سياسة

في صفقة إيران: من ربح السلام؟

هافينجتون بوست: نجح الاتفاق رغم العقبات التي وضعتها إسرائيل ودول الخليج

هافينجتون بوست – جون تريمان – ترجمة: محمد الصباغ

احتاج الرئيس الأمريكي جون كينيدي فترة ليتعافى من جراحه بعد كارثة خليج الخنازير في كوبا، وقال في مؤتمر صحفي: ”النصر له ألف أب أما الفشل فيتيم“ يعود أصل المقولة للمؤرخ اليوناني تاكيتوس، وتذكرت ما سبق حين احتفل الكثير منا بأكبر انجاز تاريخي في سياسة أوباما الخارجية، وربما ”الانتصار“ الأكثر أهمية لصالح السلام العالمي في العقود الثلاثة الأخيرة.

من ربح السلام؟.. مَنْ هم مئات الآباء والأمهات لهذا النصر الساحق؟ بالطبع المراهنون في لندن سيختلفون حول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الإيراني جواد ظريف لينتهي الأمر بحصولهما سوياً على جائزة نوبل للسلام. كتائب المفاوضين وقادة المفاوضين الرئيسيين، ومعهم بقية مجموعة (5+1) وهم الصين، وفرنسا، وألمانيا وروسيا وبريطانيا، ويضاف إليهم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. سنحتاج الكثير من الوقت لنروي بشكل كامل كيف تجمع كل هؤلاء معاً في فيينا وأماكن أخرى لخوض هذا الماراثون من المحادثات.

لكنني ألفت الانتباه إلى المئات، لو لم يكن آلاف، من الآخرين الذي عملوا بجد لعقود للوصول إلى هذه النتيجة، وهم من الأكاديميين، والنشطاء، والصحفيين، والقادة الدينيين، والكثيرين الذين قاموا بهذا العمل الكبير لصنع السلام. سيحصل كيري وظريف ومعهما أوباما وروحاني على المجد، وبالطبع يستحقون الإشادة، فالمخاطرات السياسية التي واجهتهم كانت كثيرة. لكن تغيير مثل هذا لا يحدث ببساطة ولا يظهر فجأة مثلما تظهر منيرفا من رأس الاله زيوس (في الأسطورة الإغريقية).

من المهم أن أذكر سابقة درستها منذ سنوات حول نهاية الحرب الباردة. مازلنا نتناقش حول كيف ولماذا هدأ الصراع الأمريكي السوفيتي. يرجع الكثيرون الفضل إلى الثنائي مايكل جرباتشوف ورونالد ريجان ومعهم الظروف المحيطة الفريدة من نوعها. فاقتصاد الاتحاد السوفيتي تداعى وكان ريجان سياسياً خارقاً. لكن مثلما يحدث الآن، كان هناك عدة آلاف من الأشخاص الذين كانوا يعارضون سباق التسليح النووي، و يبحثون في كيفية مواجهته والابتعاد عنه، و يبنون الثقة بين الخصوم، وخلاف ذلك يسعون لانهاء جنون التسلح النووي.

في الواقع كانت الحرب الباردة ذات صفة رسمية، مع وجود مؤسسات ومفكرين وبرامج جامعية ومنظمات غير حكومية تم تخصيصها من أجل حل ألغاز هذه المشكلة. وجلبت سنوات التفاوض حول قيود التسليح بعض الاستقرار والأمل. وظهرت بشدة الدبلوماسية الشعبية في السبعينيات. العلاقة بين البلدين كانت متأرجحة، لكن الدولتين احتفظتا بالروابط الدبلوماسية، والتجارة، وكل الأشكال الأخرى التي تعبر عن السياسة الطبيعية، كل ذلك كان بدعم من منظمات المجتمع المدني والجامعات وما شابه.

هناك شىء مشابه لكن على نطاق أقل، دفع بعيداً عناد حكومتي واشنطن وطهران. بسبب الاهمال السياسي قام كارتر بقطع الروابط الدبلوماسية مع إيران والعلاقات وبالطبع أي احتمالية لحل الأزمة التي استمرت بسبب ذلك 36 عاماً. ومما زاد من سخونة الأمر التعامل التجاري القليل أو غير الموجود من الأساس مع إيران، والصعوبة في التعامل معها كدولة عادية، والعقوبات التي فرضت على الجمهورية الإسلامية طوال تاريخها، والصدامات على مستوى قليل في العراق.

بالنسبة لمن يريدون العبور من هذا المستنقع، كانت العوائق هائلة. ورغم ذلك حدث تقدم ما، وقامت أكبر منظمة أمريكية غير حكومية لمنع الصراعات (Search for common Ground) بالترتيب لتبادل مصارعين بين البلدين في التسعينيات وبعض الأنشطة المشابهة. كما كان هناك جهوداً في مسار آخر فيه دار حوار موضوعي ،لكن بشكل غير رسمي، واشترك فيه مسؤولون سابقون ومستقبليون مثل طوماس بيكرينج، ودوبلوماسيين أمريكيين، وظريف باجواش، ومنظمات بها علماء من حول العالم حيث لعبوا دوراً في الأزمة السوفيتية الأمريكية، يمكن أن يكرروا ذلك مع إيران. كما كان هناك بعض المجموعات الفنية والأفراد الذين قدموا دعماً علمياً خلال مناقشات الصفقة. كما كان هناك دوراً مؤثراً وجديد نسبياً للوبي ”عرقي“، وهو المجلس القومي الإيراني الامريكي برئاسة تريتا بارسي، وكان لا يكل ولا يمل من أجل العمل للوصول إلى الاتفاق.

أما الصحفيون المتعاطفون والمواقع الالكترونية (الأخيرة بالطبع لم تكن موجودة أثناء الحرب الباردة)، قد يواجهون التشكيك الكبير أو التغطية الإخبارية المختلفة في وسائل الإعلام القديمة. لعبت الهافينجتون بوست والمونيتور، وتحديداً لورا روزين، ولوبي لوج، التي أسسها جيم لوبي، دوراً كبيراً في ذلك. والعمل الخيري المنظم وخصوصاً صندوق تمويل بلاوشيرز و مؤسسة كانيجي بنيويورك التي مولت مشروعي حول إيران، وصندوق تمويل روكفلر بروزرز أيضاً، هؤلاء من بين كثيرين كانوا داعمين ثابتين ويعملون بلا أهداف ربحية.

بدأ وجود وسائل الإعلام الجديدة والأكاديميون والمنظمات غير الحكومية في القضية بصورة جيدة قبل العامين الماضيين من المفاوضات الممتدة، و كان دورها حاسماً خصوصاً أن المعارضين للصفقة –إسرائيل وحلفاؤها في أمريكا والملكيات الخليجية- حاولوا وضع العوائق، كما شرحت في كثير من المرات. في الواقع الصفقة الإيرانية، بفرض أنها تسببت في تحدي للكونجرس، يمكن أن تكون أكبر انتكاسة لإسرائيل من السياسة الخارجية الأمريكية منذ أزمة السويس قبل 60 عاماً مضت. يذكر أن إسرائيل ضغطت بشدة ضد الأمر كما لم تفعل من خلال جماعات الضغط مثل لجنة الشئون الأمريكية الإسرائيلية الخارجية، و معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

وبشكل ملفت للنظر أصبح الرأي العام الأمريكي لشهور يفضل المفاوضات. وأقول بشكل ملفت للنظر لأن إيران كانت دولة الشر التي تستخدمها الولايات المتحدة في خطاباتها منذ حصار السفارة في 1979 و 1980، كما مازالت النظرة السلبية تجاه إيران مرتفعة.  لا يقتصر التحول في التوجه العام نحو دعم الاتفاق النووي إلى مجموعة الأفراد والمنظمات المذكورة سابقاً فقط، بل هناك الظروف، انتخاب الرئيس المعتدل روحاني عام 2013، والانهاك الأمريكي من الفوضى في الشرق الأوسط والرغبة في الاستقرار، وانتشار الدولة الإسلامية بشكل خاص. بعض النخب تحولت بشكل ما إلى دعم الاتفاق، وانعكس ذلك على القبول الواسع.

بدرجة ما، كانت عوامل مشابهة قد لعبت دوراً في إنهاء الحرب الباردة. فإصلاحي مث جورباتشوف وصل إلى السلطة وسعى إلى التقارب، بينما خافت وشعرت أمريكا بالقلق من سياق التسلح.

كان انهاء الحرب الباردة أكثر ترابطاً ومنطقية من هذا الاتفاق مع إيران، لكن الطرق والوسائل التي وصلت إلى اتفاق مرضي تبدو متشابهة بشكل مذهل.

كل هذا جزء من سياسة الحزب الديموقراطي الخارجية: الأشخاص العاديون والخبراء يقدمون مقترحات بحلول للمشاكل، ويقدمون رؤية لعالم أكثر أمناً، و يحشدون مطالبات عامة بالسلام. هذه المرة نجحت بشكل رائع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى