سياسةمجتمع

كردستان، عراق أخرى

 أبراج وحدائق وماركات عالمية   كأنك في دبي  ولست في العراق، مرحبا بك في كردستان.

Elpais- أنخيبيس إسبينوزا

ترجمة دعاء جمال

عائلات وثنائيات  تمشي بهدوء فى الممرات  المكيفة للمركز التجارى، يتحدثون بحماس فى المقاهى المتوفرة  فى كل من الطوابق الثلاثة، وفى السينيمات يتم عرض أحدث الأفلام مثل “Guardian of the galaxy”، وفى الاسواق تعرض منتجات فرنسية حيث تباع  نفس شوكولا باريس أو مدريد، كما تتضمن محلات الملابس ماركات عالمية مثل “Mango”،  كل ذلك في أحدث  مول مفتوح فى العاصمة الكردية “أربيل، كردستان العراق” ، نعم إنك في العراق على الأقل رسميا.

ما يميز  منطقة الحكم الذاتى فى كردستان عن  باقى العراق، ليس بحاجز مادى ولكن  الجبال المرتفعة لسلسلة جبال زاجروس فى الشمال، الدالة على الحدود بين العراق وتركيا،لا تحتاج لباسبور للدخول ولكن تحتاج لإقامة أو إذن بها، ومن هنا يختفى العلم الأحمر، الأبيض، وأسود للعراق ليوضع بدلاً منه الأحمر، الأبيض والأخضر، وشمس فى الوسط.

ALFREDO CÁLIZ السليمانية : كردستان photo

“لسنا عربا” هذا هو أول ما يوضحه أى كردى للزائر الأجنبى، هذه الدولة  بلغتها وثقافتها الخاصة، حرمت من أن تكون دولة مستقله بعد الحرب العالمية الأولى حين تم توزيع غنائم الإمبراطورية العثمانية، وتوزيع الأكراد بين تركيا، العراق، إيران وسوريا،  لكن التاريخ الحديث منحهم الحكم الذاتى  مما أدى لحدوث فجوة بينهم وبين الجانب العربى، ولحسن الحظ أصبحت كردستان العراق نموذجاً لما يمكن أن تصبح عليه الدولة كلها بدون الانقسام الذى حدث منذ إعدام الولايات المتحدة لصدام حسين.

يلاحظ الفرق عند الهبوط فى مدينة ” أربيل”، بمطارها الجديد،  ومئات  الرحلات الإسبوعية التى تعطيك صورة منظمة وفعالة  بدون الإحساس الذى تشعر به فى “بغداد” بأنها دولة دائمة الطوارىء، عند الخروج يمكنك ركوب تاكسى بدون وجود خطر إلى الفندق، كما اختارت العديد من الماركات التجارية العالمية فتح متاجر بها وبنفس المعدل جاءها المستثمرين، ورجال أعمال، وفوق ذلك مدراء لشركات نفط.

لتفهم كردستان العراق يجب عليك زيارة مدينة محلية ” حلبجة”، ستجد نصبا تذكاريا حزينا و”بشعا” واقفاً فى ذكرى ضحايا الهجوم الكيميائى الذى عاقب به صدام حسين  المتطلعين للاستقلال الكردى، فى نهاية الحرب مع ايران”1980-1988″ ووفقاً للقضاء العراقى، فالعملية المشئومة “أنفال” قتلت 182 ألف شخص، ودمرت 4500 قرية، وشردت ثلث ال3,5 مليون مواطن بالمنطقة، واليوم تضاعف عدد السكان، ولكن لا تزال المذبحة محفورة فى ذاكرة الجميع، مشجعة على عدم ثقة غريزية تجاه العرب.

” لا ليس لدى أصدقاء عرب وليس لدينا أى شىء مشترك” أعترف “أوجار، طالب جامعى”، مستغرباً من السؤال، فالشك أمر عام والأن، بعد إساءات الدولة الإسلامية، تفاقم الهاجس بوجود خلايا نائمة بين مئات الآلاف من النازحين، الذين رحبت بهم الأراضى الكردية، كما يشتكى العرب  من وجود “فلترة ” تحد من عدد الأشخاص المسموح لهم  بدخول منطقة الحكم الذاتى، فهناك قيود من أجل العمل أو السكن.

FC37C7A2-14E6-4E3F-928D-10D5C8D50143_cx0_cy19_cw0_mw1024_mh1024_s

اليوم كردستان العراق لها طابع الدولة، ولديها كل عناصر الأمة، مثل الانتخابات، البرلمان والحكومة، ولكن ليس بها سياسة خارجية أو ميزانية او جيش خاص بها ” لذلك فالأمن الداخلى فى أيدى البشمركية ويمكن للجيش العراقى الدخول للاراضى الكردية بإذنهم فقط”، وعلى الرغم من حلم التحرر الذاتى إلا ان جميع قادتها حتى الأن تصب أولوياتهم  فى الحفاظ على استقرار الوضع الراهن.

يقول “علاء الدين” رئيس معهد بحوث الشرق الأوسط “MERI” موضحاً: حلم الإستقلال موجود منذ 1991-1992، عندما تم إختيار أول حكومة إقليمية، وزعماء واقعيين.

المنطقة التى غالباً ما توصف بالعراق الأخرى، بسبب استقرارها وازدهارها قد شهدت نقلة إقتصادية حقيقية، باحتياطى نفط يقدر ب 45 مليون برميل وكمية غير معروفة من احتياطى الغاز الطبيعى، وأجتذبت أكثر من20.000 مليون دولار وفقاً لقانون الاستثمار الذى فتح الباب للإستثمارات العالمية للبترول عام 2006، ووفقاً لبيانات الحكومة الإقليمية، حوالى ألفي شركة قامت باستثمار مباشر أو افتتاح مكاتب تمثلها فى المنطقة، نصفهم أتراك وثلاثمئة إيرانيين، مشيراً إلى أن كلاهما  تحركا بسرعة للحصول على الفرصة التى فتحت فى نهاية الديكتاتورية.

يقع إقتصاد كردستان العراق بين الدول الأسرع فى النمو بالشرق الأوسط، فمنذ 2012 أستقرت بمعدل ثابت بين ال 7-8 فى المائة، ومتوسط دخل الفرد وصل إلى 11.400 دولار سنوياً  مما يعد ضعف المعدل الوطنى، ولكن الأمن، فوق كل شىء هو ما يبين الفرق بينها و باقى العراق الغارقة فى الطائفية، ولكنها جعلت هذا التطور ممكناً.

Citadel_of_Hewlêr_(Erbil),_Iraqi_Kurdistan

وعند سفح قلعة “أربيل” أعلنت كردستان العراق من  التراث العالمى فى يونيو الماضى، وتم إقامة  القنصليات و الممثليات الأجنبية، وهو إعتراف واضح بزيادة قيمتها، كما أعتبرت كأقدم مستوطنه مأهولة بالسكان فى العالم، وهناك إعادة التأهيل التى تطمح لتحويل قلب المدينة، مما يسمح للبرنامج بتعزيز التراث الأثرى للمنطقة والفن والثقافة.

  الأسماء مثل ” “English village ، Empire، أو Downtown، موجهه للنخبة وللأجانب، ترى”أربيل” كانعكاس  لدول مثل دبى ودول الخليج الاخرى، فمثلهم، ثمة أبراج مكاتب عالية معاصرة، مراكز تسوق، وكلاء سيارات فاخرة و محلات لعلامات تجارية فاخرة، يجذب استقرارها الأثرياء من السوريين، اللبنانيين والمصريين، ممن هربوا من العنف وعدم الإستقرار السياسى فى بلادهم، ولن تبنى فقط فى العاصمة، ولكن فى البلدة الأكثر بعداً “، يقومون ببناء أحياء داخلية لتحل محل المساكن التواضعة، والتى فى الأغلب تفتقد إلى الكهرباء، والماء أو خدمات الصرف الصحى، أيضاً يتم عمل طرق جديدة، حرم جامعى، وبطبيعة الحال بنية تحتية من أجل الصناعات الهيدروليكية.

ويقول  “علاء الدين” مازلنا فى عملية بناء الدولة، نحتاج للمزيد من الدعم الدولى والإيمان بأن كردستان يمكنها أن تصبح الدولة المستقرة التى يريدها الأكراد إذا استطاعوا تخطى ” الميل إلى الانقسام”، وهو شىء صعب، لكن يوجد الإرادة والإصرار للقيام به”، وفى رأيه، أن السياسيين ليس لديهم بديل حيث يخضعون لضغوطات الصحافة الحرة التى لا تسمح لهم بإخفاء الأسرار والناخبين يمكنهم معاقبتهم،  حيث أن  أصوات المعارضة فى ارتفاع مستمر، وإذا اختفت تلك الضغوط لن نختلف عن باقى العراق، محذراً ” لدينا نفس التنوع العرقى والدينى، وعقلية سياسية مشابهة، وإذا لم نتغيير،  سنتدهور بنفس السرعة”والمستثمرين الدوليين  لن يجازفوا إذا لم يوجد أمان ودولة قانون، وفى النهاية تأتى “الدولة الإسلامية”، التى أظهرت حاجتنا للإتحاد، .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى