رأي النخبة

محمد العريان: عودة النفط غير المؤكدة

محمد  العريان

ترجمة: إبراهيم محمد علي       

كالجاري ــ مع ارتفاع النمو الاقتصادي العالمي في كل مكان عمليا، ترتفع آمال منتجي النفط في استمرار تعافي الأسعار المبهر مؤخرا. ولكن إذا كان لهذه الآمال أن تتحقق، فلن يكون لزاما على المنتجين أن يسيطروا على ما يمكنهم السيطرة عليه فحسب (من خلال الحفاظ على انضباط الإنتاج)؛ بل ينبغي لكل العوامل الواقعة خارج نطاق سيطرتهم (الناتج من الصخر الزيتي وقيمة الدولار) أن تعمل لصالحهم أيضا.

قبل ما يزيد قليلا على ثلاث سنوات، كان سعر النفط (خام غرب تكساس الوسيط) أعلى من 100 دولار للبرميل، وبحلول أوائل عام 2016، هبطت الأسعار إلى نحو 30 دولارا للبرميل، نظرا لمجموعة من العوامل تألفت من ضعف الطلب، والإمدادات البديلة (وخاصة النفط الصخري والغاز من الولايات المتحدة)، ونموذج الإنتاج الجديد الذي تبنته منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) والذي بموجبه انسحبت الكتلة بقيادة المملكة العربية السعودية من أداء وظيفة “المنتِج المرجِّح”.

في أعقاب الانهيار الذي نجم عن ذلك في عائدات التصدير وإيرادات الميزانية، اعتمدت منظمة أوبك نهجا جديدا يقوم على اتفاق الإنتاج المستحدث الذي يحمل سمتين رئيسيتين: المزيد من المرونة للدول التي تواجه ظروفا داخلية معقدة بشكل خاص (مثل ليبيا) وضم منتجين من خارج منظمة أوبك، وخاصة روسيا. ومعا، أنشأت دول منظمة أوبك والدول من خارجها أرضية يمكن أن ترتد عنها أسعار النفط. ومع ارتفاع النمو العالمي ونشوء أسباب عدم اليقين الجيوسياسية (التي قد تقيد الناتج في بعض الدول المنتجة للنفط)، ارتدت أسعار النفط إلى ما فوق 60 دولارا للبرميل.

الواقع أن مرحلة النمو العالمي الحالي مفيدة بشكل خاص لأسعار النفط (وسلع أساسية أخرى)، لأنها متزامنة، وحقيقية، ومعززة لذاتها على نحو متزايد. وهي تعتمد على التعافي المتزامن في الاقتصادات المهمة جهازيا في أوروبا، واليابان، والولايات المتحدة، والعالَم الناشئ. كما تقوم على مكاسب دائمة في النشاط الاقتصادي، وليس مجرد هندسة مالية.

ونظرا لهذه السمات، بدأت طفرة النمو العالمي اليوم تولد حلقة حميدة بين الاستهلاك، والاستثمار، والتجارة. وربما تكتسب هذه الديناميكية المزيد من الزخم، وخاصة إذا جرى تدعيم التدابير الأخيرة الداعمة للنمو في الولايات المتحدة، والشفاء الداخلي في أوروبا، بإصلاحات بنيوية، فضلا عن إدارة الطلب على نحو أكثر توازنا، وتحسين تنسيق السياسات الدولية.

الواقع أن مخاطر الجانب السلبي في ما يتصل بأسعار النفط تحولت من جانب الطلب إلى جانب العرض. وتميل أسعار النفط الأعلى إلى التسبب في تآكل انضباط الإنتاج في منظمة أوبك، وخاصة من قِبَل أعضاء (مثل نيجيريا وفنزويلا) اندفعوا تاريخيا إلى تأمين عائدات أعلى لتخفيف ظروف الميزانية العصيبة، على حساب نظرائهم (مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة). وبفِعل هذا الميل، يُصبِح التنسيق مع المنتجين من خارج منظمة أوبك أكثر صعوبة. ويُفضي الإنتاج المتزايد من المصادر البديلة (أكثرها أهمية الصخر الزيتي) التي شجعها ارتفاع الأسعار، إلى التعويض عن تأثيرات الطلب المفيدة، إن لم يكن تجاوزها.

ولكن على الرغم من ذلك، بإدخال بعض التعديلات الطفيفة على الاتفاق الحالي، ينبغي لأعضاء منظمة أوبك أن يتمكنوا من الحفاظ على انضباط إنتاجهم الجماعي، على افتراض وجود الإرادة. وربما يجدون صعوبة أكبر في الاستمرار في كبح جِماح الدول من خارج منظمة أوبك. ولكن من خلال مفاوضات متروية تتضمن رؤى من نظرية الألعاب، فإن هذا أيضا يصبح في حكم الممكن.

عندما يتعلق الأمر بالعوامل التي لا يستطيع منتجو النفط السيطرة عليها بشكل كامل، تُصبِح التوقعات أقل تفاؤلا. فقد ساعد انخفاض قيمة الدولار أميركي ــ الذي انخفض بنحو 10% من حيث القيمة التجارية في عام 2017 ــ في دفع أسعار النفط إلى الارتفاع، ولكن من المرجح أن يتوقف الانخفاض ثم ينعكس اتجاهه جزئيا. ويتطلب تجنب هذه النتيجة أن تستمر أوروبا واليابان في التفوق على توقعات السوق، في الإجمال، وبشكل أكثر أهمية نسبة إلى الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، سوف يحتاج البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان إلى إحكام وتشديد السياسة النقدية ــ بما في ذلك التعجيل بخفض مشترياتهما الواسعة النطاق من الأصول ــ بسرعة أكبر من توقعات الأسواق.

وأخيرا، هناك التحدي الذي تفرضه زيادة إنتاج الصخر الزيتي. والحقيقة أن منتجي النفط التقليديين لا يمكنهم القيام بأي شيء يُذكَر في مواجهة الاستجابة المحتملة من قِبَل منتجي الزيت الصخري لارتفاع الأسعار.

وعلى هذا فإن أفضل نصيحة يمكننا تقديمها لمنتجي النفط هي أن يتعاملوا مع المكاسب الأخيرة في أسعار النفط باعتبارها ربحا مؤقتا غير متوقع، وليس حالة دائمة أو حتى اتجاها من المرجح أن يزداد قوة في العام المقبل ــ ما لم تحدث صدمة جيوسياسية ملحوظة. وهذا يعني أن المنتجين ينبغي لهم أن يقاوموا إغراء استخدام عائداتهم الأعلى لتغطية إنفاق متكرر جديد. كما ينبغي لهم أن يسارعوا إلى العمل على تعزيز انضباطهم الجماعي للتقليل إلى أدنى حد من الخطر المتمثل في تصرف الجميع على هواهم على النحو الذي من شأنه أن يهدر المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في السنوات الأخيرة.

محمد عبد الله العريان كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز، وكان رئيسا لمجلس الرئيس الأميركي باراك أوباما للتنمية العالمية، وهو مؤلف كتاب “اللعبة الوحيدة في المدينة: البنوك المركزية، وعدم الاستقرار، وتجنب الانهيار التالي“.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2018.
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى