية الوحيدة التى تبث جميع وجهات النظر حول الوضع في مصر، واجهنا حملة تخويف شرسة في الدولة. وواجبنا تجاه تلك الظروف والتحديات يمكن أن يحتاج للتدقيق لكن لا يجب أن يبعد أحد نظره عن حقيقة أن مسؤولية حبس الصحفيين تقع بصفة قانونية على محتجزينهم“.

ويقول، عادل اسكندر، خبير الإتصالات في جامعة جورج تاون بواشنطن، إن الجزيرة الإنجليزية عانت بوضوح بسبب قنوات الجزيرة العربية. ويضيف: ”الأمر مثل إنكار حقيقة أنك تمتلك قدم مصابة بالغرغرينا و لكنك تصر على أنك قادر على أن تتكأ دائماً على الأخرى”.

 يضيف أيضاً: ”تجريم طاقم الجزيرة هو نتاج مباشر لنهج الدولة المصرية في القضاء على المعارضين، لكنه أيضاً نتاج عدم المهنية والمسؤولية من قناة الجزيرة مباشر مصر. فتلك القناة (مباشر مصر) شىء مكروه في الصحافة ووصمة عار على شبكة الجزيرة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى