إعلامثقافة و فنسياسة

مُؤسِّس موقع “الحدود” الساخر للجارديان: هكذا نصنع الضحكة مِن الجنون

شبكة إخبارية أردنية ساخرة تتناول أحداث الشرق الأوسط بطريقة مبتكرة

عصام عريقات- مؤسس موقع الحدود


ترجمة- فاطمة لطفي

أجرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، الجمعة الماضية، حوارا صحفيا مع عصام عريقات، مؤسس شبكة “الحدود” الإخبارية الأردنية الساخرة، تحدث خلاله عن تاريخ إنشاء الموقع، وطريقة تناوله للأحداث العبثية في منطقة الشرق الأوسط.

أسس عريقات (33 عامًا) الأردني الذي يتحدر من أصول فلسطينية الموقع الإخباري الساخر في الأردن عام 2013، قبل أن ينتقل إلى لبنان بصحبة شريكته الأسكتلندية. وبدأ الموقع بمحررين اثنين قبل أن يتوسع ليشمل فريقا تحريريا كاملا من محررين عاملين بالموقع وآخرين مستقلين ومطوري محتوى ومجموعة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يقترح من خلالها الجمهور أفكارا للأخبار.

لم يكن تناول الحروب الأهلية، والصراعات الطائفية والنزوح غير المسبوق، والاضطرابات السياسية والإرهاب بالأمر السهل على فريق العمل، لكن ما يمكن وصفه بـ”سخافات” تحدث في منطقة يحكمها جمهوريات متوارثة، ودول بوليسية ورجال دين مؤثرين أسفرت عن أخبار ونكات ساخرة وعدمية تسببت في شهرة الموقع ونجاحه ليس فقط في المنطقة الشرق أوسطية، لكن على مستوى أكبر.

يقول عريقات للجارديان “عندما بدأنا، كان الأمر أشبه بـ”لماذا لا يوجد موقع ساخر يشبه “The Onion” يغطي مجريات وأحداث الشرق الأوسط؟” يعتقد الجميع بأن ما يحدث في بلادهم غباء، لكن ما تشهده منطقتنا من أحداث هو أكثر جنونا من أي مكان آخر في العالم.

ويتعمد فريق التحرير اختيار عناوين تبدو جادة جدا، لكن تحمل سخرية في مضمونها، بطريقة تعيد للأذهان موقع “The Onion” الساخر التابع لشركة نشر أمريكية، ويسخّر “الحدود” من الزعماء السياسيين، العادات الاجتماعية في الشرق الأوسط ورجال الدين ويحمل شعار “نحو مستقبل ما” في منطقة تشهد تغيرات مستمرة.

يقول عريقات “يمكن أن تؤسس موقعا إلكترونيا كاملا فقط عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي”. ومن بين الأخبار التي نشرها الموقع خبر جاء بعنوان “منظمات دولية تناشد السيسي التوقف عن الفتك بمنافسيه وتجربة تزوير الانتخابات”. بينما جاء عنوان آخر بشأن التعامل القاسي للأجهزة الأمنية “المخابرات تنجح في تغيير رأي شاب كان يعتقد بأنه لا يخاف إلا من الله”.

ومن سياسات الموقع التحريرية، عدم السخرية من الأديان، لكن هذا لا يمنع السخرية من رجال الدين الذين يستخدمون نفوذهم في تأجيج غضب العامة. من بين الأخبار التي تسببت في جدل واسع خبر جاء بعنوان “رضيع محظوظ يولد لأهل يؤمنون بالدين الصحيح”. دون أن يتم تحديد ما هو الدين الصحيح.

وتوظف معظم المقالات والأخبار الأكثر رواجا على الموقع، “الكوميديا السوداء” في التغطية الإخبارية لصراعات المنطقة، ويقدّر عدد الزيارات بمليون زائر شهريا.

وفي أحدث تغطية للحرب التي تقودها قوات التحالف العربي، بقيادة السعودية في اليمن، نشر الموقع خبرا بعنوان “السعوديّة تعرض الموت الرحيم على اليمنيين المصابين بالكوليرا”. بينما جاء عنوان آخر “مواطن سوري ينجح بالوفاة لأسباب طبيعية” وقريبا من العراق جاء عنوان آخر “انفجار روتيني عابر في العراق يحقق كوتا الموت اليومية بضربة واحدة”.

يوضح عريقات “نعرف منذ اليوم الأول أنه لا ينبغي أن ننشر شيئا ليس مضحكا بالفعل، لا يهم مدى سوداوية الكوميديا، ومدى جدية الموضوع، لكن عليه أن يكون مضحكا”.

أنتجت ثورات الربيع العربي عام 2011 رغبة لدى الجميع في قول وفعل أي شيء، وأدرك عريقات وزملاؤه سريعا أن حراكا جماعيا شبيها لما حدث في تونس ومصر كان يمكن أن يحدث في الأردن أيضا. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء موقع إخباري ساخر، لكن استغرقت عامين لتؤتي ثمارها.

وعقب مرور خمسة أعوام، اتسعت رقعة التركيز لتشمل المنطقة بأكملها، وليس الأردن فقط. وتوسّع فريق التحرير الذي بدأ بعريقات وكاتبين آخرين، إلى فريق من المحررين ومدير مواقع التواصل الاجتماعي ومصمم، ومطور محتوى وعشرة كتاب مستقلين منتظمين، فضلا عن مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” من جمهور الموقع الذين يسهمون بأفكار للمحررين. وتتلقى الشبكة الإخبارية الدعم “European Endowment for Democracy” و”the Open Society Foundations”.

يصف عريقات نفسه بـ”مهندس النكات” أو صانع المادة الساخرة، ويعمل جنبا إلى جنب مع الفريق لتحرير مواد تتسم بأكثر طابع ساخر ممكن. بعض العناوين يعاد صياغتها لـ50 مرة، لتخرج بالشكل الذي تظهر عليه في النهاية، عملية أسفرت حسب عريقات، عن خليط من العناوين التي تبدو جادة لكن ساخرة وعدمية في مضمونها، والتي لاقت انتشارا ليس في المنطقة فحسب لكن نجاحا على مستوى أكبر.

لا يعلم عريقات إذا ما كان ما يقدمه الموقع يمكن أن يسهم في حرية التعبير أو الترسيخ لقيم الديمقراطية في المنطقة “يسألوننا في أوقات كثيرة عن نوعية التأثير الذي نحدثه بعملنا، لكنه أمر لا يمكن قياسه”. ويتابع “عندما بدأنا، اعتقدنا بأنه بإمكاننا تغيير آراء الناس، لكن لا يمكنك أن تغيّر فكر أو رأي أحد”.

مع ذلك يضيف “معظم الناس ليسوا سيئين، لكنهم على وشك أن يكونوا كذلك دون دراية قوية بما حولهم، خاصة مع رجال الدين الذين يحركونهم في اتجاه بعينه، وهذا ما نحاول فعله، أخذهم نحو اتجاه آخر مختلف”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى