حيوانات

لماذا يُغامر البشر بحياتهم لالتقاط “سيلفي” مع حيوانات مفترسة؟

الرغبة في الاقتراب من الحيوانات البرية تفقد البشر صوابهم

national geographic

ترجمة وإعداد: ماري مراد

الدخول إلى قفص حيوان بري بالتأكيد فكرة مفزعة، لكن مؤخرًا تسلقت امرأة- سعيًا لالتقاط صورة سليفي- حاجزًا خرسانيًا لقفص حيوان الجاكوار داخل حديقة حيوان “وايلد لايف وورلد” خارج فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية، وفي رد فعل طبيعي، جذب الجاكوار سترتها وهاجمها، ورصد فيديو جرحها المروع.

لكن لحسن حظها، نجح المارة في سحبها بعيدًا قبل أن يصيبها الحيوان بجرح أكبر، والسيدة الآن بخير وكذلك الجاكوار، كما أنها اعترفت بخطئها.

هذه القصة انتشرت، ونشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي تساؤلًا جماعيًا: “ما الذي يُمكن أن يجنيه الشخص للقيام بشيء شديد الحماقة؟

هذه ليست المرة الأول التي تتصدر فيها قصة شخص تصرف بتهور للاقتراب من حيوان بري، عناوين الصحف، ففي العام الماضي، قفز رجل سكّير إلى داخل قفص أسد في حديقة حيوانات هندية لأنه أراد رؤية القطط الكبيرة عن قرب.

  كما دخل أحد رواد حديقة الحيوانات في الصين أقفاص حيوانات متعددة لالتقاط “سيلفي” قبل أن يقتله حيوان الفظ.

Mukesh advances towards the lions after jumping into the enclosure at Nehru Zoo Park in Hyderabad onSunday. Photo: Special Arrangement

وتحدث الحوادث المماثلة بشكل منتظم في الأماكن الطبيعية أيضًا: إذ نطح حيوان البيسون العديد من السياح في متنزه يلوستون الوطني، عندما أصبحوا قريبين جدًا منه للحصول على صورة.

عدم الاقتراب من الحيوانات البرية، التي بإمكانها إلحاق الأذى بالبشر، أمرًا منطقيًا. ولهذا السبب توجد حواجز في حدائق الحيوان، وأحيانًا جدران متعددة، لإبقاء الناس بعيدين عن الحيوانات، كما أن اللافتات الموضوعة في كل مكان تجعل الأمر واضحًا: “أبعد يديك عن القفص”، لكن الرغبة في الاقتراب من الحيوانات البرية يمكن أن تكون أقوى بشكل كاف لتجعل الشخص يتجاهل الصواب.

وتقول سوزان كلايتون، أستاذة علم النفس والدراسات البيئية في كلية ووستر في أوهايو: “الحيوانات أصبحت أقل واقعية بالنسبة لنا. وتوضح أن “الأشخاص الذين يقتربون بشكل متهور من الحيوانات البرية لا يفكرون حقًا قبل أن يتصرفوا، ولكن على مستوى ضمني أكثر، توقفوا عن ربط الحيوانات بالخطر”.

وهناك عدد من الأسباب الثقافية لذلك، بالنسبة لأحدهم، بحسب كلايتون، ففي كثير من الأحيان تجعل وسائل الإعلام المواجهات مع الحيوانات الخطرة أمرًا طبيعيًا. فتصور البرامج التليفزيونية ومقاطع الفيديو على موقع يوتيوب، الباحثين عن الإثارة وهم يتشابكون مع الحيوانات البرية.

بمعنى آخر، فإن رؤية رجل مثل كيفن ريتشاردسون “هامس الأسود” يلعب بانتظام ويحتضن الأسود والجاكوار والضباع، قد تبعث رسالة مفادها أن هذه الحيوانات ليست خطيرة على الإطلاق. لدى ريتشاردسون ما يقل قليلاً عن مليون مشترك في قناته على “يوتيوب”، لكنه تلقى انتقادات من بعض مجموعات الحفاظ على البيئة التي تقول إن الترويج لاتصاله الوثيق بالأسود أمر غير مسؤول، (وفي عام 2017، نُهشت امرأة حتى الموت على يد أسد في إحدى محمياته).

المنصات الاجتماعية أيضا متخمة بصور شخصية للحيوانات البرية. وتقدم العديد من حدائق الحيوان والحدائق وجولات المغامرة في جميع أنحاء العالم تجارب حميمة للجمهور: مثل المشي مع الأسود، والتصوير مع النمور البالغة، والغوص في قفص مع أسماك القرش. وكل هذه الأنشطة من المحتمل أن تكون خطرة على البشر ورفاه الحيوانات.

وتقول إيرين فوجل، زميل ما بعد الدكتوراة في قسم علم النفس بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، إن وسائل التواصل الاجتماعي في وضع مثالي للمساهمة في زيادة مواجهة محبي الإثارة مع الحيوانات. وأوضحت أن حصد الإعجابات والتعليقات يبعث على رضا لحظي، منوهة إلى أن الدراسات توصلت إلي أنه عندما تنشر عبر السوشال ميديا، فإن احترامك لذاتك يُدعم بشكل مؤقت.

فوجل ذكرت أنه للاستمتاع بهذا الشعور، حتى دون وعي، ربما “يذهب الناس إلى المزيد والمزيد من التطرف” لعرض الوجوه الأكثر إثارة من أنفسهم، لافتة إلى أنه ربما لا يتم الاكتفاء بمجرد الحصول على صورة لحيوان جميل وخطير من خارج القفص. فبالتقاط صورة سيلفي تُظهر أنك جزء من التجربة.

المخاطرة لا تقتصر على مواجهة الحيوانات فحسب. فالناس يغامرون بحياتهم طول الوقت بحثًا عن “سيلفي” مبالغ فيه: سواء بالوقوف بالقرب من القطارات المتحركة، أو الترنح على حواف المنحدرات، أو حتى التصوير بسلاح جاهز للاستخدام. والنتائج عادت ما تكون مرعبة، فقد سجلت دراسة عام 2018،  259 حالة وفاة بسبب السيلفي موثقة في جميع أنحاء العالم بين عامي 2011 و 2017. وكانت معظم الحوادث تنطوي على سلوك محفوف بالمخاطر، وكان معظمهم من الرجال في أوائل العشرينات من العمر.

حتى قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تؤكد فوجل أن “الناس يحبون دائمًا القيام بأفعال خطيرة. لكننا نرى  أشخاصًا يتصرفون على وسائل التواصل الاجتماعي بطرق لا يريدونها. إنه نفس الدافع التي يسيطر عليك عندما تكون إجازة، أو لديك تجربة رائعة مع الأصدقاء: إذا كنت تركز على التقاط اللحظة على إنستجرام، فلن تكون منخرط تمامًا، بشكل واعي، في اللحظة.

وتقول فوجل: “إذا كنت تركز بالفعل على نشر صورة سيلفي على وسائل التواصل الاجتماعي، فلن تركز على ما أمامك، وهو حيوان برّي خطير. إنها وصفة لاتخاذ القرارات المتهورة”.

وعندما يتعلق الأمر بمواجهة الحيوانات، فإن القرارات المتهورة يمكن أن تعرض سلامة الحيوان للخطر أيضًا. إذ عادة ما تُقتل حيوانات الحديقة لحماية الشخص الذي اقتحم أقفاصها، مثل هارامبي، الغوريلا البالغة 17 عامًا، التي أُطلق النار عليها عام 2015 في حديقة حيوان سينسيناتي عندما سقط صبي صغير في قفصها.

وعادة ما يُخاطر الباحثون عن الإثارة بحياة الحيوانات. فمؤخرًا، ظهر شخص في فيديو يقفز من رصيف ميناء فلوريدا إلى ظهر بجعة برية. ويظهر الفيديو البجعة التي تناضل من أجل الابتعاد بينما يضحك المتفرجون. وفي عام 2015، ظهر فيديو لرجل قفز على ظهر أنثى حيوان الموظ بينما كانت تسبح في بحيرة بكولومبيا البريطانية.

وتقول كلايتون، أستاذ علم النفس والدراسات البيئية، إن العامل المشترك في هذه الحوادث هو أن الناس لا يحترمون شعور الحيوان، “ويمكن لبيئة حديقة الحيوان أن تشجع المنظور القائل بأن الحيوانات موجودة هنا من أجلنا”. وتشير إلى أن البشر، عادة في مرحلة الطفولة، يتعلمون إما إهانة الحيوانات أو معاملتها باحترام، وذلك بناء على التعليم الذي يحظون به.

وتشير إلى أنه “في حديقة الحيوان، يمكن للوالد أن يشير على الدب ويضح قائلًا: آلا يبدو غبيًا؟”، وعلى الجانب الآخر يُمكن استخدام تجربة حديقة الحيوان كوسيلة لتعليم الأطفال كيفية احترام الحيوانات.

وحول تلك الدوافع الخطرة لالتقاط سيلفي، ذكرت فوجل أنه عندما تقابل قفص نمر، قاوم رغبة فعل شيء أحمق لالتقاط صورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى