مجتمع

متحرش..لا خاطىء!

  

 

لأسباب ربما لن يفهمها بطل “السقوط الحر” النمساوي فيليكس باومغارتنر، كان في العالم العربي من  غضبوا من الاهتمام الإعلامي بقفزته الأسطورية من منطاد على ارتفاع 39 كم (يتراوح ارتفاع الغلاف الجوي بين 30 و50 كيلومترا)، كتب بعض هؤلاء الغاضبين بصراحة متسائلين عن سر الاهتمام بفيليكس في الوقت الذي يتم فيه “تجاهل شاب مسلم، قرر -في الفترة نفسها عام 2012- الذهاب لأداء فريضة الحج مشيا على الأقدام من موطنه في البوسنة، إلى الحجاز، قاطعا حوالي 6 آلاف كيلومتر على قدميه.  

نتيجة بحث الصور عن باومغارتنر فيليكس

لم تتوقف الغرابة عند هذا الربط غير المتوقع بين قفزة رياضية بالأساس، وأداء شعيرة دينية، فثمة المزيد، لم تكن قفزة فيليكس مجرد استعراض للتسلية، ولا مجرد كسر لبعض الأرقام القياسيةـ، بل الأهم أن التجربة برمتها كانت في خدمة العلم، لدراسة تأثير تغيرات الضغط الجوي والحرارة وكثافة الهواء على الجسم البشري وكتلته، وهو ما لا يمكن قوله، على أي نحو ومن أي زاوية، عن رحلة الشاب البوسني “سناد هادزيتش” لأداء فريضة الحج، والتي كان “تجاهلها”، وفقا للغاضبين، دليلا جديدا على عدم الاهتمام بالمسلمين، أو حتى “المؤامرة” على العالم الإسلامي، لم يفهم أولئك الساخطون، أن تجربة الشاب المسلم الإيمانية، مهما كانت شاقة، فهي “تخصّه”هو، وفي أعظم الأحوال، تخص أبناء عقيدته، لأسباب دينية فحسب، فلا هي تلفت نظر “العالم” ولا “علماؤه”، هذا بغض النظر عن  أنها حتى بالمعايير الدينية، غير ضرورية، فالحاج البوسني، كما قال في لقاءات متلفزة، لم ينطلق في رحلته مشيا من أجل هدف إنساني ما، بل فقط لأنه لم يملك النقود ليذهب بالطائرة، انطلق من بلده وبحوزته 200 يورو، معتمدا على “ضيافة أهل الخير” خلال سفره، أي أنه، حتى بالمعنى الديني ليس ممن استطاعوا إلى الحج سبيلا.

بعد 7 سنوات، يعمد آخرون مرة أخرى إلى استحضار صورة الكعبة المشرفة إلى سياق منزوع العلاقة،  إذ تداولوا صورة لاعب المنتخب الوطني عمرو وردة، المتهم بالتحرش عدة مرات والمعترف بذنبه، وهو يقف بابتسامة ورعة أمام الكعبة، صورة وابتسامة لم تمنعاه من العودة مرارا وتكرارا إلى ارتكاب الإساءات الجنسية، مرة أخرى، يظن البعض أن فعلا إيمانيا كالحج يفعله المرء لنفسه ولمصلحته الخاصة،  ينبغي أن يثير اهتمام الآخرين إلى درجة منح صاحبها كل شىء، وأن صورة   اللاعب  أمام الكعبة، والتي نشرتها إحدى الصحف تحت عنوان “الوجه الآخر”!، ينبغي أن توضع في كفة مساوية لحقوق من اعتدى عليهن صاحب الصورة، فتذهب هذه بتلك ونعود إلى نقطة الصفر والغفران!، حتى لو كانت إحدى الضحايا، غير مسلمة وغير عربية ولا تعنيها بالتالي- صورة اللاعب المتحرش أمام الكعبة، ومن المفارقات، إنه حتى بالمعنى الفقهي الإسلامي، يكفّر الحج جزءا من الذنوب المتعلقة بحقوق الله، أما المتعلقة بحقوق الناس، كالأمانات والديون والقتل الخطأ وغيرها، فلا يسقطها الحج إلا بالحصول على إبراء الذمة من الأطراف صاحبة الحق. 

نتيجة بحث الصور عن "عمرو وردة" الوجه الآخر

والأطراف صاحبة الحق في “تحرشات” عمرو وردة المتتالية، هي الوحيدة التي لم يسع اللاعب للحصول على الغفران منها، في الفيديو الذي نشره كاعتذار، يعتذر من الجميع: الجهاز الفني، زملائه، اتحاد الكرة، ما عدا الضحايا ! 

غير أن إساءته للضحايا أولا، ثم تجاهله إياهم في “اعتذاره” ثانيا، لا تهمّ من استحضروا بسرعة سياق “الستر” والرحمة والغفران والفرص الثانية، بل إن المجتمع الذي يتباهى بتشدده الإسلامي إزاء المرأة، سرعان ما يستعير خطابا مسيحيا في محّبته نحو الرجل، مكررا كل دقيقة “من كان منكم بلا خطيئة”، ناسيا، أن المرأة الزانية في قصة المسيح، كانت، بلغة اليوم في “علاقة رضائية”، وبالتالي فإن “خطيئتها” لم تقع بالضرر على آخرين، على العكس من فعل  التحرش الجنسي، لم يرتكب عمرو وردة “خطيئة” بالمعنى الرضائي، لكنه ارتكب اعتداءً وجريمة بالمعنى القانوني، ومن ثم فلا غفران له، إلا على يد ضحاياه. 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى