سياسة

كارنيجي: استقبال السيسي في برلين سخرية من قيم الحرية

معهد كارنيجي: استقبال برلين للسيسي خطأ سياسي.. لكنه ضوء أخضر للاستثمارات الألمانية في مصر

Carnegieeurope– جودي ديمبسي– ترجمة: محمد الصباغ

حاول كبار الدبلوماسيين المصريين لشهور طويلة إقناع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى برلين. ولشهور أيضاً قابلت ميركل محاولاتهم بالرفض، وأصرت على أن ضرورة أن تجري مصر أولا الانتخابات البرلمانية.

كان من المتوقع أن تُجرى الانتخابات في مارس وإبريل 2015، وهذا لا يعني أنها نزيهة أو حرة، بسبب تضييق السيسي المستمر على المعارضة وخاصة الإخوان المسلمين وأيضاً الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.

ميركل لم تتمسك بشرطها. ففي مارس ألغى السيسي الانتخابات البرلمانية، لكن في 4 مايو الماضي أجرى وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينماير، محادثات مع السيسي في القاهرة من أجل الإعداد لزيارة الرئيس المصري إلى ألمانيا. وفي 3 يونيو سيصل السيسي إلى العاصمة برلين.

هذا خطأ في السياسة الخارجية، وقد تسير بعض دول الاتحاد الأوروبي على درب ميركل، مما سيضفي على السيسي غطاء من الشرعية، رغم إطاحته بسلفه الإسلامي محمد مرسي فيما يشبه الانقلاب العسكري. ومنذ ذلك الحين، قام السيسي بإنتهاك حقوق الإنسان وحكم على مرسي بالإعدام.

رغم أزمات حقوق الإنسان في مصر، التي اعتبرتها منظمة هيومان رايتس ووتش “الأخطر في تاريخ مصر الحديث”، وصل السيسي إلى الحكم عام 2013 وسيتمتع بمعاملة خاصة في ألمانيا.

عندما يصل إلى برلين سيجد السيسي ترحيباً عسكرياً شرفياً من الرئيس الألماني يواخم جاوك المعروف بأنه كان ناشطا سابقا في مجال حقوق الانسان بألمانيا الشرقية، والمعروف بتوجيه الانتقادات الرئيس الروسي بوتين وانتهاكات حقوق الإنسان في روسيا. في الواقع رفض جاوك زيارة بوتين أو دعوته إلى برلين بعدما ضم الرئيس الروسي شبه جزيرة القرم في مارس 2014 وبسبب غزوه لشرق أوكرانيا.

ستكون الشركات الألمانية ضمن صميم زيارة الرئيس المصري. بالتأكيد سوف يرون تلك الزيارة كضوء سياسي أخضر لبدء استثماراتهم في مصر. بعيداً عن المصالح والسياسات، استقبال السيسي يسخر من القيم. يحتاج الأوروبيون إلى الدفاع عن القيم أكثر من أي وقت مضى لتقديم الدعم للجيل الشاب في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

ترسل تلك الزيارة رسائل محبطة إلى الآلاف من المصريين الذين حاربوا من أجل الحرية خلال الأيام الأولى من الربيع العربي عام 2011، وللكثيريين في السجون الذين يُعذبون هناك، ولمن تم الاعتداء عليهم جنسياً، ولمن تعرضوا للظلم على يد السيسي. الرسالة التي ستصل بعد زيارة السيسي إلى برلين ستكون هي أن الاستقرار أكثر أولوية من التحول الديمقراطي، رغم الفوضى التي قد تصاحب هذا التحول. في الواقع، يبدو وكأن أحدا لم يتعلم من فترة ما قبل الربيع العربي، عندما قامت الدول الغربية – مع استثناءات قليلة جداً- بوضع الاستقرار قبل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبيرت، إن ميركل ستقابل السيسي لأن “مصر لاعب مهم للغاية في العالم العربي”، وأضاف أن الدولة قد تساعد في وجود السلام في المنطقة.

لن يجد السيسي الترحاب طوال رحلته، فرئيس البرلمان الألماني، نوربرت لامرت، والعضو البارز في حزب اتحاد يمين الوسط الديمقراطي المسيحي، قام بإلغاء خططه لمقابلة السيسي.

وجاء في بيان أصدره مكتبه: “رغم التوقعات بأن مصر ستحدد موعداً للانتخابات البرلمانية التي طال انتظارها، فما شاهدناه في الأشهر الماضية هو محاكمات منهجية لمجموعات المعارضة، وقبض جماعي، وإدانات لفترات طويلة وأعداد لا تصدق من أحكام الإعدام، التي شملت رئيس البرلمان السابق سعد الكتاتني”.

وتحدى مكتب لامرت مبررات ميركل للقاء السيسي ببرلين، وأضاف البيان: “في ضوء تلك الحالة التي لا تؤدي إلى الاستقرار الداخلي ولا إلى الديمقراطية، يرى لامرت أنه في هذا الوقت لا توجد دواع لمقابلة الرئيس السيسي”.

كما قد أضاف البيان أن مؤسسة “كونراد أديناور”، المرتبطة بالحزب المسيحي الديموقراطي ومؤيدي البناء الديمقراطي، كانت قد أجبرت على إغلاق مكاتبها في القاهرة في يونيو 2013، مثلما حدث مع مؤسسات أخرى.

حتى الآن يبدو أن برلين وواشنطن ليستا قلقتين من عدم الاستقرار وانعدام الأمن الناتجين عن حكم السيسي القمعي. رحبت إدارة أوباما بانتخاب السيسي. ودفعت دول إسرائيل والسعودية والإمارات الولايات المتحدة إلى علاقات عادية مع حكومة السيسي، رغم الانقلاب العسكري وانتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة.

في ديسمبر 2014، تبنى الكونجرس الأمريكي لغة جديدة في القانون المُنظم للمساعدات العسكرية لمصر، كما ذكرت هيومان رايتس ووتش. يسمح التغيير لوزير الخارجية، جون كيري، الذي رحب بانتخاب السيسي، بالتنازل عن الديمقراطية المطلوبة سابقاً مقابل تلك المساعدات، إذا صب ذلك في صالح الأمن القومي الأمريكي.

أما في ألمانيا فإن استقبال السيسي على “سجادة حمراء” يمكن أن يطارد ميركل وجاوك بعد ذلك، ويضع دفاعهما عن شجاعة من يناضلون من أجل الحرية على المحك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى