سياسة

كيف ساعدت “دستة” جوارب نسائية على هزيمة هتلر؟

 

كيف ساعدت “دستة” جوارب نسائية على هزيمة هتلر؟

160928_garbo_0
غاربو وزوجته أراسيلي

كيف ساعدت “دستة” جوارب نسائية على هزيمة هتلر؟

 

الإندبندنت

ترجمة: فاطمة لطفي

أظهرت وثائق رُفِع عنها السرية حديثًا أنه من المحتمل أن تكون أعظم عملية خداع  في تاريخ التجسس البريطاني قد دمرت بسبب شعور بالحنين لدى زوجة عميل إسباني مزدوج واشمئزازها من الغذاء البريطاني في وقت الحرب.

خوان بوجول غارسيا، الاسم الحركي  له “غاربو” الجاسوس الإسباني، الذي طالما وصف كـ”أعظم عميل مزدوج في الحرب العالمية الثانية”، ووصفه صناع السينما الإسبانية بأنه الجاسوس الذي أنقذ العالم.

بمبادرة منه، تقرّب غاربو القادم من برشلونة إلى الألمان وخدعهم بجعلهم يعتقدون أنه يريد أن يكون جاسوسًا لصالحهم.

ذهب غاربو إلى إنجلترا، وعمل مع الاستخبارات العسكرية البريطانية لإنشاء شبكة كاملة من العملاء الوهميين مهمتها تغذية المعلومات الخاطئة عند النازيين، وتوِّجت خطته بانتصار تامّ، عقب دور بارز في تأمين نجاح “هبوط نورماندي”، بعد إقناع الألمان بأن الغزو الرئيسي يمكن أن يحدث حول كاليه، وليس في نورماندي.

في أثناء كل ذلك، لم يكن أبدًا الشاب العميل الإسباني هو المشكلة، حيث استطاع خداع الألمان كليا إلى الحد الذي قاموا بمكافأته بعدها. لكن المشكلة كانت زوجته.

حسبما كشفت وثائق جديدة أصدرتها إدارة المحفوظات الوطنية، أن السيدة “غاربو”، أراسيلي غونزاليس دي بوجول، لم تغادر أبدًا شبه الجزيرة الأيبيرية قبل وصولها إلى لندن في ربيع عام 1942. ولا تتحدث الإنجليزية، وتفتقد والدتها، الفتاة البالغة من العمر 23 عامًا عانت من آثار الحنين إلى وطنها بدرجة كبيرة، وحسب الوثائق المنشورة، كانت مذعورة من اضطرارها إلى تبديل النظام الغذائي المتوسطي إلى النظام المقنن لبلاد لا تزال بعيدة عن قبول فن الطبخ الراقي.

لاحظت الاستخبارات العسكرية البريطانية يأسها من “الكثير من المكرونة، والكثير من البطاطا، وعدم وجود سمك كافٍ”. وقادها الخوف أيضًا إلى الرغبة في العودة إلى وطنها عند أمها، أو إلى السفارة الأسبانية في لندن، حيث خشيت الاستخبارات من احتمالية كشف السيدة غاربو لقوى فاشية أسرار ومعلومات لما أصبح أنجح عملية خداع مزدوجة في الحرب العالمية الثانية، ويمكن القول في تاريخ الجاسوسية في بريطانيا.

بدأ الأمر في 22 فبراير في عام 1943، عندما طلب من عميل الاستخبارات العسكرية البريطانية، سي بي هارفي، الذهاب إلى لشبونة، في البرتغال، في مهمة سرية للغاية، لابتياع دستة من الجوارب الحريرية للسيدة غاربو.

غادر هارفي دون أي شك في أهمية “الجوارب”، في وقت كانت الجوارب الحريرية قليلة في بريطانيا، ورغم ذهاب العميل بالفعل إلى لشبونة فإن المهمة فشلت بسبب عدم التأكد من القياسات المطلوبة.

وخوفًا من أن لا تفي بريطانيا بوعدها للسيدة بأمر حصولها على الجوارب، والذي أصبح” مشكلة صغيرة لها بعض الأهمية”، تمكن هاريس من معرفة أن قياسات السيدة غاربو هي ذاتها قياسات زوجة ضابط في الاستخبارات البريطانية يدعى جين ريسو جيل. وطلب من العميل، هارفي، إذ لم يجد قياساتها، أن يأتي بأي قياسات صغيرة.

في مارس، عاد هارفي من لشبونة برسالة: “هذا اثنا عشر زوجًا من الجوارب للسيدة غاربو”.

هتلر
هتلر

بعثت الاستخبارات العسكرية بالأخبار التي تفيد بإتمام مهمة “إلى الاستخبارات البريطانية، في وثيقة مرفقة الآن في المحفوظات الوطنية: “إلى جهاز الاستخبارات البريطانية: إعادة جوارب السيدة غاربو”.

أكد هاريس للضابط العسكري فرانك فولي الذي سيحتفل به لاحقًا “شندلر البريطاني”، بسبب مساعدته لليهود للهرب قبل حرب برلين: “أن السيدة غاربو، مسرورة الآن”.

ولا يبدو أن الجهود التي بذلتها الاستخبارات العسكرية للسيدة غاربو، التي تركت وحيدة، في هارو بشمال لندن، مع طفلين بينما يعمل زوجها ساعات طويلة للانتصار في الحرب، كانت محصورة في الجوارب فقط، والتي كشفت عنها الوثائق السرية للمرة الأولى، حيث إن أجهزة الأمن البريطانية كانت جاهزة لفعل أي شيء لتهدئة حنين زوجة “العميل” إلى الوطن.

كتب هاريس: “دفعتني رغبتها في العودة إلى الوطن، وعلى وجه التحديد رؤية أمها، جعلتها تتصرف في عدد من المرات كأنها مضطربة”. مما دفعه إلى اتخاذ القرار إلى الاستمرار في محاولة حل مشكلتها.

كشفت وثيقة أخرى عن محادثة هاتفية بين السيدة غاربو وهاريس تخبره أنها لم تعد تستطيع العيش في بريطانيا. وأنها ستذهب إلى السفارة الإسبانية، في خطوة ستضع العملية بأكملها في خطر، لأن الإسباني سيشارك حتمًا في الاستخبارات مع زملائه الفاشيين في ألمانيا.

قالت: “ربما يقتلونني غدًا، لكني لا أريد العيش يومًا آخر في إنجلترا”.

في هذه الأزمة، أظهر غاربو تفانيه الذي نال إعجاب مديريه، مقترحًا خطة جذرية، والتي إن فشلت، ستدمر حياته الزوجية إلى الأبد. اقترح أن يتظاهر الجميع أن المشرفين على العميل أخبروه بإبعاده من العمليات وأنه استجاب بنوبة غضب عنيفة اعتقل على أثرها.

واصطحبت السيدة غاربو التي كانت تبكي بلا انقطاع إلى رؤية زوجها في مركز الاستجواب. بعدها قدمت اعتذارها.

بعدها تمكن العميل من إكمال طريقه وخداع الألمان بعد شهرين من هبوط نورماندي في يونيه 1944، أبقوا على فرقتين مدرعتين و10 فرق مشاة في بلدة كاليه في انتظار غزو لم يحدث أبدًا.

وكافأ الألمان غاربو وأخبروه بمنحه وسام “الصليب الحديدي” من هتلر نفسه لخدماته الاستثنائية.

ضابط بحرية انجليزي يشعل سيجارة لزميلته خلال الحرب العالمية الثانية
ضابط بحرية انجليزي يشعل سيجارة لزميلته خلال الحرب العالمية الثانية

بعد الحرب، وبعد تزييفه لموته لتجنب انتقام النازيين الناجيين، العميل الذي حسب تخمين هاريس، كان مدفوعًا بكراهية الفاشية وحب المغامرة، وطلاقه من السيدة غاربو. وبعد زواجهما مرة أخرى، توفي في كاراكاس فنزويلا، عام 1988 عن عمر 76 عامًا.

قال عنه البروفيسور كريستوفر أندرو إنه كان أفضل عميل مزودج لبريطانيا في أثناء الحرب، لكن القضية كانت في خطر أن تدمرها الاضطرابات العائلية لديه، وقال: “من الأسهل كثيرًا أن تديرعميلا مزدوجًا وهو أعزب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى