مجتمع

“لا يفرق بين مريض وطبيب”.. عن “القاتل الصامت” في المستشفيات المصرية

قاتل يصعب إثبات التهمة عليه

 

الصحفي هاني عبدالراضي توفي بمرض الالتهاب السحائي

تحقيق: علياء أبوشهبة ونهى عابدين

عندما يغيب الموت أقرب محبّيك بسبب إهمال طبي شديد، لا يغفل جفن المتضرر حتى يتم تنفيذ القصاص العادل وتطبيق القانون، ولكن عندما يكون “القاتل” هو عدوى بكتيرية أصيب بها المريض في أثناء علاجه، وهو ما يصعب إثباته، هنا لا بد من وقفة لرفع مستوى مكافحة العدوى في العيادات والمستشفيات، والتي أصبحت بمثابة القاتل الصامت للمرضى.

الألم لا يغيب عن حياته، كلما نظر إلى صورة والدته تذكر المأساة، هذا هو حال محمد عبدالعزيز الذي توفيت والدته يوم 10 فبراير الماضي بسبب إصابتها ببكتيريا “مارسا” القاتلة وتتواجد نتيجة نقص التعقيم ومعايير النظافة في المستشفيات، وأدت إلى تسمم في الدم وانتقلت إليها في أثناء احتجازها في مستشفى النيل بدراوي للعلاج من جلطة في المخ.

يقول محمد عبدالعزيز لـ”زحمة” إنه قام بتحرير محضر إداري رقم 1697 في قسم دار السلام بالواقعة، والتي يحكيها قائلا: “أصيبت والدتي بجلطة في المخ يوم 12 يناير الماضي، نقلت إلى مستشفى معهد ناصر ولعدم توفر مكان في وحدة الرعاية المركزة قاموا بنقلها لمستشفى النيل وخرجت يوم 19 يناير، ورأت الأسرة نقلها إلى مستشفى خاص لضمان مستوى أفضل من العلاج المنزلي، ونقلت إلى مستشفى النيل بدراوي لتبدأ حلقة الاستغلال؛ بعد حجزها بالرعاية المركزة لمدة 10 أيام نقلت لجناح خاص”.

وفي التقرير الخاص بتصريح الدفن الصادر عن المستشفى وقت الوفاة، مدوّن أن سبب الوفاة تسمم حاد إثر إصابة بكتيرية حادة وفشل في التنفس وفشل في القلب، أما التقرير الذي أصدره المستشفى لأسرة المتوفّاة فمدوّن فيه أن الوفاة بسبب الالتهاب الرئوي وجلطة في المخ، في حين أنه مثبت إجراء مزرعة للدم قبل وفي بداية دخولها للمستشفى وتم رصد إصابتها بـ”مارسا” يوم 22 يناير، القصاص العادل هو ما يبحث عنه محمد عبدالعزيز.

وفقا للتقرير العالمي الأول عن مقاومة المضادات الحيوية الصادر عن منظمة الصحة العالمية في إبريل 2014 فإن مقاومة المضادات الحيوية تتسبب في إطالة مدة المرض وفي زيادة مخاطر وفاة المرضى متأثرين به، فعلى سبيل المثال يزيد احتمال وفاة المصابين بعدوى المكورات العنقودية الذهبية المقاومة لمضادات الميثيسيلين (MRSA) بنسبة 64‏%‏ مقارنة بالأشخاص المصابين بحالات عدوى غير مقاومة للأدوية، كما أن مقاومة الأدوية تزيد تكلفة الرعاية الصحية بسبب إطالة أمد العلاج في المستشفى وتزايد الاحتياج إلى العناية المركزة.

“وإيه يعني جالها مارسا”، هذا هو ما قاله الدكتور علي محروس رئيس إدارة العلاج الحر في وزارة الصحة، تعليقا على إصابة والدة محمد عبدالعزيز ببكتيريا مارسا، مضيفا أن الإصابة بهذه العدوى وغيرها موجودة في كل المستشفيات فهل يعقل أن يكون ذلك سببا لإغلاق المستشفيات، مشيرا إلى تعرض مقدمي الخدمة العلاجية للإصابة، وتحدّث عن واقعة حدثت في أثناء إدارته مستشفى التأمين الصحي في مدينة نصر عندما تم اكتشاف وجود إصابتين ببكتيريا مارسا في الرعاية المركزة، وهو ما أعقبه اتخاذ قرار بالتحليل لكل العاملين في المستشفى للتأكد من عدم انتقال العدوى لهم.

وأضاف محروس قائلا: “الطب له مضاعفاته وإذا حاسبنا كل طبيب وتم منعه عن العمل لن نجد طبيبا يعمل؛ والخطأ وارد ويحدث باستمرار لأن أخطار وأخطاء المهنة موجودة”.

وتحدث محروس عن حالة لطبيب كان يركب مفصلا في الفخذ لمريضة وسقط منه قبل تركيبه، وهو ما نتج عنه إصابة المريضة بعدوى تسببت في وفاتها، وقال: “هل يعقل إغلاق غرفة العمليات في المستشفى الذي حدث فيه هذا الأمر، والتي تخدم عشرات المرضى؟”.

توفيت الطبيبة داليا محرز بسبب العدوى

عدوى من الحضانة

بينما كانت شيماء تعيش سعادة استقبال مولودها الأول اكتشفت ارتفاع نسبة الصفراء في الدم لدى رضيعها “مصطفى” ما تطلب احتجازه في الحضانة، وبعد 48 ساعة انخفض معدل الصفراء لدى الطفل وظنت الأم عند استلامه أن الخطر زال، لكن المفاجأة السيئة التي علمت بها الطبيبة المسؤولة ولم تخبر الأم بها أن الرضيع أصيب بعدوى في أثناء وجوده في الحضانة، وهو ما رجحت الطبيبة المعالجة له أن العدوى ناتجة عن استخدام إحدى الممرضات المتابعة لحالته للمرحاض وعدم غسل يديها جيدا.

“مضاد حيوي بجرعة قدرها 1000 ملليجرام لمدة أسبوع لرضيع عمره أيام كان هو الحل الوحيد للقضاء على هذه العدوى التي أصابت طفلي ونتج عنها ظهور بؤر صديدية في يده ورجله استغرقت نحو أسبوعين لعلاجها وبفضل الله تم علاجها بالفعل رغم ما ذكرته الطبيبة عن صعوبة علاج هذه العدوى”.

وفقا للتقرير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية عام 2005 حول مكافحة العدوى، أعلنت أن المسبب الأبرز للعدوى الثانوية (أو ما يعرف بعدوى المستشفيات أو العدوى المكتسبة في المستشفى) هو عدم العناية بنظافة الأيدي من قبل الكادر الطبي، وكذلك عدم أو سوء التعقيم للأسطح والأدوات الطبية علاوة على النفايات والأدوات الحادة التي تعد جزءا من النفايات.

معاناة مرضى الإيدز

3 سنوات كاملة هي المدة التي قضاها “عبدالخالق” اسم مستعار لمتعايش مع فيروس نقص المناعة البشري من أجل إجراء جراحة لاستئصال المرارة، وهذه المدة الطويلة لم تكن بسبب عدم امتلاكه للأموال اللازمة لإجراء الجراحة، لكن لأنه لم يجد أي مستشفى سواء حكومية أو خاصة تقبل إجراء الجراحة له بسبب تعايشه مع فيروس الإيدز.

يقول “عبدالخالق”: “كنت دائما أسمع عبارة حرام عليك تنقل العدوى لغيرك وهو ما كان يبرره الأطباء بضعف وسائل مكافحة العدوى في المستشفيات”.

“اعمل العملية في أي مستشفى خاص من غير ما تقول إنك متعايش مع الإيدز”، هذه هي النصيحة التي تلقاها عبدالخالق من طبيب مسؤول في مديرية الصحة في الغربية، وهو ما رفضه تماما، حتى أسعده الحظ بالتعرف إلى الدكتور مجدي حسن علي الطبيب المعالج له والذي أجرى له الجراحة في مستشفى أبوقير العام في محافظة الإسكندرية، وعامله بإنسانية ساعدت على تعافيه.

علق على ذلك الدكتور عبدالهادي مصباح، استشاري المناعة والتحاليل الطبية، قائلا إن معاناة المتعايشين مع الإيدز كبيرة لافتا إلى أنه حتى فترة قريبة كان الكثير من الأطباء يرفض تماما مجرد الكشف على المريض، ولأن الإجراء الحكومي يقتصر على إجراء أي جراحات تخصهم في مستشفى الحميات؛ والتي لا يخفى على أحد أنها ليست المكان المثالي لذلك يضطر البعض لعدم إخبارهم.

الدكتور عبدالهادي مصباح

وأكد مصباح على أهمية رفع الوعي بوسائل مكافحة العدوى وتطبيق المعايير اللازمة، قائلا: “لدينا متعايشون مع فيروس نقص المناعة البشري منذ عام 1996 يعيشون حياتهم بصورة طبيعية ومنهم سيدات وضعن أطفالهن، بالتالي لا بد من وجود الكادر الطبي المدرب الذي يمكنه التعامل مع مثل هذه الحالات”.

العلاج الحر: انخفاض وعي المواطنين يعرّضهم للخطر

“زحمة” أجرت مقابلة مع الدكتور علي محروس، رئيس إدارة العلاج الحر في وزارة الصحة، الذي تسلم عمله حديثا في إدارة العلاج الحر بعد إدارته مستشفى التأمين الصحي في مدينة نصر، وأوضح أن مسؤولية الإدارة تتمثل في الإشراف على جميع المستشفيات والعيادات وجهات تقديم العلاج الخاصة بداية من تأسيسها وبعد ترخيصها من أجل التأكد من اتباعها المعايير الصحيحة؛ بما في ذلك إجراءات مكافحة العدوى، مضيفا أن سلطة الإشراف تحتاج إلى مضاعفة عدد مرات النزول للإشراف على المنشآت الطبية والتي تتم حاليا بشكل غير دوري.

وأشار محروس إلى حرصه على مراقبة أداء كل المنشآت الطبية وكانت البداية بعد توليه منصبه من المنشآت الكبرى، وقال: “هدفي هو التأكيد على أن الرقابة على الجميع، لكني في نفس الوقت لا أسعى لتعطيل وتوقيف تقديم الخدمة العلاجية بل على العكس؛ أهدف إلى معرفة المشاكل والعمل على حلها”.

وأشار إلى قيامه بجولة في مدن محافظة البحر الأحمر للإشراف على جودة الخدمة الطبية فيها وقال: “يعوض القطاع الخاص القصور العددي في تقديم الخدمة العلاجية في المستشفيات الحكومية لذلك يهدف الإشراف إلى رفع مستوى الخدمة”، وبرد على سؤال “زحمة” حول وجود مندوب تابع للإدارة في كل محافظة رد محروس بوجود مندوب لديه صفة الضبطية القضائية يقوم بنفس الدور الذي يمارسه أي موظف تابع للإدارة في القاهرة.

في ما يتعلق بالرقابة على العيادات الخاصة قال رئيس إدارة العلاج الحر في وزارة الصحة، إن أعدادها كبيرة جدا وجانب كبير منها غير مرخص؛ ما أرجعه إلى أن الإجراءات المركزية لترخيص العيادات في مقر الإدارة في وزارة الصحة؛ وهو ما قد يكون صعبا على كثير من الأطباء، إضافة إلى الإجراءات المعقده، وقال: “سوف أحاول التغلب على هذه الصعوبات من خلال إنهاء الإجراءات في المحافظات وعبر شباك واحد”.

وعن وقوع إصابات في عيادات التوليد بالتهاب بطانة الرحم الناتج عن تلوث أدوات التوليد ما يؤدي إلى الإصابة ومن ثم الوفاة في حالة عدم علاجها بالمضاد الحيوي، قال الدكتور علي محروس إن انخفاض وعي المواطنين ينتج عنه تعريض حياتهم للخطر، وبالنسبة إلى الولادة داخل العيادات من المعروف أنها غير مرخص لها بذلك كما أنها غير مؤهلة للولادة في حالة حدوث مضاعفات؛ فهي على سبيل المثال لا تتوفر بها أكياس دم إذا حدث نزيف، هذا بخلاف نقل العدوى.

والدة محمد عبدالعزيز حالة “مارسا”

وسائل نقل العدوى

وأوضح الدكتور عبدالهادي مصباح، استشاري المناعة والتحاليل الطبية وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة والميكروبيولوجي، في حديثه إلى “زحمة” أن مشكلة انتقال العدوى من داخل المستشفيات تعد مشكلة كبيرة على مستوى العالم كله، فما بالنا بالدول التي لا تمنح الاهتمام الكافي للمشكلة، لافتا إلى وجود أسباب للعدوى من داخل المستشفيات منها ما يخص المريض ومنها ما يخص المستشفى.

يكمل مصباح قائلا: “في ما يتعلق بالمرضى تكون المناعه ضعيفة؛ لذلك من السهل عليه التقاط أي عدوى ويزيد من التقاطها إجراؤه لجراحة، وعن المستشفى فكل ما فيه يمكن أن يكون ناقلا للعدوى بداية من سماعة الطبيب وميزان الحرارة والأشياء التي يفترض أن تكون غير قابلة لإعادة الاستخدام مثل الأداة المستخدمة لفحص الحلق واللوزتين، إضافة إلى ذلك المستشفيات يجب أن يكون بها تعقيم وتنظيف، لكن بكل أسف نجد العدوى أكثر انتشارا في وحدات الرعاية المركزة، لأن الزائرين يفترض ارتداؤهم غطاء للحذاء، فضلا عن الاستخدام غير المرشد للمضادات الحيوية والذي يخلق أنواعا من البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية”.

بمحاولة التواصل مع الدكتور عمرو قنديل، وكيل وزارة الصحة لشؤون الطب الوقائي، رفض التواصل وطلب الحصول على رد من المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والذي لم يرد على اتصالات محرري “روزاليوسف”.

كانت وزارة الصحة أعلنت في شهر مارس عام 2016 في الإصدار العلمي الثالث للبرنامج القومي لمكافحة العدوى، أن نسبة التقييم بمكافحة العدوى بالمستشفيات وصلت لـ68%، وأن برنامج مكافحة العدوى ساعد على انخفاض معدلات انتشار الأمراض في المنشآت الصحية، إذ انخفض معدل الإصابة بالفشل الكلوي من 27.9% إلى 1.4%، وخفض عدوى مجرى الدم بوحدات الأطفال، وعدوى موضع العمليات الجراحية، وانخفضت نسبة الإصابة بفيروس سي لـ4.4%، وانخفض انتشار فيروس b من 4.5% إلى 3.7%.

كيف تعامل مستشفى حميات حلوان مع مريض التهاب سحائي؟

المرض تجربة مؤلمة في حد ذاته للمريض وأسرته، ولكن في حالة تعرض المريض للإهمال وعدم التعامل معه بالمعايير العلمية السليمة لحمايته من الإصابة بأي عدوى فالمعاناة والمرض يكونان أشد قسوة، هذا ما واجهه داخل مستشفى حميات حلوان أهل هاني عبدالراضي الصحفي في جريدة الوادي، والذي توفي بعد إصابته بالتهاب سحائي، وتم تشخيص حالته من قبَل الأطباء بعد مرور أربعة أيام عانى خلالها من ارتفاع شديد في درجة حرارة الجسم وفقد للوعي من وقت لآخر، كما أوضحت شقيقته منى عبدالراضي قائلة: “رغم خطورة مرضه كان المستشفى يحتجز هاني في غرفة لا يوجد بها تكييف وكان يتمدد جسده المتألم على غطاء سرير مصنوع من البلاستيك مما يزيد من ارتفاع درجة حرارته وعندما قمنا بنقله إلى قسم الدرجة الأولى بنفس المستشفى، لم نجد الأمر يختلف كثيرا، فحالة الغرف سيئة ولا تتوافر أي استعدادات لاستقبال حالات مرضية معدية”.

وتذكر منى أن المستشفى لم يتخذ أي إجراءات وقائية لعدم نقل العدوى من مريض إلى آخر رغم أنه من أخطر المستشفيات لتخصصه في علاج الكثير من الأمراض المعدية، فأفراد الأسرة هم من قاموا بغسل وتطهير الحوائط والأبواب والحمام خوفا من العدوى، إلى جانب محاولة خفض درجة حرارته باستخدام الكمادات، وخلال استشارة أطباء من خارج المستشفى تلقوا نصيحة بتناول دواء لحمايتهم من انتقال العدوى وهو ما لا يذكره لهم الأطباء المتابعون لحالة هاني في المستشفى.

خطورة المرض لم تغير من نظام مرور الأطباء لمتابعة الحالة مرتين باليوم فقط والاكتفاء بالفحص النظري دون الكشف على المريض حسب ما روته منى لـ”زحمة”، مشيرة إلى أن الأطباء مثلهم مثل الموظفين يعملون عدد الساعات المحدد لهم دون مراعاة الحالات المرضية شديدة الخطورة كما أن وزارة الصحة لا تتابع هذه المستشفيات.

حتى يناير الماضي كانت مستشفيات الحميات على مستوى الجمهورية والبالغ عددها ما يقرب من 40 مستشفى تتبع قطاع الطب العلاجي ولكن أصدر د.أحمد عماد الدين قرارا وزاريا رقم 31 لعام 2017 بنقل تبعيتها لقطاع الطب الوقائي والأمراض المتوطنة، وكشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات في 2014 عن عدم تخصيص قسم مستقل للعلاج الاقتصادي لاستقبال مرضى نقص المناعة HIV ويتم استخدام هؤلاء المرضى لقسم العلاج الاقتصادي الخاص بالمرضى العاديين منذ يوليو 2011 مما يمثّل خطورة بالغة عليهم.

كما أوضح التقرير عدم اعتماد مستشفيات الحميات في 6 محافظات على إجراء الفحوص المعملية رغم أهميتها في تشخيص المرضى دقة العلاج حيث بلغت نسبة الحالات المرضية التي أجريت لها تحاليل لمرضى العيادات الخارجية 9.4% عام 2010/2011.

الدكتور هاني مهنى المتحدث باسم نقابة الأطباء

خلل في تطبيق اشتراطات مكافحة العدوى

نقص المستلزمات الطبية أحد المعوقات أمام تطبيق اشتراطات مكافحة العدوى بالجودة المطلوبة، حسب ما ذكر لـ”زحمة” الدكتور محمد عز العرب أستاذ الكلى ومؤسس وحدة الأورام في المعهد القومي للكبد، مؤكدا أن القفاز الطبي الذي يرتديه طاقم التمريض يجب أن يتم تغييره من مريض لآخر لعدم انتقال العدوى بين المرضى، وهو ما لا يحدث في كثير من الأحيان، كما أن الأجهزة المستخدمة في العيادات الخاصة والمستشفيات يجب تعقيمها بالأساليب المناسبة على سبيل المثال منظار الجهاز الهضمي يشترط وضعه في جهاز التعقيم ومحلول لمدة 52 دقيقة ولكن الواقع لا يسمح بذلك خلال التعامل اليومي نظرا لقلة عدد المناظير وكثرة المرضى.

المادة 18 من الدستور تنص على تخصيص نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة بأن لا تقل عن 3% من الناتج القومي، ويقول د.عز العرب إن توفير الإمكانيات اللازمة لتحقيق معايير مكافحة العدوى يحتاج إلى زيادة في موزانة وزارة الصحة، لأن ما نص عليه الدستور غير مطبق حتى الآن، فالميزانية الحالية لا تتعدى 47 مليارا رغم أنه من المفترض أن تصل إلى 90 مليارا، وكما أن الأمر يحتاج إلى تجريم قانوني للمخالفين في تطبيق معايير القواعد السليمة لمكافحة العدوى.

6 مستشفيات فقط تحصل على اعتماد الجودة المصري

الوقائع التي تشير إلى الإهمال الجسيم في اتباع معايير مكافحة العدوى في المستشفيات لا تخفى على أحد، ففي سبتمبر من العام الماضي كشف الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة والسكان، عن إهمال وخلل في نظام مكافحة العدوى بـمستشفى قليوب المركزي في الوقت الذي تم إنفاق ٧٨ مليون جنيه لتطوير البنية التحتية للمستشفى.

ورغم أن مصر أول دولة في الشرق الأوسط وضعت برنامجا قوميا لاعتماد جودة الخدمات الصحية يشمل 700 معيار للجودة يجب توافرها لحصول المنشأة الصحية على شهادة الاعتماد، ويعد هذا النظام من أهم النظم العالمية إذ تم اعتماده من المنظمة العالمية للجودة “ISQua” التي تهدف إلى تحسين جودة الخدمات الصحية مما يعود بالنفع على صحة المواطن والمجتمع وفقا لتصريحات وزارة الصحة في أنه مع انتهاء عام 2012 لم يكن هناك سوى مستشفى واحد فقط تابع إلى وزارة الصحة حاصلة على اعتماد الجودة هو “دار الشفاء” على الرغم من احتلالها المرتبه الـ12 في قائمة المستشفيات التي تطبق معايير مكافحة العدوى، ولكن شهد عام 2017 وصول عدد المستشفيات الحاصلة على الاعتماد لـ6 مستشفيات.

“غول” يحصد أرواح الأطباء

التعامل المباشر مع المئات من المرضى يوميا دون توافر الأدوات والمعدات اللازمة للوقاية من انتقال العدوى يهدد حياة الأطباء ويقدر عددهم بما يقرب من 60 ألف طبيب عامل في القطاع الحكومي حسب آخر تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بينما من الصعب تقدير أعداد الأطباء العاملين بالقطاع الخاص وفقاً لتصريحات نقابة الأطباء.

قبل إكمال عامها الثلاثين تعرضت الطبيبة داليا محرز للإصابة بعدوى الالتهاب السحائي عن طريق الوحدة الصحية المُكلفة بالعمل بها في محافظة الإسماعيلية وتوفيت على إثرها بعد أيام قليلة من ارتفاع درجة حرارتها وحدوث تشنجات نتيجة إصابتها بالعدوى مخلفة وراءها أسرة وطفلا رضيعا في نوفمبر 2015 تجاوزت تكلفة علاجها الخمسة عشر ألف جنيه في حين أن الطبيب يتقاضى من وزارة الصحة بدل عدوى 19 جنيها وهو مبلغ زهيد لا يكفي لشراء دواء مسكن لألم.

وأكد المهندس هشام محمد زوج الطبيبة، أن وزارة الصحة رفضت الاعتراف بتقارير ونتائج التحاليل التي أثبتت إصابتها بعدوى الالتهاب السحائي، وأعلنت أن الطبيبة التي كانت تؤدي عملها لآخر لحظة في حياتها توفيت نتيجة مضاعفات إثر حادث تعرضت له قبل 5 أعوام من وفاتها، وهو ما أثار غضب جموع الأطباء فقررت الوزارة منح أسرة الطبيبة معاشا استنثائيا، ولكن هذا ما لم يحدث حتى يومنا هذا.

حالة الطبيبة داليا لم تكن الأولى أو الأخيرة فهناك عشرات الحالات التي أعلن وفاتها أو إصابتها بعدوى نتيجة عملهم، ولم تعترف وزارة الصحة بأن وفاتهم نتيجة إصابتهم بعدوى، الدكتور أسامة راشد طبيب نساء وتوليد في مستشفى المنصورة في الدقهلية، توفي في فبراير 2014 نتيجة إصابته بعدوى قاتلة بالجهاز التنفسي بعد انتقاله إليه عن طريق أحد المرضى على إثرها تم احتجازه بالعناية المركزة، ثم فارق الحياة تاركا أبناءه الصغار يواجهون الحياة بمفردهم، ورفضت الصحة صرف تعويض لأسرته لعدم اعترفها بإصابته بعدوى أدت إلى وفاته.

وعلق د.هانى مهنى المتحدث الرسمي باسم نقابة الأطباء، أن هناك عددا من الأطباء يعملون في ظروف غاية في السوء مما يعرضهم للخطر والإصابة بعدوى عن طريق المنشآت الصحية العاملين بها مثل الالتهاب السحائي، التهاب حاد بالجهاز التنفسي أو فيروس c، لا سيما الأطباء الذين يؤدون واجبهم بالوحدات الصحية التي لا يتوافر بها الحد الأدنى من اشتراطات مكافحة العدوى من “كمامات وقفازات”، مؤكدا أن الأطباء يضطرون إلى توفيرها بالجهود الذاتية في بعض الأحيان.

الحكومة ترفض زيادة بدل العدوى

عدم توافر الأدوات واتباع معايير وسياسات مكافحة العدوى ليست الأزمة الوحيدة التي يعانيها الأطباء، ولكن بدل العدوى الذي لا يتجاوز العشرين جنيها حتى يومنا يزيد من تعقيد المشكلة بالنسبة إليهم، فعندما أصيبت الدكتورة داليا محرز بعدوى الالتهاب السحائي، لم تتكفل وزارة الصحة بعلاجها وتحملها لذويها حسب ما أوضح المتحدث الرسمي لنقابة الأطباء.

وأكد الدكتور مهنى أن الحكم القضائي الذي صدر في شهر نوفمبر 2015 لصالح نقابة الأطباء ويلزم الدولة بصرف بدل للأطباء قيمته 1000 جنيه لم يطبق حتى الآن نظرا لقيام وزارة الصحة بالطعن على الحكم، وما زالت النقابة تسعى عن طريق اتباع كل الإجراءات القانونية لتنفيذ الحكم الذي تتجاهله الدولة، متسائلا “إذا لم نحمِ الأطباء فكيف سنحمي المرضى؟”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى