سياسةمصر في دقيقة

لا لاسترضاء كوريا الشمالية

لا لاسترضاء كوريا الشمالية

كريستوفر ر. هِل

ترجمة: عزة الخميسي

واشنطن العاصمة أجرت كوريا الشمالية في مطلع شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي تجربتها النووية الخامسة، وثاني تجاربها النووية لهذا العام. وإذا حكمنا بقوة الهزة التي رافقت التجربة، فقد كانت تلك أقوى تجربة نووية عرفته كوريا الشمالية. والسؤال الآن هو: كيف يجب أن يكون رد المجتمع الدولي على هذا؟

لقد أصبح هذا السؤال أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، فبرغم أن تقارير كوريا الشمالية لا يمكن التعويل عليها تماما فإن الدعاية التي رافقت التجربة الأخيرة توحي أن كوريا الشمالية كانت تجري تجربة على تصميم سلاح جديد، وليس مجرد جهاز تفجير. وكما يعتقد المسؤولون بكوريا الجنوبية قد لا تكون هذه التجربة آخر تجارب هذا العام. بعبارة أخرى، قد تبدأ كوريا الشمالية في تخزين أسلحة الدمار الشامل.

ولا يقتصر الأمر على أن التجارب النووية الأخيرة لكوريا الشمالية كانت أكثر قوة من تجارب السنوات المنصرمة، إذ إن هذه التجارب أُجريت أيضا جنبا إلى جنب مع مجموعة قوية بنفس القدر من اختبارات الصواريخ الباليستية، بما في ذلك إطلاق الغواصات والصواريخ متعددة المراحل ذات المحركات الأقوى بكثير، الأمر الذي يعني أن كوريا الشمالية قد تكون قريبة من إتقان نظام توصيل لأي أسلحة تعمل على تطويرها.

ولا يمكن على وجه اليقين معرفة ما إذا كانت كوريا الشمالية ستمتلك سلاحا قابلا للتوصيل في السنتين القادمتين، أو الأربع سنوات القادمة أو بعد ذلك، بيد أنه لا شك في أن كوريا الشمالية لا تسعى لمجرد لفت الاهتمام، بل تسعى لامتلاك قنبلة قوية والوسائل لاستخدامها.

وكما هو متوقع، أدان المجتمع الدولي التجارب كالمعتاد، لكن دون اتفاق بين أطرافه على كيفية الرد على ذلك. وصرح بعض المراقبين، بما في ذلك جويل ويت من النيويورك تايمز، وسكوت ريتر ضابط المخابرات السابق بأن الآن هو الوقت المواتي لبدء محادثات مع كوريا الشمالية.

ويبدو أن المنطق الكامن خلف هذه الاقتراحات هو: “ماذا عسانا نخسر؟”، والجواب بسيط: قد نخسر الكثير.

فمثل هذه المحادثات -أو “الحوار” كما تطلق عليها الصين عادة- من شأنها أن تُفضي في الأرجح إلى قبول عام بكوريا الشمالية كدولة نووية. هذا فضلا عن أن كوريا الشمالية من غير المرجح أن تنخرط في أي من هذه المحادثات، ناهيك بفرض حظر على تجارب الأسلحة، إلا حين تتم تلبية بعض ما تطالب به من زمن بعيد ــ مثل تعليق المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

ويبدو أن البعض يعتقد أن أسلوب السياسة الواقعية هذا من شأنه تحجيم قوة كوريا الشمالية، وبشكل خاص نزع سلاحها. بيد أن الحقيقة هي أن كوريا الشمالية لم تفعل شيئا يبرر حصولها على هذه الترضية. وفي الواقع لو قدم المجتمع الدولي أي إشارات تنم عن التصالح، ستكون النتيجة مزيدا من تجرؤ كوريا الشمالية.

وهناك سبب وجيه لرفض المجتمع الدولي ــ والولايات المتحدة بشكل خاص ــ الموافقة على شروط كوريا الشمالية، وخاصة تلك المرتبطة بتعليق المناورات العسكرية الأمريكية-الكورية الجنوبية. فالمناورات العسكرية المشتركة تمثل جزءا أساسيا من أي تحالف، وإذا اتفقت دولتان على الدفاع المشترك بينهما، فهما بحاجة لضمان ممارسة هذا التعاون وإتقانه. وهذا على وجه التحديد هو السبب وراء وضع كوريا الشمالية -التي تعلم بكل تأكيد الحاجة لإجراء التجارب والمناورات- لهذه القضية على رأس أولوياتها الدعائية.

وعوضا عن تلبية هذه المطالب، أوضحت الولايات المتحدة منذ زمن أنها ستشارك في محادثات مع كوريا الشمالية فقط إذا قامت هذه المحادثات على أساس اتفاقات سابقة، بما في ذلك البيان المشترك في سبتمبر/أيلول 2005 الذي ألزم كوريا الشمالية بالتخلي عن برامجها النووية كافة، وهو موقف عاقل. ثم أن إطلاق محادثات جديدة تتجاهل الالتزامات السابقة من شأنه إلقاء ظلال من الشك على جدوى أي اتفاق جديد.

ولا شك أن كوريا الشمالية، وفقا لاتفاق فبراير/شباط 2007، قد اتخذت خطوات ملموسة لتعطيل منشآتها النووية، بما في ذلك هدم برج التبريد بالمفاعل النووي الرئيسي في مركز يونغبيون للبحث العلمي النووي في يونيه/حزيران 2008. وكان من المفترض أن تفضي هذه التدابير إلى فرملة الزخم النووي للبلاد، من خلال ضمان أن إعادة تشغيل البرنامج النووي بكوريا الشمالية ستكون ملكفة للغاية، وربما باهظة التكاليف.

بيد أن كوريا الشمالية بإعادة تشغيلها لبرنامجها النووي بدون إعادة بناء برج التبريد تمكنت من تجنب الكثير من هذه التكاليف. فقد دعا نظام كيم جونغ أون ببساطة ــ وهو الذي لا يعير اهتماما يذكر بالبيئة مثلما يفعل مع القواعد والمعايير الدولية ــ إلي إلقاء المياه المتبخرة المستخدمة في تبريد المفاعل في نهر قريب من المفاعل.

وعلى هذه الخلفية تبدو الحجج المطالبة بإجراء مباحثات حججا ضعيفة، ثم أن المفاوضات ببساطة ليست إلا وسيلة لتحقيق غاية، فإذا لم تكن هذه الغاية واضحة أو كانت بعيدة المنال، فلا معنى للمشاركة فيها. وبدلا من ذلك على المجتمع الدولي أن يرفض رفضا قاطعا مطالب كوريا الشمالية منهيا بذلك أوهام النظام هناك بأن العالم سوف يقبل ببساطة كوريا الشمالية كدولة نووية.

ورد المجتمع الدولي على الطموحات النووية لكوريا الشمالية ينسجم لحسن الطالع، بشكل عام، مع هذه الحتمية. وما نحتاجه الآن هو تعميق التعاون مع الصين في مجال تنفيذ العقوبات، فضلا عن إجراء محادثات عميقة وهادئة مع الصين ترمي إلى معالجة أي أشكال إستراتيجية من عدم الثقة في ما يتعلق بالترتيبات السياسية النهائية في شبه الجزيرة الكورية.

وعلى الولايات المتحدة أيضا الاستمرار في تعزيز علاقاتها الأمنية مع اليابان وكوريا الجنوبية، بما في ذلك تطوير ونشر الأنظمة المضادة للصواريخ الباليستية، وضرورة استكشاف والإسراع في اتخاذ تدابير مباشرة مثل تلك المزعوم استخدامها لعرقلة البرنامج النووي الإيراني.

ولا يعني هذا أن إشراك كوريا الشمالية ليس خيارا مطروحا. على العكس، ينبغي أن تظل الاتفاقات السابقة معها على الطاولة. فقد تناول اتفاق سبتمبر/ أيلول 2005 المصالح الوطنية الأساسية لكوريا الشمالية، وحصلت كوريا الشمالية بموجبه على ضمانات بالسلام والاعتراف الدبلوماسي في مقابل تفكيك برنامجها النووي.

وإذا أراد نظام كيم حقا اقتناص فرصة للانضمام للمجتمع الدولي، فلديه كل ما يحتاجه، مكتوبا ومتفقا عليه وجاهزا للتنفيذ. ولكن، إذا أراد مع ذلك مواصلة مسيرته صوب التسلح النووي، فعليه أن يدرك، دون أدنى شك، أنه سيظل منبوذا، ولن يتم أبدا قبوله كدولة نووية.

كريستوفر ر. هِل، المساعد الأسبق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق آسيا، عميد كلية كوربل للدراسات الدولية بجامعة دنفر، ومؤلف كتاب “المخفر الأمامي”.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2016. ينشر بالتعاون مع موقع زحمة دوت كوم.
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى