ثقافة و فنمنوعات

في يومها العالمي.. مبادرات “فيسبوك” تنقذ اللغة العربية

هؤلاء يقدمون اللغة العربية بأساليب غير مسبوقة ويتابعهم الآلاف..

كتبت: غادة قدري

يحتفل  موقع “زحمة” بمناسبة “اليوم العالمي للغة العربية”  وليس أفضل من مشاركة هذا الاحتفاء بطريقة عصرية، فنحن لن نتحدث عن قواعدها وتاريخها، ولن نزعج التلاميذ الذين يشتكون من النحو والصرف، وألغاز الإعراب ولكن سنتعرف سويًأ على عدد من المبادرات المهتمة باللغة العربية والتي أسسها شباب يحملون على عاتقهم تبسيط قواعد اللغة وتكسير جمودها بما يتناسب مع عصر وسائل التواصل الاجتماعي..

تابعونا في التقرير التالي:

“كبسولات لغوية”

عندما فاز محمود موسى عام 2010 بجائزة في الشعر، لمس أن هناك انفصال بين الشريحة الأدبية وشريحة المتلقين، دون وجود نجم في المجتمع من شعراء الفصحى فقرر أن يتبنى مبادرة لتعليم الناس العربية، مستخدما أساليب غير مسبوقة للفت النظر كاعتماده على سيناريوهات الأفلام  والمسلسلات الكوميدية في توصيل المعلومة، والتي وجدت نجاحا كبيرا بعد ثمان سنوات منذ تأسيسها وتابعها أكثر من 115 ألف حساب.

محمود موسى

“صحح لغتك”

وهي مبادرة أخرى تأسست بمجهود كبير، لم يجد محمود سلام أبو مالك غضاضة في مصارحة متابعيه أنه منزعج من ما وصفه بـ”التلوث اللغوي” الذي نراه يوميا في لافتات الشوارع وإعلانات المنتجات، وحتى على أغلفة الكتب، وفي ديسمبر عام  2014،  قرر تأسيس  صفحة على “فيس بوك” لتعليم اللغة العربية،  أطلق عليها “صحح لغتك” ويتابع الصفحة الآن أكثر من 20 ألف حساب.

محمود سلام أبو مالك

“اكتب صح” و”نحو وصرف”

مشروعان منفصلان يهدفان للتثقيف حول اللغة العربية والأخطاء الشائعة ويتفاعل معهما أعداد كبيرة من المتابعين الراغبين في تعلم اللغة العربية السليمة بلا أخطاء مع الصفحتين.

“اكتب صح”.. اللغة بالتكنولوجيا

في عام 2013 دشن الصحفي المصري حسام مصطفى إبراهيم صفحة “اكتب صح” على “فيس بوك”، فقد لاحظ بحكم عمله المشاكل اللغوية التي يعاني منها زملائه، وعندما كان يشرح لهم قاعدة أو اثنتين ويستوعبونها كانت السعادة تملأ قلبه، من ثم فكر في التوسع قليلا، وإتاحة الفرصة لعدد أكبر من الناس لمعرفة حقيقة روعة اللغة العربية وبساطة إتقانها فأطلق المبادرة على فيس بوك، والتي وصل عدد متابعيها أكثر من 78 ألف، ثم توسع أكثر بعدها وأطلق موقعا إلكترونيا يحمل الاسم نفسه.

يقول حسام لـ”زحمة”: “العربية ليست صعبة، وإلا لما اختارها الله سبحانه وتعالى لتحمل كتابه إلينا، ولما بقيت حتى عصرنا الحديث، فيما انقرضت لغات أخرى مثل اللاتينية مثلا. المشكلة في المناهج التي لم تفعل سوى أن جعلتنا نكره العربية ولا نعرف عنها إلا ما لا نحتاج إليه في حياتنا اليومية”

حسام مصطفى إبراهيم- مؤسس مبادرة “اكتب صح”

وتابع: الناس معذورون بسبب اللافتات المكتوبة خطأ في الشوارع، عدم اهتمام الدولة باللغة، عدم وجود حظ ونصيب في الوظائف المرموقة للمجيدين في اللغة، اعتماد الإنجليزية لغة للبيزنس وفرص العمل الجيدة، عدم الاهتمام بالعربية في مدارس اللغات والمدارس الدولية التي يفزع إليها الآباء للهرب من شبح التعليم الحكومي بالغ السوء.

ورغم كل ما يقال عن اندثار العربية مازال حسام متفائلا ويعمل بشكل مضني من أجل الحفاظ على تلك اللغة التي لا يخفي عشقه لها ليل نهار، يبتكر كل الحيل مستخدما وسائل عصرية لتوصيلها بأبسط ما يمكن بعيدا عن القواعد المعقدة التي لا يحتاج إليه غير المختصين على حد قوله.

ألعاب وفيديو

وعن تلك الوسائل العصرية لتعليم العربية قال “أعكف على استخدام التكنولوجيا وتوظيفها في شروحات اللغة، وبصدد تقديم شروحات بالفيديو لقواعد النحو والإملاء والبلاغة واستخدام الكمبيوتر في التدقيق الإملائي وتذوق اللغة وغيرها من الموضوعات التي ستحدث فارقا في ذهنية متابعها إن شاء الله.

مضيفًا: انتهيت بشكل كامل من تصميم لعبة ورقية تفاعلية لتعليم اللغة من سن 9 سنوات فيما فوق، وأسعى لإنتاجها وإتاحتها للجمهور خلال الأشهر القليلة المقبلة”.

مازال حسام يواجه التحديات والعثرات في طريق مشروعه، فهو يصارع لتغيير ذهنية الناس، وتبديل الصورة النمطية عن اللغة العربية واعتبارها لوغاريتمات، مؤكدا أنه نجح في ذلك بالفعل عبر العديد من الفعاليات والممارسات واللقاءات، حتى أصبح الجمهور متفهما خطورة وجود خطأ لغوي ومتقبلا فكرة  بذل الجهد لتلافيه.

تحديات مادية

وتهدف مبادرة “اكتب صح” إلى زيادة الإقبال على اللغة وإعادة وضعها ضمن أولويات الناس، رغم أن المبادرة منذ أطلقت لم تتلق أي دعم من أي جهة حكومية أو خاصة.

وبالفعل يرى حسام أن هناك تفاعلاً ملحوظًا ليس فقط من المثقفين والصحفيين، فهناك أناس لأول مرة يعطون اللغة كل هذا الاهتمام ويسألون عن قواعد لغوية وكتب للاستزادة، وغيرهم يحضرون الورش التي تنظمها المبادرة.

ويستطرد: “الكثير من ردود الفعل إيجابية ومفرحة وتؤكد أننا كنا على حق عندما أقدمنا على هذه الخطوة رغم أي صعوبات”

 نحو وصرف.. بعيدا عن القواعد الأكاديمية

قبل عامين أسس محمود عبدالرازق جمعة صفحة “نحو وصرف” وهو أيضًا صحفي مصري متخصص يعمل في الديسك والتصحيح اللغوي.

لكن “نحو وصرف” التي وصل عدد المعجبين بها ما يقرب من 180 ألف شخص، مازالت تمارس نشاطها عبر الفيس بوك ولم تتطور إلى موقع ومؤسسها يواجه صعوبات في المشاركة ضمن فاعليات خارجية مع الجمهور، رغم أنه شارك من قبل في ورش لتعليم اللغة العربية، ومباديء التحرير (الديسك)، وألف كتابًا يحمل عنوان”الأخطاء اللغوية الشائعة في الأوساط الثقافية”


ولا يخف محمود عبد الرازق الصعوبات الأخرى التي تعترض مشروعه الذي يحلم أن يكبر يوم ما.

يذكر عبدالرازق أن التحدي الأكبر هو التبايُن الشديد في مستويات رُوّادها، فجمهور الصفحة متعدد الاتجاهات بشكل مُربِك، ففيه الصحفيون والمثقفون، وفيه الطلاب من مختلِف المراحل الدراسية، وفيه أولياء الأمور الذين يرغبون في التوجيه ليذاكروا لأبنائهم، وفيه المعلّمون، والمهتمون بالجانب العلمي، ودارسو الدين الإسلامي، وفيه المسلمون وفيه المسيحيون وفيه الملحدون، وكل هؤلاء يتفاعل مع المنشورات، وكثيرًا ما يكون هذا الاختلاف سببًا في مشاحنات تخرج عن موضوع المنشور”.

ويقول عبد الرازق لـ”زحمة”  “حين ننشر معلومة نحتاج إلى أن تكون طريقة عرضها مناسبةً للعالِم باللغة، وفي الوقت نفسه مناسبةً لمن يدخل مضمارها للمرة الأولى. فمتى نذكر مرجع المعلومة ومتى لا نذكره؟ متى نذكر تفاصيل القاعدة ومتى نذكر مجرد مثال لها؟ متى نذكر خلافات العلماء في قضية مطروحة ومتى لا نذكرها”.

أما الصعوبات التي تواجه جمهور الصفحة بحسب عبدالرازق فهي أولًا أن المسؤول عن الصفحة شخص واحد، وهذا يجعل تفاعله مع نحو 180 ألف شخص قليلًا، مهما بذل من جهد، لهذا يرى كثير من الجمهور أن الصفحة مقصِّرة،

لا للدراسات الأكاديمية المعقدة

وعن منهج الصفحة في تعليم الجمهور يؤكد ” “نحو وصرف” لا تقوم أصلًا على الدراسات الأكاديمية، بل الأصل في منشوراتها هو التبسيط الشديد، وعرض المعلومة في سياق استعمالها اليوميّ العادي، ومن ذلك تصويب أخطاء الأخبار أو لافتات المحلات أو ما يُكتب على اللوحات في المظاهرات ونحوها، إلى آخر ذلك مما تمرّ به عين رُوّاد الصفحة في الشارع ولا يلتفتون إليه. وفي الأوقات التي نعرض فيها المعلومات الأكاديمية البحتة، نعلن عن ذلك قبلها لمن يرغب فيه حتى يتابعه، ونعرض المعلومات بأبسط شكل ممكن حتى لا يشعر المتلقِّي بصعوبة في الأمر.”

“نحو وصرف” على يوتيوب

ويسعى عبدالرازق خلال الأيام المقبلة لتدشين قناة “نحو وصرف” على موقع الفيديوهات “يوتيوب”، لأن كثيرًا من المعلومات لا صحيحًا كاملًا إلا إذا سمعه المتلقِّي. وبإذن الله في فبراير المقبل ننشر الطبعة الرابعة من كتاب “الأخطاء اللغوية الشائعة في الأوساط الثقافية”، بعد إضافة كثير من المواد التي أوحت إلينا بها الصفحة والتفاعلات معها.

 جمود المناهج الدراسية

ويرجع مؤسس “نحو وصرف” إحجام الناس عن إتقان العربية إلى جمود المناهج الدراسية وعدم ربط بين القواعد والواقع، بالإضافة إلى عدم اهتمام الأسرة بتفوُّق الأبناء في اللغة العربية، إلا -ربما- من باب الحصول على درجات أكثر، لأنهم يعلمون أن المستقبَل لم يعُد للغة العربية، بل للغات الأجنبية التي تتيح لأبنائهم العمل في شركات ومؤسسات كبيرة

ويأمل أن لا يكون سببا في اندثار اللغة يعمل بكامل جهده لتطويرها والحفاظ عليها.

محمود عبدالرازق جمعة- مؤسس مبادرة “نحو وصرف”

رغم كل الهجوم على الكتاب الجدد والإصدارات الجديدة بأخطائها، يشجع عبدالرازق الشباب على ممارسة الكتابة لأنها كما يرى ظاهرة صحّية، بكل ما فيها من مزايا وعيوب، فالتفات الإنسان إلى القلم/الكيبورد للكتابة والتعبير عن نفسه، أو حتى لتقليد غيره من الكُتّاب، أفضل بكثير من التفاته إلى وسائل ضارّة.

العامية من وجهة نظر “نحو وصرف”

وعندما سألنا مؤسس الصفحة عن العامية قال إنها في مصر لغة قائمة بذاتها، ولا يمكننا أن نلوم من يستعملها في كتابته، فالمصريون كانوا يتكلمون ويكتبون ويقرؤون قبل دخول العرب مصر، وكانت لغتهم هي المصرية القديمة، التي تطوَّرَت إلى اللغة القبطية في أواخر الدولة الرومانية، وما زال المصريون يستعملون كثيرًا من قواعدها حتى اليوم، بالإضافة إلى كثير من كلماتها التي لا تزال تملأ عباراتهم، بالإضافة إلى دخول كثير من كلماتها في اللغة العربية.

أما “الفرانكو آراب” كانت ظاهرة منتشرة عندما كان كثير من الهواتف المحمولة لا تدعم اللغة العربية، فكان كثيرون يتحايلون على هذه العقبة بهذه الطريقة في الكتابة، ومع الوقت انحسرت هذه الظاهرة حتى تكاد تتلاشى الآن.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى